إيليّا والمسيح والنبي

د. جمال الحسيني أبوفرحة

عندما ظهر نبي الله يحيى عليه السلام - أو يوحنا المعمدان كما يسمى في الكتاب المقدس - يروي إنجيل يوحنا أن اليهود سألوه: "من أنت؟ فاعترف ولم ينكر وأقر: إني لست المسيح. فسألوه: إذن ماذا؟! إيليّا أنت؟ فقال لست أنا. آلنبي أنت؟ فأجاب:لا".

ومعنى ذلك أن اليهود وحتى عصر يحيى عليه السلام لم تكن النبوة عندهم قد ختمت بعد، بل كان عندهم عدة منتظرين وهم كما يحددهم النص السابق: الملقّب بالمسيح، والملقّب بالنبي، وعودة نبي الله إيليّا مرة أخرى وهو في عقيدتهم قد رفع إلى السماء ولم يمت؛ ومن اللافت للنظر هنا تلقيب أحد هؤلاء المنتظرين "بالنبي" في مثل هذا المجتمع الذي اشتهر بظهور الأنبياء، وذلك لا شك يعني أنه نبي لا ككل الأنبياء ولكنه نبي ذو أمر جلل وشأن عظيم.

ومن اللافت للنظر كذلك أنه عندما ظهر عيسى عليه السلام حدث انشقاق بين اليهود بسببه حيث اختلفوا فيه: هل هو الملقّب بالمسيح، أم الملقّب بالنبي؟ . . يقول إنجيل يوحنا: "فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي، آخرون قالوا هذا هو المسيح ...... فحدث انشقاق في الجمع لسببه".

وكأن هؤلاء اليهود لم يعد انتظارهم سوى لاثنين أحدهما يلقب "بالمسيح" والآخر "بالنبي" واختلفوا في الواقف أمامهم من هو في الاثنين، وذلك بعد أن أخبرهم المسيح أن المقصود بعودة إيليّا ليس عودته بجسده ولكن مجيء من هو على شاكلته ويشبهه وهو يوحنا المعمدان أي نبي الله يحيى عليه السلام.

يوضح ذلك قول إنجيل متى: "وسأله تلاميذه قائلين: فلماذا يقول الكتبة إن إيليّا ينبغي أن يأتي أولا؛ فأجاب يسوع –أي المسيح عليه السلام- وقال لهم ...... إن إيليّا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا ..... حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان". . بل ويصرح إنجيل متى بأن المسيح قد أعلن ذلك صراحة عندما قال عن يوحنا المعمدان: "فهذا هو إيليّا المزمع أن يأتي". . والمقصود بكون يوحنا هو إيليّا يوضحه إنجيل لوقا: بأن له "روح إيليّا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيّئ للرب شعبًا مستعدًا" وليس المقصود بأنه هو إيليّا على الحقيقة؛ وهذا ما نفاه يوحنا المعمدان عن نفسه كما أسلفنا.

ومعنى ذلك أنه إذا كان إيليّا قد جاء في صورة يوحنا المعمدان كما قرر المسيح واقتنع كل من اليهود والنصارى بذلك، وإذا كان المسيح قد جاء في القرن الأول الميلادي كما يؤمن المسيحيون والمسلمون، فلا بد أن يعترف المسيحيون إذن أن نصوص أناجيلهم المقدسة لديهم تنص على أن هناك نبيًا كان منتظرًا بعد المسيح عليه السلام ويلقب كما يصرح النصان السابقان "بالنبي" (معرفًا بالألف واللام)، وهو ما لم يكن في تاريخ البشرية لأحد سوى لمحمد صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا كان قول النجاشي - ملك الحبشة - لمّا وصل إليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه فيه إلى الإسلام: "أشهد بالله أنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب".

ومن اللافت للنظر كذلك أن لقب "المصطفى" لم يشتهر به أحد في تاريخ البشرية سوى محمد صلى الله عليه وسلم وهو اللقب الذي أطلقه أخنوخ (إدريس) عليه السلام على النبي الأعظم الذي تنتظره البشرية. كما ورد في الخطب الأخروية أو أمثال أخنوخ من مخطوطات قمران. فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، والله أسأل الهداية للناس أجمعين.

د. جمال الحسيني أبوفرحة - أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
gamalabufarha@yahoo.com

عنوان المراسلات: المملكة العربية السعودية– المدينة المنورة- جامعة طيبة- كلية المجتمع- ص.ب:2898 ت:0508628894

1
4729
تعليقات (0)