كيف ننتصر؟

عبدالعزيز السويد

الشجب والاستنكار وإبداء الشعور بالغضب الرسمي أو الشعبي هي من ردود الفعل أو الأفعال التي تعودنا عليها في العالم العربي والإسلامي، يحدث ذلك عندما تثار عمداً قضايا تمسّ العقيدة أو الحقوق الوطنية، وهو رد فعل ضروري لتسجيل المواقف، إلا أنه وحده لا يكفي، فبيانات الشجب والاستنكار تتبخر في وسائل الإعلام بعد يوم أو يومين، وإذا كانت هي سقف رد الفعل لدينا فإن هذا السقف المنخفض قد يحولنا إلى ألعوبة في يد من يبحث عن الشهرة والبروز أو التشفي، سواء كانت صحيفة في ستوكهولم أم غيرها، وهو ما يحدث الآن. والتجربة مع الرسوم الدنماركية حاضرة في الأذهان، وردود الفعل عليها التي اكتفت بالشجب الرسمي، لم تحرك ساكناً غربياً، وعندما نشأت مقاطعة شعبية عفوية لسلع دنماركية، تدخّل الاتحاد الأوروبي وتفاوض مع منظمة المؤتمر الإسلامي واجتهد لإنهاء الضرر الاقتصادي على محدوديته، وكان له ما أراد، والنتيجة هي معاودة الكَرّة من صحيفة سويدية.

أمام وضع مثل هذا ماذا يمكن لنا أن نفعل؟

في بيان «اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء»، عليه الصلاة والسلام وعلى آله الكرام، طالبت اللجنة المسلمين بالهدوء وضبط ردود الفعل، وهو أمر محمود وواجب، ثم قالت في خاتمة بيانها، إنها تعوّل على دعمها في أمرين، الأول الدعوة إلى الله تعالى، وتوضيح حقيقة الإسلام من خلال التعريف برسوله الكريم، والثاني هو وكما جاء في البيان» المتابعات القانونية التي قلّ فيها المعين، وتقاصر عنها كثيرون بغير سبب مقبول . «اللجنة لم تُشِر في بيانها إلى المقصّرين، لكنها أشارت إلى خبرة لديها ومساع مستمرة إلى الآن في هذا الشأن، وقالت إنها «لن تبخل في إفادة الآخرين من المنظمات والهيئات العاملة بتلك الخبرة« .

ومن البيان أستنتج أن هناك شعوراً بالمرارة لدى القائمين على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء، وأستنتج أيضاً أن المنظمات والهيئات الأخرى، التي لديها كما يفترض الأهداف نفسها تعمل منعزلة عن بعضها بعضاً! وهو أمر يدعو للعجب.

أعود إلى سؤال طرحته... ماذا نفعل؟

عندما قامت الحرب على الإسلام والمسلمين مستخدمة بخبث شماعة مكافحة الإرهاب، وتمت المتاجرة بالأخيرة والتلويح بها مثل العصا أمام كل من يوضّح زوايا قصر النظر ويحذّر من الخطر، وبين الخلط المتعمد، كتبتُ غير مرة وبإلحاح، مطالباً بالعمل على تجريم التحريض على كراهية الإسلام والمسلمين، وذكرتُ أن لنا في أعدائنا قدوة حاضرة تبيّن سبل النجاح، إذ استطاعوا قصر السامية عليهم وجعل المساس بها جرماً عالمياً لا تفكر الصحف لا في السويد ولا الدنمارك في المساس بها... كان هذا مع بداية ما سمي زوراً بالحرب على الإرهاب. وغداً بعون الله تعالى أكمل.

مركز الشيخ زايد نموذجاً؟

بعد اندلاع شرارة المتاجرة بالحرب على الإرهاب التي استُخدمت للحرب ضد الإسلام والمسلمين، كتبت مطالباً بالعمل المنظم لاستصدار قرار من هيئة الأمم المتحدة يجرم التحريض على كراهية الإسلام والمسلمين والإساءة إلى عقيدتهم، وجهت المطالبة وقتها إلى حكومات وهيئات ومنظمات إسلامية لها حضورها الدولي، وأثناء تلك الحرب تم إقفال مركز ثقافي للدراسات والبحوث في دولة الإمارات الشقيقة، وهو مركز الشيخ زايد للمتابعة والتنسيق بضغوط صهيونية حاقدة مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، بدعاوى كاذبة، تدور حول معاداة السامية، على رغم انه مركز ثقافي متوازن بشهادة كثير من «الأجانب»، الذين استضافهم وألقوا محاضرات بين جنباته، عندما اضطرت سلطات الإمارات نتيجة للهجمة الشرسة لإقفال المركز هللت إسرائيل، ولم يخجل بعض الكتاب من التهليل معها أو تبرير ما حصل.

الآن تقوم صحف ومواقع غربية بالإساءة إلى الإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من دون أن يستطيع العالم الإسلامي، بقضه وقضيضه، فعل شيء اللهم إلا الشجب والاستنكار وتظاهرات لا تدل إلا على الضعف، وإن هذا العالم لم يتمكن حتى من إدانتها قضائياً.

حرية التعبير التي يتشدق بها الآن المدافعون عن تلك الصحف والمواقع من سياسيين وغيرهم لم تسمح لمركز زايد بالاستمرار مع بون شاسع بين ما أنتجه المركز من إشعاع ثقافي فريد رصين وما اقترفته أيدي أولئك المحرضين على كراهية الإسلام والمسلمين. هذا من الذاكرة القصيرة المدى، هو ما حدث عام 2003، ولدي يقين بأن البعض نسيه وبعضاً آخر يتناساه.

ثم جاءت الرسوم الدنماركية، وكانت فرصة ذهبية لمن يريد أن يصنع التاريخ، إلا انه لم يكن أحد منهم موجوداً تلك الفترة!

بما حفلت به الرسوم الدنماركية المسيئة من اهتمام إعلامي عالمي رسمي وشعبي، كان يمكن التأسيس على هذا والعمل على استصدار قرار أممي يجرم الحض على كراهية الإسلام والمسلمين أو معاداة الإسلام والمسلمين. وكتبت هذا وقته وناشدت منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي العمل وتحقيق هذا الهدف، إلا أن ممثل الاتحاد الأوروبي وقتها حقق الانتصار واستطاع «فش» البالونة الكبيرة بهدوء بعد جولات من المفاوضات أو المجاملات لست ادري.

الآن هل يمكن أن نستفيد من الرسوم السويدية؟ هذا السؤال أوجهه إلى كل الحكومات الإسلامية الحريصة على الإسلام والمسلمين، وإلى منظمة المؤتمر الإسلامي التي خفت صوتها، وإلى رابطة العالم الإسلامي التي تأخر رد فعلها، أم ننتظر رسوماً وإساءات من جميع الجنسيات الغربية!

ومن الضحك على الذقون والنفاق السياسي ان تدين الحكومة السويدية الرسوم الدنماركية ويقول بعض ساستها بحرية التعبير في شأن الرسوم السويدية، لكنها حقيقة أن من يهن يسهل الهوان عليه، ويسهل على الآخرين التلاعب به.

مِظَلّة واحدة

أشرتُ في مقال الأربعاء الماضي إلى مرارة واضحة في بيان اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم)، حول ما نشرته الصحيفة السويدية، ولأهمية القضية ولأن احتمال تكرارها متوقع بدرجة كبيرة، أعيد نشر الجملة المرة التي جاءت في بيان الاستنكار، حيث ذكرت اللجنة أهمية «المتابعات القانونية التي قَلّ فيها المُعين، وتقاصَر عنها كثيرون بغير سبب مقبول، ولم تزل اللجنة ثابتة على مساعيها في هذا المجال بغير يأس أو ملل»... ثم تشير إلى أنها «لن تبخل في إفادة الآخرين من المنظمات والهيئات العاملة بخبراتها».

من الواضح أن الهيئات والمنظمات التي تقاطر الكثيرون بحماسة إلى إنشائها ودعمها تعمل بشكل منعزل عن بعضها البعض، وبعد قضية الرسوم الدانمركية السيئة، وإضافة إلى اللجنة العالمية سالفة الذكر، ظهر أكثر من جهة منها :

- برنامج التعريف بنبي الرحمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.

- منظمة النصرة العالمية (شعبية).

- مشروع رحمة للعالمين للتعريف بالنبي (صلى الله عليه وسلم).

- اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية.

- الانتصار للنبي المختار.

ومعلوماتي تقول - ببالغ الأسف - إن الحد الأدنى من العمل المشترك غير موجود بين هذه الجهات، فكل جهة تعمل منفردة عن الأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه، يقول:

أليست أهدافكم مشتركة؟ فلماذا لا تعملون مع بعضكم بعضاً؟ ولا أريد أن أخوض في استنتاجات، لأن الغرض المعلَن لهذه الهيئات أو اللجان هو غرض نبيل بعيد – كما يفترض - عن حطام الدنيا، إذاً، لماذا تتقوقع كل واحدة منها على ذاتها، يحدث هذا في جهات هدفها الأول والأخير نصرة النبي الأمي؟

بسبب هذا العمل المنفرد نحصل على بيانات متشابهة، كلما قام بعض المرتزقة بالنيل من الإسلام والمسلمين ونداءات تطالب بالهدوء متشابهة، واستنكار وتنديد كأنها نسخ من بعضها البعض، وإذا أردتم أن تستطعموا مزيداً من المرارة، فإن الأعمال أو هي النتائج التي تحققها تلك الجهات قد تكون مكررة لا يتغير فيها سوى اسم الجهة¡

بل إن أحد الأخوة أخبرني أن ناشطاً في هذا المجال في الدنمارك اشتكى من كثرة ما أرسل لهم هناك من كتب متشابهة لم يستشاروا فيها وهل تصلح وتؤثر هناك أم أنها ستكون رقماً في تقرير الإنجازات! وللعلم فإن إمكانات هذه الجهات المالية متباينة، بعض منها لديه وفر مالي وبعض آخر "على الحديدة" .

في هذه الجزئية أكتفي بهذا الآن، والمطلوب حتى تحقق هذه الجهات نصرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، التأثير الحقيقي أن تنسق أعمالها، ولأن التنسيق كلمة سهلة القول صعبة الفعل فلا بد من جهة أعلى تجمع هذه الجهات تحت مظلة هيئة واحدة تنسق أعمالها وتضع لها الخطط المناسبة بحيث لا تحصل ازدواجية وإهدار لموارد مع قلة التأثير.

وأضع هذا الاقتراح أمام المسؤولين الغيورين ممن بيدهم قرار تصحيح المسار.

الخلاصة

حاولت في ثلاثة مقالات الأيام الماضية الإحاطة السريعة بأسباب الإخفاق في نصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتكاثر المرتزقة من طالبي الشهرة والحاقدين من المتطرفين في الغرب للإساءة للإسلام والمسلمين، وقهرهم بالنيل من عقيدتهم بدعاوى حرية التعبير، وخلصت إلى نتائج يمكن تلخيصها بالآتي:

1- أن عمل الهيئات والمنظمات الإسلامية الشعبية والرسمية وطنية كانت أو دولية هو عمل مشتت لا يتوافر فيه الحد الأدنى من التنسيق ووضوح الأهداف والتخطيط.

2- التشابه في أعمال تلك الهيئات والمنظمات واضح حتى أنها تكرر نفسها، سواء في البيانات أم طباعة الكتب والنشرات، بل إن بعضاً منها أصبح يعمل في داخل الدول العربية والإسلامية، وكأن الخلل بداخلها! وهو أمر يثير الحيرة والتساؤل.

3- أن بعض هذه الجهات أو برامج النصرة لا تنسّق حتى مع الجهات التي انبثقت منها، ولنا في بيانات الاستنكار المزدوجة التي صدرت خلال الأيام القليلة الماضية خير دليل.

4- خفوت صوت منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، والاكتفاء ببيانات الاستنكار وطلب الهدوء، من دون تحديد ماذا سيعملون حتى يهدأ الناس.

5- تمكن الديبلوماسية الغربية بدهائها وصبرها، ممثلة بالاتحاد الأوروبي، من كسر شوكة الغضبة الرسمية والشعبية التي صاحبت قضية الرسوم الدنماركية، من دون نتائج رسمية تشريعية تذكر تعود بالفائدة على المسلمين.

6- أننا لم نستفد من سابقة إغلاق مركز الشيخ زايد للمتابعة والتنسيق بدعاوى معاداة السامية، وهي ورقة كان من الممكن استثمارها.

7- أن حرية التعبير التي يتشدق بها بعض الساسة الغربيين للسماح لبعض وسائل إعلامهم بالنيل من الإسلام والمسلمين هي حجة كاذبة، والشواهد كثيرة على ازدواجية المعايير، وهنا حادثتان طازجتان يمكن التأسيس عليهما قانونياً هما:

أ- سحب أحد أعداد مجلة إسبانية من الأسواق بحكم قضائي، لأنها نشرت رسماً مسيئاً لولي العهد الإسباني.

ب- إقالة رئيس تحرير صحيفة «اكتويل» التابعة للجيش الألماني، إذ أقالت وزارة الدفاع الألمانية رئيس تحرير الصحيفة المقدم أوفه كورت، لأنه كتب مقالاً رأت فيه الكنيسة الكاثوليكية مساساً بالبابا بنديكتوس السادس عشر، مع أن المقال كان رسالة للبابا في عيد ميلاده الثمانين، طرح فيه الكاتب جملة تساؤلات عن رأي البابا في قضايا اجتماعية ودينية ما زال الفاتيكان متردداً في إبداء الرأي حولها، ولم يحتوِ، كما قالت الأنباء، أي نقد للبابا، ونشرت الصحيفة بقلم الكاتب اعتذاراً، إلا أن هذا لم يكفِ فتمت إقالته.

كل هذه الحقائق أمامكم يا من تعملون منفردين عن بعضكم البعض، فلماذا لا يضمكم اتحاد أو هيئة توحد جهودكم؟ هذا وأنتم تدافعون عن خير البرية الذي أمركم بوحدة الصف!

هذه الحقائق أيضاً أمام منظمة المؤتمر الإسلامي لتعمل بجد في دهاليز هيئة الأمم المتحدة لاستصدار قرار يجرم المساس بالإسلام والمسلمين... وهو الهدف الكبير.

asuwayed@yahoo.com

1
4699
تعليقات (0)