عبد الله عبد الرحمن العيادة
مجموعة من الضعفاء العزل، يعتدي عليهم بعض اللصوص وقطاع الطرق، الذين أشاعوا الخوف والهلع.
ما أصعب أن تحس بالخوف وأنت لا تراه، وما أقسى أن يعتدي عليك أحدهم بمجرد أنك ضعيف وهو قوي، هذا هو المبرر، وهذا هو الذي يعرف بقانون الغابات، حيث الحيوانات القوية المفترسة لا تعترف بالقوانين والأنظمة، فبمجرد أن يحس القوي بالجوع وأنه بحاجة إلى الطعام، فإنه يهيم على وجهه ليلتهم أول فريسة، يصادفها، ويقدر عليها، حيث لا تستطيع المقاومة.
فما هو شعورك لو أن أحدهم فكر بهذا المنطق، واعتدى عليك، بمجرد أنه يحس أنه أقوى منك فقط..؟
مجموعة من الضعفاء يسكنون الصحراء بأمان واطمئنان، يهجم عليهم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق، ليسلبوا منهم قوتهم وحريتهم، وحقهم بالتمتع بالحياة، لكن نغفل أحياناً أنا إذا كنا أقوياء فهناك قطعاً من هو أقوى منا.
هؤلاء الضعفاء استنجدوا بالقيادة العامة لإنقاذهم وأخذ حقهم من هؤلاء اللصوص، وصلت الإشارة للقيادة، فخرج القائد العام بنفسه استجابة لهذه المهمة الإنسانية لتأديب هؤلاء الذين يزرعون الخوف في أرجاء البلاد بين الآمنين الضعفاء.
تناقل الناس الخبر، ووصل إلى اللصوص، أصابهم الخوف والهلع، فلاذوا بالفرار، ولم يجدوا إلا أعالي الجبال المحيطة بهم طمعاً بالنجاة من العقاب، مع العلم أن المذنب قد يجد عقابه في المكان الذي يهرب إليه، ولكنهم أرادوا أن يراقبوا السرية القادمة إذا وصلت.
وصلت السرية بقيادة القائد العام، وإذا باللصوص قد تفرقوا وتركوا كل شيء وصعدوا ذلك الجبل القريب منهم ليراقبوا من بعد.
وبينما هم كذلك، أمطرت السماء وسالت الأودية القريبة من الجبل، على أثر ذلك ابتلت ملابس القائد العام بماء المطر، ابتعد عن الجند ليخلع ملابسه ليجفف ما ابتل منها من المطر، خلع ملابسه العلوية ووضعها عل جذع شجرة قريبة منه، وعلق سيفه على غصن تلك الشجرة، ثم جلس تحتها ليستريح من عناء المسير، غلبته عينه فنام قليلاً.
أحد اللصوص يراقب الوضع باهتمام، وقال هذه فرصة كبيرة لأنال منه وهو نائم، فيخلوا لنا الطريق.
نزل يمشي الهوينا وعلى أطراف أصابعه، فلما وصل إلى الشجرة اتجه نحو السيف مباشرة ليستولي على سلاحه ويشل من حركته، التفت يمنا، التفت شمالاً، لم ير أحداً، انقض على السلاح بسرعة خاطفة بكل خسة وخداع، ثم شهره في وجهه وهو يصرخ من ينقذك مني..؟
استيقظ القائد على صرخة اللص، ورأى السيف في يده، وهو واقف على رأسه، ويصدر تهديده ويلوح بالقتل، كيف يكون تصرفك أنت لو كنت مكان هذا القائد في هذه اللحظة..؟
الطمأنينة تكسو محياه، اعتدل في جلسته وهو رابط الجأش، فقال بعدما سمع التهديد بكل هدوء: الله، فلم يشعر اللص إلا ورعشة تصيب يده فيسقط السيف منه، فيأخذه القائد بسرعة، فيعيد عليه تلك الكلمة التي قالها قبل قليل: من يمنعك مني الآن..؟
لو كنت مكان هذا القائد ماذا ستفعل بهذا اللص..؟ هل ستعطيه فرصة للتفكير ثانية واحدة..؟ أشك في ذلك. بل سترديه قتيلاً، ولن يلومك أحد على هذا التصرف لأنك في حالة دفاع عن النفس.
لكن هذا القائد يملك في قلبه مساحة هائلة من العفو والصفح، ولا مكان للحقد والانتقام، لأن الانتقام من شيم الضعفاء، فتخيل أن هذا القائد عفا عن هذا اللص، بل عرض عيه ما هو أكبر من ذلك، فقد عرض عليه مشرعا رائعاً، وهو أن ينظم إلى سريته، وينعم بكل الامتيازات الممنوحة لجنده بمجرد أن يوافق، ما رأيك أنت هل تقبل مثل هذا العرض،..؟ أظنك ستقبل ولو مجاملة، لكن حدث من هذا اللص ما لم يكن بالحسبان، نعم، تخيل أنه رفض العرض، بكل وقاحة، فقال له القائد: انصرف راشداً، فاستدرك اللص وقال: لن أقاتلك أو أشترك مع سرية تقاتلك أبداً، وهذه بحد ذاتها نتيجة مقبولة.
رجع اللص إلى أصحابه فرحاً مسروراً لأنه نجا بحياته، قائلاً لهم: جئتكم من قائد ليس له نظير، فقص عليهم قصته معه، وكيف نجا من الموت.
بقي أن أقول لك، وارفع الستار عن شخصيته، إنه نفس الإنسان الذي سخرت منه الجرائد الدنمركية، ووصفته بتلك الأوصاف.
نعم أنه محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.