أ. د. جعفر شيخ إدريس ·
عالم النبوة الرحيب (1)
يتسع عالم الإنسان الذي يعيش فيه أو يضيق بحسب سعة علمه وضيقه، فقد يسكن شخصان في بلد واحد، بل قرية واحدة، ثم يكونان عائشين بعلمهما في عالمين مختلفين غاية الاختلاف في نوعهما وسعتهما بسبب ما بينهما من الاختلاف في نوع العلم وسعته.
يولد الإنسان جاهلا ثم ييسر الله تعالى له أسبابا للعلم كلما توفر له قدر منها أكبر كان علمه أكثر . قال الله تعالى:
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (النحل: 78)
لكن هذا الإنسان
1. يولد ومعه بذور العلم التي تنمو في داخله بنمو عقله ولا تحتاج لأن تكتسب من خارجه لأن " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه او يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء؛ هل تحسون فيها من جدعاء؟" فكل ما انزل الله على رسوله من علم له أصل وجذور في هذه الفطرة
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم:30)
وهو علم يشمل أصول الدين وأصول المبادئ العقلية والخلقية والذوقية. فكل من احتفظ بفطرته هذه نقية لم تكدرها عوامل خارجية كان حظه من هذا العلم الفطري أكثر وأشد رسوخا.
2. ثم إن الإنسان يكتسب العلم بالوسائل المذكورة في هذه الآية، الحواس والعقل.
3. ومن العلم وأشرفه ما هو وحي من الله الله تعالى، يعلمه الأنبياء علما مباشرا من خالقهم أو بوساطة ملائكته، ويعلمه سائر الناس بتبليغ الأنبياء.
4. ومنه ما هو مستخرج من ذلك الفطري والمكتسب والمنزل من عند الله تعالى، يستخرجه الإنسان بكثرة التفكر والتامل.
كان رسل الله أحب خلق الله إلى الله، فلاجرم آتاهم من العلم بنفسه تعالى وبخلقه ما لم يؤت أحدا، وآتاهم من أسباب العلم ووسائله ما لم يؤت أحدا من سائر خلقه. و محمد صلى الله عليه وسلم هو أحب رسل الله إلى الله فلا جرم كان أعلمهم به وبخلقه، ولا جرم كان عالمه الذي يعيش فيه أرحب عالم.