د. نجم عبد الكريم
د. نجم عبد الكريم
أشرت في مقال سابق الى متابعة الحديث عن اولئك الذين كتبوا عن نبي الرحمة (محمد بن
عبد الله) ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم يدحضون المزاعم التي يهرف بها نفر من قساوسة
امريكا ممن قادهم تعصبهم الاعمى المقيت لمحاولة النيل من اشرف خلق الله..
فهذا (واشنطن ايرفينج)، رجل من امريكا، ومن مواليد نيويورك، عمل وزيرا مفوضا
للولايات المتحدة الامريكية في مدريد بين اعوام: (1842ـ1846)، وفي هذه السنوات
القليلة، أخذ يبحث وينقب عن شخصية رائعة، لا مثيل لها ـ حسب تعبيره ـ وهي شخصية نبي
الاسلام.
وقد وصلت محبة هذا الرجل لنبي الانسانية الى مرحلة عالية من العشق، فكتب عنه كما لم
يكتب أي من المسلمين وتحدث عن صفاته وما يتمتع به من خلالٍ وسجايا، قائلاً «عظيم
الذكاء، قوي الذاكرة، سريع البديهة..».
وعن أميته يقول: «انها كانت احدى دلائل معجزة النبوة عند هذا الرجل الأمين الصادق،
الذي خلقته السماء للمهمة المقدسة... كان رحيما، صبورا، كريما، عادلا، منصفا، صلبا
لا يلين، لا يغتر ولا يستبد ولا يهين..».
وعندما يتحدث (ايرفينج) في الفصل السابع من كتابه عن حياة محمد ويأتي على نبوته
يقول: «تنبأ كتاب النصارى بظهور نبي من العرب، وسجلوا كثيرا من القصص عن معجزات
ميلاده، مثل اهتزازات الارض تحت الاقدام، وكسوف الشمس وانكماشها في ثلث حجمها
الطبيعي طوال النهار، وسقوط الكثير من الشهب الحمراء، هذه العلامات وغيرها، تنبأ
بها الكتابيون قبل ظهور (محمد) وهي مقدمات، وارهاصات لبزوغ ظهور الاسلام».
اما عن كيفية الاقتناع برسالة الاسلام، ومعارضتها، فقد كتب (ايرفينج) يقول:
«كانت شدة معارضيه هي اقوى المشاكل التي واجهها (محمد)، ولكن سرعان ما التف حوله
عدد من المؤمنين به، من الذين عرفوه منذ طفولته، وحتى ايام شبابه وعايشوه وهو يشترك
معهم في الحياة العامة، وخالطوه وكانوا من اشد المعجبين بأخلاقه العظيمة وصدقه
وامانته».
اما عن قيادته للأمة الاسلامية، وخاصة في بداية الدعوة، يوم كان اتباعه اقلية لا
تملك المال ولا السلاح، لكنها تتسلح بالايمان الذي يطفح في القلوب، يقول واشنطن
ايرفينج «كان (محمد) يحارب من أجل العقيدة، لا من اجل مصلحة شخصية (والله لو وضعوا
الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الامر ما تركته او اهلك دونه) ـ
ولم يترك الدعوة ـ وليهلك الشرك.. وهو.. هو (محمد).. نبي المستضعفين فهو كما وصف
نفسه ابن امرأة كانت تأكل القديد، وانه نبي.. جاء ليتمم مكارم الاخلاق».
هكذا يكتب (ايرفينج) عن (محمد) لأنه عرف الحق، فناصره وكم هو رائع ان يحق الحق، لكن
قساوسة امريكا الذين يتسربلون بجهلهم الفاضح، لا يدركون من الامور الا ظواهرها،
و(واشنطن ايرفينج) امريكي، ومن مدينة نيويورك، لكن الفارق بينه وبين الذين صاروا
يأتمرون بما تمليه عليهم الصهيونية العنصرية، انه قرأ الاسلام وعرف عن نبي
المسلمين، ولذا نجده يصف سلوكيات النبي العظيم في تعامله مع خصومه عندما دخل مكة
منتصرا، بعد ان خرج منها فارا.. يصف (ايرفينج) (محمداً) عندما دخل الى مكة قائلا:
«في قمة مجده يوم فتح مكة.. ارتفع (محمد) برحمته وتواضعه على كل من سبقه وتلاه من
الظافرين: فعلى الرغم من كل ما احرزه من انتصارات على خصومه الالداء، فإنه بكل ما
قاساه منهم هو واصحابه، لم يركبه غرور النصر، ولم تستبد به شهوة الثأر.. فهكذا
القرآن المنزل عليه: يدعو الى الرحمة والصفاء، والى كل ما هو سام من الاخلاق، رفيع،
فيه للناس حياة وسلام».
ويتوغل واشنطن ايرفينج بحب طافح لشخصية الرسول الاعظم ليصف لنا تفاصيل احداث اكدت
على ان (محمداً) ادبه ربه فأحسن تأديبه، وانه لعلى خلق عظيم.. فيذكر لقرائه كيف انه
صلى الله عليه وسلم، عندما سمع حامل الراية في مكة يهتف بـ (اليوم يوم الملحمة)
فيأمر ابن عمه علياً بن ابي طالب ان يحمل الراية هو، ويقول: (اليوم يوم المرحمة).
ويتحدث (ايرفينج) عن رسول الله في موضع آخر من كتابه (حياة محمد) فيقول:
«حقيقة انفرد بها نبي المسلمين، فقد لقي في دعوته الى دين القرآن كثيرا من العنت
والاضطهاد، كما تخلى عن كل متع الدنيا، وعروض الثراء، من اجل الدعوة لله الواحد،
ونشر رسالة الاسلام، وقد عاش حياته روحانيا منذ صباه، يأكل قليلا، ويصوم كثيرا،
زاهدا لا يميل الى الترف بسيطا، يبغض الثراء، متواضعا يرفض الابهة والجاه».
ويروي (ايرفينج) كيف ان الرسول اذا اقبل على جماعة، فيقومون له احتراما، فيقول لهم:
«ما انا الا بشر مثلكم».. «الناس سواسية كأسنان المشط».
اما عن دولية الدين الاسلامي، وكيف انه جاء للانسانية جمعاء فقد افرد الباحث
والمؤرخ والقاص والشاعر الامريكي (واشنطن ايرفينج) في الفصل الثامن من كتابه (حياة
محمد) بحثا عن أسس العقيدة الاسلامية وعن علاقاتها بالكتب السماوية الاخرى، فيقول:
«كانت التوراة يوما ما هي مرشد الانسان، واساس سلوكه، واذ ظهر المسيح، اتبع
المؤمنون تعاليم الانجيل، ثم حل القرآن مكانهما لأنه ـ اي القرآن ـ قد جاء اكثر
شمولا وتفصيلا من الكتابين السابقين».
واذا كانت هناك من كلمة نتوجه بها لمن تسببوا بفتح قمقم الاحقاد الذي كان متكدسا في
صدور قساوسة امريكا، فانطلقوا من عقالهم، ليهرفوا بهرطقات، ما كانوا ليجرؤوا على
البوح بها، لولا ان فرصة سانحة اتاحها البعض لهم فكشفوا ما كان مستورا من احقادهم..
نعم.. فلولا احداث سبتمبر، ما كان من الممكن ان يتعرض رسول الله لألسنة هذه الطائفة
من الحاقدين على الاسلام والمسلمين.
لقد مر في التاريخ ان بعضا من المتعصبين امثال (ارنست رينان)، قد افتروا على الدين
الاسلامي، لكن جمال الدين الافغاني تصدى لهم، مناقشا ادعاءاتهم التي افتروها على
الدين الحنيف في كتابه (الاسلام والعلم) حيث رد بحجج علمية، واسانيد ثابتة، جعلت من
(رينان) يقر في نهاية الامر بضعف مصادره التي استقى منها معلوماته عن الاسلام.
كان ذلك يحدث في وقت، كانت المحاججة بالكلمة هي السلاح الوحيد.. اما اليوم فقساوسة
امريكا، يملكون قوة السلاح، ويحرضون على الحرب والدمار، لأن الرئيس الامريكي لا
يغدو رئيسا لهذه الدولة العظمى في العالم الا بعد ان يردد القسم الذي يمليه عليه
هؤلاء القساوسة!!
ولهذا نجدهم رافعين عقيرتهم بالتطاول على الاسلام.. ولا نستطيع الا ان نردد: إنا
لله وإنا إليه راجعون، وسامح الله بن لادن وقاعدته، لأنهم احدثوا شرخا لا يعلم الا
الله ما هي نتائجه!!.
وللحديث بقية.