الشريف حاتم بن عارف العوني
الجمعة 7 ذو القعدة 1431 هـ
قرأنا عنوان خبرٍ مُلْفِت ورد على موقع قناة العربية , يقول العنوان : «في أول اعتذار رسمي من نوعه : وزيرة خارجية الدانمرك تعتذر لشيخ الأزهر عن الرسوم المسيئة للرسول» [1] (صلى الله عليه وسلم) .
ثم قرأنا مضمون الخبر, فإذا هو يقول بالحرف الواحد : «أعربت وزيرة خارجية الدنمارك، لين أسبرسن، عن أسفها للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وقالت خلال لقائها بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: إنني أقدم اعتذاري للعالم الإسلامي من مشيخة الأزهر على الرسوم المسيئة للنبي محمد والدين الإسلامي. وشدّدت وزيرة الخارجية على أن اعتذارها عن الرسوم المسيئة ليس نابعاً من تعرّض الرسام الذي رسم هذه الصور لتهديدات بالقتل، بل من حرصها على أن ما حدث لا يعبّر عن الحكومة الدنماركية، مؤكدة أن حكومتها لن تسمح بتكرار مثل هذه الإساءات للدين الإسلامي أو رموزه».
وللأسف فقد تناقلت هذا الخبر بعض المواقع الأخرى , دون تثبّت . وبرجوعنا لنص الخبر باللغة الإنجليزية , وجدناه مختلفا عن نصه العربي , فقد تحول في النص العربي إلى اعتذار عن خطأ , وإلى تعهّدٍ بعدم تكرار الإساءة , وهو في نصه الإنجليزي [2] مجرد أسفٍ على أن المسلمين استاءوا .
فهي تقول كما في نصه الإنجليزي:
"I would just like to make it clear that this was something we found very regrettable and didn't wish to see it repeated,".
والترجمة الصحيحية لهذا النص هي : «أود فقط أن أوضح أن هذا شيء مؤسف للغاية , ولا أتمنى رؤيتة يتكرّر».
والحديث بالطبع كان عن موجة الاستياء التي اجتاحت العالم الإسلامي , فهي التي أسفت وزيرة الخارجية لها, وهي التي تتمنى أن لا تشاهدها مرة أخرى.
هذا هو ما تريده بعض وسائل إعلامنا أن نعتبره اعتذارا , بل يزيدون في غشهم لنا عندما يدّعدون أن وزيرة الخارجية الدنماركية قد قدّمت تعهّدًا بعدم تكرار الإساءة للمقدسات. فإن كان هذا الخطأ الواضح قد وقع بغير قصد , فهو نقصٌ مريع في المهنية , يُفقده المصداقية , بقدر ما يفقده إياها تعمّدُ تغيير الأخبار .
وعلى المسلمين أن يعلموا : أن هذا الأسف هو في الحقيقة أسفُ الذي لم يُـخطئ أصلا, لأنه أسفٌ على استياءٍ حصل للذين ما كان ينبغي عليهم أن يستاءوا أصلا . فالمسلمون (حسب منطق وزيرة الخارجية) هم المخطئون على استيائهم , فهم إنما استاءوا لأنهم لا يعرفون قداسة حرية التعبير التي يعرفها الغرب. وإلى أن يتعلّم المسلمون حرية التعبير كما يعرفها ويقدسها الغرب, فلا بدّ من أن يتلقّوا الدرسَ تلو الدرسِ على احترام حرية التعبير, ولو على حساب احترامهم للمقدسات. ومع حاجتنا لهذه الدروس, فكرم أخلاق حكومة الدانمرك ومشاعرها الرقيقة هو ما جعلها تأسف لهذا الأسى الذي عصف بأكثر من مليار مسلم ولذلك الغضب الذي ملأ قلوب خُـمُس من على وجه الأرض من البشر الذي يُسمَّون بالمسلمين !! وعلى هذا: فأَسَفُ وزيرة الخارجية من جنس أسفنا على الألم الذي قد يشعر به مجرمٌ جراء عقوبته بالسجن أو الأشغال الشاقة, أو من نوع الأسف الذي قد يحصل لمن مارس حقَّه دون اعتداء على أحد, فتألّم آخرون لذلك دون أي وجه حقٍّ لهم في تألّمهم . إنه كرم أخلاق وإنسانية راقية , فشكرًا لهم على هذه المشاعر الكريمة .
شكرًا لهم .. وتعسًا على إعلامٍ يغشّ أمته, ويستجدي الاعتذار بهذه الطريقة المفضوحة المؤلمة .
ومع ذلك فقد كشف الله تعالى الغشّ وأهله , وها هي وزيرة الخارجية الدانمركية تكذب خبر الاعتذار !!
نعم لقد كذّبته بنفسها , وأراحتنا من الاختلاف في ترجمة وتفسير كلامها .
فقد جاء في موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC ليوم الخميس , 14 أكتوبر/ تشرين الأول, 2010 , الخبرُ التالي : « نفت وزيرة الخارجية الدنماركية ليني اسبرسن أن تكون قدمت اعتذارا عن نشر صحيفة دنماركية رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد خلال زيارتها للقاهرة هذا الاسبوع.
وكانت وسائل إعلام عربية ذكرت أن الوزيرة اعتذرت عن نشر الرسوم التي اعتبرها المسلمون مسيئة في حينها.
وقالت اسبرسن في مقابلة مع القناة الثانية للتلفزيون الدنماركي : إنها لم تعتذر عن نشر الرسوم. وقالت: «يمكنني أن أنفي تماما وبوضوح أنني قدمت اعتذارا , لكنني قلت : إن حرية التعبير ليست مطلقة وليست بلا حدود».
هذا هو نص الخبر في موقع .[BBC [3 وهكذا ينكشف التزوير الإعلامي للحقائق, ويُفتَضَحُ التلاعب المؤلم بمشاعر المسلمين الشريفة تجاه حبيبهم المفدَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن التلاعب بالمشاعر الشريفة لؤمٌ لا يُقدِم عليه كريمُ الأخلاق, ويؤسفنا أن يكون الغرب الذي أساء إلى مشاعرنا أصدق وأكرم من بعض مؤسساتنا الإعلامية ؛ فالغرب كان صريحا, وأساء عندما أساء إلينا بلا حياءٍ منه ولا تَسَتّر. أما بعض مؤسساتنا الإعلامية فقد أصبحت تمارس الغش والتلاعب بالمشاعر الإسلامية , تلك المشاعر السامية التي لا يجوز المساس بها ولا السخرية منها .
فهل يجوز لبعض وسائل إعلامنا أن تغش أمتها ؟!
وهل يجوز أن نستجدي الاعتذار بهذه الطريقة الوضيعة ؟!
سؤالان مُرّان , لا أودّ سماع جوابهما !!
___________________________
[1] http://www.alarabiya.net/articles/2010/10/13/122060.html
[2] http://news.yahoo.com/s/afp/20101013/wl_africa_afp/denmarkislamcartoonegypt_20101013182914
[3]http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2010/10/101014_denmark_apology_denial_tc2.shtml
الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو مجلس الشورى
والمشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم)