مصادر معرفته صلى الله عليه وسلم

أ. د. جعفر شيخ إدريس ·

عالم النبوة الرحيب (2)

مصادر معرفته صلى الله عليه وسلم

أ.د. جعفر شيخ إدريس

المصادر الأساس التي تلقى عن طريقها رسول الله صلى الله عليه وسلم معارفه التي جعلته يعيش في عالم أرحب من كل عالم بشري هي فطرته السليمة، وحواسه المتميزة وفؤاده العاقل، والقرآن الذي أوحاه الله إليه، والسنة التي آتاه الله إياها، ثم ما وهبه الله من مواهب جعلت هذه العلوم تؤتي ثمارها إلى أقصى غاية.

 الفطرة السليمة: كان صلى الله عليه وسلم صاحب الفطرة السليمة التي لم يخالطها شيء من المكدرات روى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه:

إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب ‏ ‏محمد ‏ ‏فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ

والفطرة السليمة تعني الاحتفاظ بكل ما غرسه الله تعالى في الإنسان من خصال الخير التي تنمو مع نمو عقله، إذ أن كل مولود يولد على الفطرة ومبنى الدين الحق كله إنما هو على هذه الفطرة:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم:30)

 القرآن الكريم ما كان لكلام رب العالمين أن يتنزل على كل قلب أيا كان كما اقترح الجهلة من المشركين، ما كان له أن يتنزل إلا على قلوب لها استعداد خاص لتحمله والله أعلم حيث يجعل رسالته. لم يصطف الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون قلبه محلا لهذه الرسالة الربانية، وإنما تكفل سبحاه بأن يقرأها عليه كما ينبغي أن تقرأ وأن يجمع له كلماتها في قلبه، وأن يبين له معانيها. ثم إن الله تعالى أنعم عليه يصوت بلغ من الحسن غايته، فكانت تلاوته لكتاب ربه تجمع بين بيان المعنى وجمال الأداء فلا جرم فقد كانت من دلائل صدقه وسببا من أسباب قبول الكثيرين لدعوته

إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (القيامة:17ـ19)

السنة. لم تكن صلته صلى الله عليه وسلم بربه قاصرة على الساعات التي  يتلقى فيها القرآن الكريم منه سبحانه، بل كان دائم الصلة به دائم التعرض لهداه. روى الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب الكندي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الا اني أوتيت الكتاب ومثله معه الا اني أوتيت القرآن ومثله معه .

فكل ما بينه للناس من أمر دينهم أو أمرهم به فبهدى الله بينه وبأمر الله أمر به

أما المواهب التي جعلته ينتفع إلى أقصى غاية  بكل ما علم فمنها:

الفطنة التي نعني بها  الذكاء وقوة الذاكرة وقوة الحفظ وجودة الفهم

التفكر والتأمل والتدبر الذي كان ديدنه صلى الله عليه وسلم

القياس والاستنباط لم يكن صلى الله عليه وسلم يكتفي في بيانه للحق لبعض الناس بمجرد الإتيان بالدليل النقلي ولا سيما إذا كانوا غير مسلمين، وإنما كان يأتيهم بالأدلة العقلية التي لا يمارون فيها.. قوة الملاحظة

وكان له مما نسميه اليوم بقوة الملاحظة ما لفت نظر أصحابه. شبه لهم ذات يوم إعادة الحياة إلى من يخرجهم الله بفضله من النار بقوله كما في صحيح مسلم :

فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض ؟ فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية

 وسنرى بإذن الله تعالى أمثلة كثيرة لهذه المواهب حين نأتي لشيء من تفاصيل علمه وعالمه صلى الله عليه وسلم بهذه المواهب الإلهية اجتمع  للمصطفى من أنواع العلوم وكثرتها ونفعها ما لم يحظ بمثله بشر قبله ولا بعده، فعاش بهذا العلم في عالم لا يدانيه عالم في سعته ورحابته.

نواصل بإذن الله

عالم النبوة الرحيب (1)

1
4698
تعليقات (0)