-
جغرافية غزة المفتوحة تسهّل مهمة غزوها، وقد جربت إسرائيل احتلالها، لكن الثمن ليس عادياً إذا ما تداخلت مع أكبر تجمع بشري في العالم على أصغر بقعة، وسوف تواجه إسرائيل مقاومة قد لا تكون بنفس التكافؤ مع قوتها إلا أن الفاصل بين غازٍ يأتي بروح الانتقام، ومقاوم يتساوى عنده الموت والحياة بدافع الوجود، أو العدم يجعل المعادلة مختلفة، وقد ترى إسرائيل أن مصادر السلاح أو أي مساهمات مادية مقطوعة بحكم الحصار، إلا أن الحجارة كان فعلها بوزن السلاح، وهذا ما جعل مداولات دخول غزة بين الجنرالات والحكومة يخضع للعديد من التساؤلات والمخاوف خاصة وأن المقاومة الشعبية في كل الأزمنة والتواريخ لم تُهزم، أو تموت..
في حرب 67وإبان الهزيمة كان الرئيس الجزائري المرحوم "هواري بومدين" أشار على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بفتح طرقات القاهرة والمدن الأخرى للجيش الإسرائيلي ليغرق وسط طوفانها البشري، وهي التجربة التي خاضتها الجزائر في كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي، وغزة مثال متطابق مع أي مدينة تتحول إلى مقبرة كبيرة بفعل هذه الظروف..
إسرائيل تدرك أنها تستطيع أن تقتل وتحتل، ولكنها لا تستطيع الإقامة الطويلة وهي التي اعتادت على مبدأ عسكري يأخذ بنظرية "اضرب واهرب" لكن إذا كان غرور القوة سيدفعها للإقامة الدائمة، فقد تكون مثالاً لما يجري الآن على أرض العراق وأفغانستان وهي لا تتحمل بنفس القدرة التي يعتمدها الجيش الأمريكي وحلفاؤه هناك..
فلسطينياً، وعربياً يجب أن لا نضع المبالغة في الانتصار كحدث يُنسينا كيف تسلحت إسرائيل، ومن يسندها عسكرياً وسياسياً في كل مواقفها، والمطلوب كشف الواقع بحقائقه التي تحدث على الأرض خاصة وأن العالم يراقب ويحكم على كل الممارسات والأساليب، وغزة عنوان مفتوح لكشف إسرائيل على حقيقتها وهي التي أعلنت التعبئة العامة في وسائل الإعلام الدولية، غير أن الواقع شاهد أكبر وهنا يستحيل إذابة الحقيقة بالأكاذيب..
ويبقى موضوع إنهاء الخلافات الفلسطينية، لأن من يعتقد أنه خارج حسابات العداء الإسرائيلي، والتفريق بين من هو صديق وعدو، يذهب بخياله إلى خارج المعقول والمنطقي، إذا ما عرفنا أن مواقفها ثابتة من كل الشعب الفلسطيني ومعه العربي والإسلامي، وفي هذه اللحظة الحرجة يجب أن تكون البطولة للتلاحم وطي كل الصفحات السوداء لأن المصير المشترك يفرض إيقاعه ولوازمه..
إسرائيل وجدلية السلام، ليست واردة في ذهنها طالما الضعف العربي في أسوأ حالاته، لكن تبقى حساباتها متغيرة لأنها في جوار عربي كبير وعداء متراكم من خلال ممارساتها منذ حرب 1948وحتى آخر ضحاياها في غزة، مايعطي الدليل أن ديمومة طاحونة الموت قد تضاعف من تسميهم المتطرفين ليس فقط في الأرض الفلسطينية، وإنما على الساحة الإسلامية كلها، وهي تدرك مخاطر ذلك عليها، وعلى حلفائها..
يوسف الكويليت - جريدة الرياض