توحيد المرجعية الإسلامية.. بين الضرورة الملحّة.. والمهمة المستحيلة

هبة ترجمان
ظلت قضية التقارب بين العلماءِ المسلمين، والعمل على توحيد الآراء الفقهية فيما بينهم، من القضايا المهمة في الفترة الأخيرة بحثاً عن اتفاق يوحد مظهر الفتاوى التي تسد حاجة المسلمين في شتى أنحاء العالم وتحلُّ مشكلاتهم، وتنظم تفاعلهم مع المجتمعات الأوروبية، في ضوء أحكام الشريعة ومقاصدها كل ذلك مطلب أملته الضرورة لمعالجة الأمور المستجدة على الساحة. كما كان المقصد من ذلك نشر المفاهيم الإسلامية الأصيلة والفتاوى الشرعية القويمة بالاعتماد على المراجع الفقهية الموثوق بها، وخصوصاً تلك التي تستند إلى الأدلة الصحيحة. فمن الملاحظ أن الإسلام اليوم أصبحت مفاهيمه تطالها التأويلات المختلفة والمتناقضة في الكثير من الأحيان. فكل نظام من الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين له ''إسلامه'' ويعتبر نفسه متكلماً باسم الإسلام وكل شعب من شعوب المسلمين له عاداته وتقاليده وأعرافه المحددة لمفهومه للإسلام، وكل تيار يمارس أدلجة الدين الإسلامي معتبراً نفسه ممثلا لـ''الإسلام'' و''متكلما'' باسمه، وكل كاتب ''إسلامي'' يعتبر ما يكتبه هو عين ''الإسلام''، مما عكس بوجه جلي مظهر الاختلاف والتباين بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ومعلوم أن الفتوى هي صيغة تأملية، والمنظرون المسلمون الذين يحركهم نوع من المعاصرة عكسوا في مؤلفاتهم صلاحيات المفتي والعلاقة القابلة للتغيير بين الفتوى والمجتمع.. وحول هذا الموضوع كان لنا هذا الاستطلاع وسط بعض المتخصصين في مجال الدين عارضين عليهم السؤال الجوهري والمركزي الذي نسعي لإيجاد إجابة عليه: هل يمكن توحيد الفتاوى؟ وما مدى أهمية ذلك؟

إخضاع للشرعية الأصلية

في البدء يقول وزير الأوقاف السوري الدكتور زياد الأيوبي: إن إيجاد مرجعيةٍ إسلاميةٍ واحدةٍ لكافةِ المسلمين، أمرٌ ممكنٌ على أن لا تنفرد هذه المرجعية برأي واحد، وأن يلاحظَ التنوعَ الفكري للمدارس المذهبية، أما ما يتعلق بقضايا العقيدة والعبادات فهي مسلمات يمكن أن يكون لها مرجعية واحدة. وما يتعلق بالمستجدات على الساحة العربية والإسلامية من تعابير مثل الإرهاب، والعولمة، والعالمية، والعلمانية وما إلى ذلك فهذه قضايا يجب ألاّ تخضع للسياسات، بل للأصول الشرعية الأصلية. أما ما يتعلق بالشهر العربي واعتماد الرؤيا الفلكية والعينية لتحديده؛ فلابد من الاجتهاد فيه، وكذلك الأمر بالنسبة للقضايا والمسائل الاقتصادية المستحدثة.

تفعيل دور المجامع الفقهية

ويقول فضيلة الشيخ الدكتور راتب النابلسي: إن فوضى الفتاوى، وظهور الكثير من أنصاف المتعلمين والأدعياء الذين يتجرأون على إطلاق الفتاوى عبر وسائل الإعلام، ومواقع الإنترنت، يستوجب إيجاد آلية لضبط مسائل الفتوى، ومواجهة الفتاوى التي لا تحقق مقاصد الشريعة ولا يمكن معالجة ذلك إلا بتعزيز مجامع الفقه الإسلامية، وتفعيل نشاطها، وتقصير المدة الفاصلة بين دوراتها، وإدخال عدد أكبر من الفقهاء، ورجال العلم في شتى الاختصاصات، فالفتاوى المعاصرة لا يستطيع أن يقوم بها الفقيه وحده ما لم يعتمد على أهل الاختصاص، وأن تعمم قراراتها على أكبر شريحة من المشتغلين بشؤون الفتوى، وأن يعقد مؤتمر للقائمين على المحطات الفضائية يطلب منهم أن يمتنعوا عن إصدار الفتاوى من خلال محطاتهم، ما لم تكن معتمدة من مجامع الفقه الإسلامي. ويمكن أن يكون لكل وزارة أوقاف في العالم الإسلامي موقع على الإنترنت تدرج فيه التشريعات والتعليمات والبلاغات الدينية والتجارب الناجحة وتدرج فيه مضامين المجلات الإسلامية، ويكون هذا الموقع أيضا منبرا لكل العلماء الربانيين، والمفكرين الإسلاميين، .

اتفاق مستحيل

أما مقرئ قراء الشام الشيخ كريم راجح فيقول: إن توحيد الآراء الفقهية غير ممكن، لأن رأي كلٍ يباين رأي الآخر ولكلٍ أدلته في ذلك، أما ما يمكن الاتفاق عليه من أمور مسلمين فهو للأسف غير ممكن التطبيق في عالمنا العربي، ذلك أن لكل دولة رأي مستقل عن الأخرى تبعاً للحاكم وسياسته فيها وتبعاً لهيئة الإفتاء أو شخص المفتي، فيكون اعتماد الآراء والفتاوى متبايناً بتباين اعتماد الفتوى بما يتناسب مع المصلحة العامة للدولة.

جمود وتخلف

الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري أمين الفتوى بوزارة الأوقاف السورية قال: معلوم أن القرآن الكريم هو المادة الأوَّلية - الخام - للفقه الإسلامي، والسنة النبوية تليه تابعة للقرآن، هما قاعدتا الحضارة. وأن أهم أسباب تخلف المسلمين وتراجعهم هو غياب الاجتهاد عن الساحة العملية، وجمود المشتغلين بالفقه عند نصوص الفقهاء المتقدمين زمناً، دون التمحيص والتدقيق في صلاحية أقوال أولئك الفقهاء، وملاءمتها مع الحياة. ويختم زعتري بقوله: إن اجتماع الفقهاء لاتخاذ قرار فقهي بشأن مسألة جديدة هو أمرٌ له أهميته الاستراتيجية، فهو يعطي فرصة لتكوين أجيال من المسلمين متصفة بثلاثة أشياء بعيدها عن التعصب والتقليد الأعمى، توحدها في المرجع الفقهي بعد أن توحدت في مجال العقيدة وتقاربها في التوجه الفكري. شريطة أن يكون الاجتهاد الجماعي بتشاور أهل العلم في القضايا المطروحة، مع وجود أصحاب الاختصاص في المسألة المعروضة.

عبث وتلاعب لأحكام

ومن جانبها تقول الأستاذة هند المعدنللي أستاذة مادة الفقه المقارن في كلية الدعوة الإسلامية بدمشق: إن للدين أساسيات قد تكفل الشرع بحفظها بأدلة قطعية الدلالة لا تحتمل التأويل, سواء أكانت آيات محكمة أو سنة متواترة. أما تلك التي تتعلق بجوانب مختلفة للحياة والقابلة للتطور, فقد كانت أحكامها تستند إلى أدلة ظنية, ولعل ذلك رحمة في الأمة لأن الأدلة الظنية تحتمل أكثر من معنى, ومن هنا نشأ الخلاف. وإن كان المقصود من الدعوة إلى توحيد الفتاوى, أو اعتماد مرجعية فقهية واحدة, هو إعادة النظر فيما قام به الأئمة من اجتهادات, فهو عبث ودعوة للتلاعب بالأحكام الشرعية, أما إن كان الغرض منه النظر في مستجدات العصر ونوازل الأمة, مما لم يرد على الأئمة السابقون، فهو واجب على من توفرت فيه شروط الاجتهاد.

لاضرورة لتوحيد الفقه

المدير العام لمجمع الشيخ احمد كفتارو بدمشق الدكتور صلاح الدين كفتارو اختلف رأيه قليلاً حيث قال: إنني لا أرى ضرورة للربط بين وجود مرجعيات فقهية معتمدة وبين توحيد الفتاوى وإلزام أحد بها لأن كثيراً من الأمور الشرعية اعتمدت على التنوع والغنى في آراء الفقهاء المبنية على الشريعة السمحاء حسب الأصول ولم يلجأ الإسلام لإلزام أحد بخيار فقهي واحد بل فسح له المجال للتخير من الباقة الفقهية الثرية. المهم في الفتاوى والآراء الفقهية هو أن تكون مشبعة بالدراسة وملتزمة بالأصول الشرعية نصاً وروحاً.

صحيفة المدينة السعودية

1
4101
تعليقات (0)