د. باسم خفاجي
دعوة لمواجهة إصرار السويد على عدم الاعتذار عن الإساءة
أعلنت الصحف العربية منذ أيام – بطريق الخطأ - أن سفير السويد في المملكة العربية السعودية قد قدم اعتذاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامي عما حدث من إساءة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في أحد صحف السويد، عندما وضعت الصحيفة رسماً كاريكاتورياً على هيئة رأس إنسان وجسد كلب، وأشاروا أنها للنبي – قبحهم الله. ولكن الحكومة السويدية سارعت بنفي ما ذكرته الصحف العربية، وأكدت أنه لم يحدث على الإطلاق أي اعتذار عن تلك الإساءة. كان هذا هو نص البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية السويدية في صفعة جديدة لمن طالبوا الأمة بـ "التزام الهدوء" تجاه الإساءة لخير البشر. وأكد سفير السويد في المملكة أنه لم يعتذر، وأن كلمة "الاعتذار" لم ترد في كلامه، وإنما هو فقط أظهر حزنه مما أدت إليه هذه الأحداث، ولكنه لم يعتذر عن الرسوم التي نشرت في الصحيفة السويدية.
وقد سبقت هذه الصفعة عدد من الصفعات السويدية الرسمية الأخرى الموجهة لكل العالم الإسلامي. فقد رفضت الصحيفة السويدية حتى مناقشة فكرة الاعتذار، ورفض الرسام أن يعتذر عن فعلته الشنيعة، ثم رفضت الحكومة السويدية ممثلة في رئيس وزرائها تقديم أي اعتذار للعالم الإسلامي عن الإساءة، وصححت الخارجية السويدية ما تناقلته وكالات الأنباء في البداية عن اعتذار من سفير السويد في باكستان، وتم تكذيب الاعتذار، وأخيراً تكرر نفس الأمر مع سفير السويد في المملكة. المواقف المعلنة تحدد بوضوح في كل مرة رفض الحكومة السويدية الاعتذار عما ينشر في الصحف السويدية من إساءات لأنها تدخل ضمن حقوق التعبير عن الرأي- على حد قولهم. لقد أكدت الحكومة السويدية أنها لن تتراجع عن هذا الموقف. وأريد في هذا المقال أن أبين ماذا يعني رفض الاعتذار، حتى لا يخرج من أبناء الأمة وقادتها مستقبلاً من يقول لم نكن نعرف أنهم سيفعلون هذا.
إن رفض الاعتذار عن الإساءة هو موقف أسوأ من تجاهل الرد على الإساءة أو عدم بيان الموقف السويدي منها. إنه يقطع بوضوح أن الموقف الرسمي هو إصرار حكومي مؤيد بإصرار إعلامي وشعبي أن من حق إعلام السويد أن يصور النبي صلى الله عليه وسلم، وأي من مقدسات الإسلام ورموزه بأي شكل يراه الإعلاميون مناسباً لهم سواء بالتجريح أو الإساءة دون أن يكون لنا حق الاعتراض أو المطالبة بسحب الإساءة أو اعتذار من قام بها، أو معاقبته. إنهم لا يصفعون الأمة الإسلامية صفعات متتالية فقط، ولكن الأهم هنا أنهم يضعون سابقة قانونية وإعلامية ودولية أن الأمة الإسلامية يمكن أن تقبل بهذا. هل نعي جميعاً معنى أن يمر هذا الحدث بهذا الشكل، وأن نقبل الموقف السويدي الرسمي والإعلامي دون اعتراض رسمي وشعبي يتناسب مع خطورة الموقف؟
إن ما تقوم به حكومة السويد في هذه المرحلة نيابة عن العديد من دول أوربا الغربية وأمريكا الشمالية التي لا تمانع من الإساءة لنبي الإسلام على صفحات جرائدها وفي وسائل إعلامها، هو أنها تقدم لهم الطريق الصحيح، والسابقة اللازمة لتبرير الإساءات في المستقبل. إن الإصرار الحكومي السويدي تزامن مع إسكات الأمة الإسلامية وتحجيم غضبها أو انفعالها، وتزامن كذلك مع نقل الخلاف من الحديث عن الإساءة إلى النبي إلى الحديث عن حريات التعبير في الغرب، تشكل في مجموعها إستراتيجية عملية فعالة لتكوين السابقة القانونية والسياسية اللازمة لمنع المسلمين مستقبلاً من التعبير عن مشاعرهم، في مقابل إطلاق حريات الغربيين في التعبير عن رغباتهم في الإساءة والسب والاستهزاء برموز الأمة ومقدساتها.
ما سيحدث مستقبلاً إن أساء الإعلام في أي دولة غربية للرسول أو للإسلام أو للقرآن، واعترض أحد منا في العالم الإسلامي على ذلك، فسيقال لهم إننا نحذو السويد في ضرورة الحفاظ على قيم حرية التعبير عن الرأي، وقد سكتم من قبل على الإساءة لنبيكم على صفحات صحف السويد، فلم تعترضون الآن؟ والحق أنهم سيكونون في موقف قوة لحظتها .. لم سكتنا عن محاولة الإساءة لخير خلق الله دون أن نتحرك أو ننفعل أو نغضب؟ هل نحن سلمنا للعالم الغربي بحقه في الإساءة إلى رموز الإسلام، أم مللنا من كثرة المطالبة بالدفاع عن رسولنا الكريم، أم صدقنا من يقولون أن الهدوء والحوار هو طريق الحل؟
إن من يتحدثون عن جدوى الحوار لحل مثل هذه المشكلات لم ينجحوا حتى اليوم في عقد حوار واحد جاد منصف يؤدي إلى نتائج عملية على أرض الواقع، فلماذا لا نواجه فكرة الحوار، ونضعها موضع التنفيذ الحق أو نتخلى عنها، ولا نخدع أنفسنا بها؟ كيف تحاور اليوم من يرى أن الإساءة إلى نبيك وخير من تحب بعد الله تعالى هو حق مكتسب له لا يمكنه التفريط فيه؟ لا أدري كيف يمكن عقد حوار حول أحقية الآخر في إهانة رموز الدين الإسلامي ومقدساته؟
أتمنى من دعاة الحوار أن يخبروا الأمة كيف سيجلسون على موائد الحوار للتفاوض حول هذه المسائل، وما هي مطالبنا، وما هي استراتيجية التفاوض التي سنمارسها لمنع تكرار الإساءات؟ ليست هذه الأمور أسراراً يجب تكتم الحديث حولها، ولذا آمل ممن يرون الحوار وسيلة لإيقاف مسلسل الإساءة أن يبادروا بشرح استراتيجيهم ودعوة الأمة إلى معاونتهم في تحقيقها .. أما مجرد تكرار الحديث عن أهمية الحوار وجدوى الحوار وحتميته أيضاً فهي حيلة يمارسها البعض في الغرب لتخدير الأمة حتى يمكن تمرير الإهانات والإساءات دون اعتراض، وتعويد الأمة على تقبلها والسماح بحدوثها دون رد فعل يزعج من يريدون الإساءة لمقدسات الإسلام.
إن مقدم شهر رمضان المبارك هو حافز لنا لنتذكر نعمة الإسلام، وفضل نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم على كل منا، وعلى البشرية جمعاء، وإن من المحزن أن نستهل هذا الشهر الفضيل بسكوت غريب مريب على هؤلاء القلة في العالم الغربي الذين يحاولون إقناعنا وإقناع العالم أجمع أن من حريات التعبير الدولية المصانة .. حق الإساءة إلى نبينا، وأن الأمة الإسلامية سوف تتقبل هذا الأمر عاجلاً أو آجلاً .. وأنها إن اعترضت .. فلابد أن يكون هذا الاعتراض ضمن المعايير الغربية المقبولة والمسموح بها للاعتراض على حريات التعبير.
هل حقاً تم ترويض هذه الأمة بهذه السرعة والكفاءة؟ لماذا هذا الهدوء الغريب في العالم الإسلامي والعربي على الإساءة السويدية لنبي الإسلام؟ إنه أمر محزن وينذر بعواقب خطيرة ومؤلمة. إنني على يقين أن الأمة الإسلامية إن قبلت أن يهان نبيها، ولا تنتصر له، فقد حرمت نفسها بنفسها من دفاع الله تعالى جل وعلا عنها، فالله تعالى وعد – ووعده الحق – أن يدافع عمن ينتصر لأي مسلم يتعرض للإهانة، فما بالكم بمن يسعى للدفاع عن خير المسلمين صلوات الله وسلامه عليه.
إن التهاون في الدفاع عن نبي الإسلام هو مقدمة هزيمة نكراء على الساحات الدولية والعالمية في مجالات شتى، ومقدمة لمسلسل لن ينتهي قريباً من الإهانات التي ستطال أبناء الأمة الإسلامية والعربية في دينهم ومعاملاتهم مع الغرب وعلاقاتهم بالعالم أجمع، فمن هان عليه أغلى من يحب، هان على الناس، وناله من الذل ما يستحق بتقاعسه وتخلفه عن الدفاع عن خير البشر.
قد يهون الكثيرون من شأن الإساءة السويدية في حق نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، ولكنني أكاد أجزم أن هذه الواقعة ستكون علامة فارقة في واقع المسلمين الدولي إن مرت دون مواجهة حقيقية مع الحكومة السويدية، وإجبارها على الاعتذار، ومخاطبة المنظمات الدولية بكل قوة وحزم من جانب الأمة بضرورة إقرار تشريع عاجل يمنع ويجرم إهانة الأنبياء أو الإساءة لهم. لن يكون هذا هو دور الحكومات الإسلامية والمنظمات والهيئات الخيرية وجمعيات المجتمع المدني فقط، بل هو دور كل مسلم أن يمارس ما يملك من قوة من أجل نصرة الأمة في دفاعها عن النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه.
إن الضوابط الشرعية لا تمنعنا من الغضب لدين الله، ولا تمنعنا من التعبير عن هذا الغضب ضمن الأطر الشرعية المنضبطة، ولا يجب أن نتهاون في التعبير عن هذا الغضب بكل شكل ممكن، وبكل وسيلة إعلامية أو جماهيرية أو دولية ممكنة. أما "التزام الهدوء" الذي نادى به البعض – سامحهم الله – فهو جريمة في هذه المرحلة، وإن كنت لا أتهم أحداً .. ولكنني أرى أن البعض قد جانبهم الصواب فيما نادوا به، ويشهد الواقع الحالي على صدق ذلك.
إن من حقنا أن نعترض ونغضب ونتظاهر .. وواجب علي علمائنا ودعاتنا أن يستخدموا منابر الدعوة لتوعية الأمة بخطر السكوت على الإساءة لرموزها، وكيف يمكن أن يتم التعبير عن الموقف الشعبي بالطرق الشرعية الصحيحة. وواجب على دولنا أن تنضم إلى الغضب الشعبي العام، وأن تتضامن مع حق الأمة الإسلامية في صيانة كرامتها واعتزازها برموزها. تملك دولنا العربية والإسلامية أن تستدعي سفراء جميع دول العالم العربي والإسلامي من السفارات في السويد لإظهار الغضب السياسي، ويمكن أيضاً استدعاء جميع سفراء السويد في كل الدول العربية والإسلامية في يوم واحد من قبل وزراء الخارجية في الدول الإسلامية والعربية لإظهار الامتعاض من الموقف الرسمي السويدي، ويمكن أيضاً التهديد بسحب السفراء العرب والمسلمين من السويد، أو طرد السفراء السويد من العالم العربي والإسلامي، او تخفيض مستوى البعثات الدبلوماسية، أو المقاطعة الاقتصادية والثقافية والتجارية مع السويد .. وكل هذه الأمور تدخل ضمن الأطر المقبولة والمشروعة للتعبير عن الغضب .. فلماذا لا نمارسها .. ولماذا لا نتدرج في تطبيقها؟
إن كبت الاعتراض والغضب الشرعي والمقنن بضوابط الإسلام، سيفسح الطريق للغلو كي يحسم هذه المواجهة، وعندها سيتحول الصراع من مواجهة بين مجموع الأمة، وبعض الحاقدين على الإسلام في الغرب، إلى صراع أكثر غلواً بين المغالين من أبناء الأمة، والحمقى في الغرب، وستدفع البشرية جمعاء ثمن أخطائنا اليوم. عندها لا يجب أن نلوم المغالين فقط، ولا يحب أن نلعن البعض في الغرب الحاقد فقط، وإنما يجب أن نوجه لحظتها كل أصابع الاتهام لكل من خدر الأمة أو كبت رغبتها الحقيقية في الانتصار لنبيها ضمن الأطر الإسلامية الصحيحة.
إن الأمة الإسلامية أمام مفترق طرق خطير وهام في تعاملها مع هذه الأزمة، وإن لم ننجح في وقف هذه المهزلة، وإجبار حكومة السويد أو إقناعها بالاعتذار عما بدر على صفحات جرائدها، فستكون هذه الحادثة علامة فارقة في تغير علاقة بعض الدول الغربية بالضغط الشعبي الإسلامي وقيمته، وهو سلاح فعال ومؤثر يجري حالياً تجريد الأمة منه بموافقة البعض، وتغافل آخرين، وسذاجة كثيرين. إن تحقق هذا الأمر – لا قدر الله – وجردت الأمة من سلاح الضغط الشعبي الفعال والمؤثر، فنحن مقبولون على مرحلة عصيبة من تاريخ الصراع مع أعداء الإسلام في الغرب، وستتعرض الأمة الإسلامية إلى إهانات وكوارث لم يسبق أن مرت بها في العقود الأخيرة، وستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله.
الدكتور باسم خفاجي هو مدير المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب، وهو باحث مهتم بشؤون الغرب وعلاقته بالعالم العربي والإسلامي. يمكن التواصل مع الكاتب عبر عنوان البريد الإليكتروني articles@khafagi.net