هل سيعلن البابا الحرب الصليبية على النصارى غير الكاثوليك

د/ الشريف حاتم بن عارف العوني

بسم الله الرحمن الرحيم

 لقد أكدنا سابقًا عندما تطاول بابا الفاتيكان على الإسلام بما لا يصح أن يقال لأحد (إلا أن يقال في حق إبليس) : أن تصريحاته تلك تدل على مدى ضعف رُؤاه التعايُشيّة مع الذين يخالفهم , وأنها بلغت من الضعف إلى حدِّ أنها قد تنتهي بصاحبها إلى تطرّفِ الإعلانِ الصريح عن حربٍ صليبيةٍ جديدةٍ ضدَّ العالم الإسلامي . قلنا ذلك عندما هاجم بنديكت السادس عشر الإسلامَ ونبيَّ الإسلام صلى الله عليه وسلم , فأطلق أحكاما أقل ما يُقالُ عنها إنها ضمّت إلى الجهل الشديد بالإسلام انعدامًا للموضوعية تجاهَه , وهذه الروح غير العلمية لدى بنديكت تدل على نفسيّةٍ لا تريد أن يعيش على كوكب الأرض إلا نُسخٌ متكرِّرة منها , إنها نفسية متطرفة إلى حدٍّ مخيف !

قلنا ذلك , وقاله العالم الإسلامي أيضًا , وطُولبَ البابا حينها من بعض المسلمين بالاعتذار , واضطرّ للاعتذار فعلا . فكان اعتذارُه حينها مثارَ جدل ؛ لأننا و إن قبلناه فإنه لن يُنسينا أن صدورَ تلك العبارات منه كان عن قناعة , وهي قناعة لم تتبدّل , وهي قناعة خطيرة؛ لأنها تدل (كما سبق) على جهل شديد لا يصل إليه رجلٌ في مثل مكانة البابا ؛ إلا مع نظرة لا تعرف موضوعية العلم وإنصافه . ومن الخطورة بمكان أن يكون عظيم النصارى بهذا القدر من ضيق الأفق ؛ إذ ألا يكفينا أن يعلن رئيس أكبر دولة نفوذا في العالم في يوم من الأيام بدايةَ الحروب الصليبية , لينضم إليه قريبا أعظم قيادة دينية لديهم بتطرف سيقوده إلى إعلانها أيضًا !!

لكننا في تطاول بنديكت السابق على الإسلام لم نجد حينها التجاوب الكافي من كثير من العالم المتحضّر المنفتح (كأوروبا وأمريكا) , بل سمعنا رئيسا لدولة عُظمى يُدافع عن البابا , معتبرًا مطالِـبَـنا له بالاعتذار استمرارًا منّا في الحَجْرِ على الأفكار والتضييق على الحريات الذي ما فتئنا نمارسه .. حسب رأيه .

وهذه الأيام يفاجئُ البابا العالم غير الإسلامي بتطرّفٍ جديد , آمرًا باستخدام القُدّاس الروماني قبل إصلاحات عام 1970م , وهو قداس يحصر الخلاصَ عندهم في الكنيسة الكاثوليكية وحدها , دون الكنائس المسيحية الأخرى . مما أثار غضبًا عارما في الأوساط النصرانية غير الكاثوليكية , فضلا عن اليهود الذين وُصفوا في هذا القُداس بالغادرين .

فوجئ العالم غير الإسلامي بذلك , أما المسلمون فلم يكن ذلك مفاجئا لهم ؛ لأنهم قد عرفوا بنديكت بالتطرف المقيت قبل هذا الموقف , وكان على العالم المتحضر المنفتح أن يدرك ذلك أيضًا مع المسلمين , لكنه رفض ذلك حينها , ورضي إلا أن يأتي بعد العالم الثالث في إدراك الواضحات ! فهل كانت هذه المفارقة لأن العالم المتحضر المنفتح قد أعماه الغرور عن أن يفكر للحق والعدل ؟ فتراه لا يرى إلا حقوقَه هو , وأما حقوقُ الأُمَمِ الأخرى فلا مكان لها في عقله أو إحساسه ! سؤالٌ لا يهمُّ أن أجيب أنا عليه , وإنما المهم أن يكون العالم المتحضر المنفتح هو من يجيب عليه .

وهناك مفارقاتٌ أخرى : هل سيرى الذين دافعوا عن حرية البابا سابقا أنه حرٌّ اليوم أيضا ؟ هل سيعتبرون المطالبة بالاعتذار اعتداءً على حريات الآخرين في التعبير عن قناعاتهم ؟ وهل سيرضون بغير التراجع الصريح والاعتذار الأصرح ؟

ولا أذكّر هؤلاء بهذه المفارقات الآن ؛ إلا لأسباب , منها :

- تذكيرهم بأن هذه الإساءة من البابا إليهم ما هي إلا أُولى عواقب عدم إنصافهم , فالحقيقة (عندنا معشرَ المسلمين) تغار , وغَيرتُـها أن تَـدَعَ الباطلَ ليُؤلمَ من تخلَّوْا عنها , والعدلُ (عندنا) يغضب , وغَضْبَـتُـه أن يسمح للظلم بأن يعتدي على من ناصره . إنها سنة كونية , وعدالة إلهية .

- ولكي يعي العقلاء أن أول فروض التعايش هو العدل , وأن لا يظن القوي أن قوته تسمح له أن يفرض العدالة التي تحقق مصالحَه على حساب مصالح الآخرين . فإن هذا المنطق الفرعوني الجبروتي لم ينجح على مرِّ التاريخ البشري ؛ فأحمقٌ من يظن أنه سينجح اليوم .

- ولكي يسعى العقلاء أن لا يتسنّم قيادتهم إلا العقلاء حقًّا , الذين يتصفون في أول ما يتصفون به : بالقدرة على فهم الآخرين والشعور بوجودهم . وأما من لم يصل إلى هذا الحد , فوصوله إلى سُدّة القيادة يدل على خلل كبير في آلية الوصول إليها , وإلا فكيف وصل إليها من يكاد يكون حقُّه أن يقول فلا يُسمَع , وأن يمشي تابعا فلا يُتبع !

وأخيرا .. يحق لي وللمسلمين جميعا أن يطالبوا البابا بالاعتذار إليهم هذه المرة أيضا ؛ فإن إخراج غير الكاثوليك من دائرة النجاة , ووصف اليهود بالغادرين , يتضمّن قدرا أعنف من التطرف ضد المسلمين , ومعناه أننا أسوأ عند البابا من أن يصرح بنا في سياق الإقصائية والكراهية هذا !!

لكنني لن أطالبه بالاعتذار , كما لم أطالبه في المرة الماضية . ولكني أدعوه إلى فهم الآخرين بقدر أكبر بقليل مما هو عليه , مع أنه محتاج إلى قدر كبير جدا من ذلك , ولكني إنما أطالبه بهذا القدر اليسير من فهم الآخرين ؛ لأنه قد وصل إلى حد هو معه محتاج إلى التشجيع بأدنى قدر من التغيير !

فهل سيفهم بابا الفاتيكان المسيحيين من غير الكاثوليك ؟ لكي يمكنه أن يفهم بعدهم المسلمين ؟!!

 

د/ الشريف حاتم بن عارف العوني

عضو مجلس الشورى

والمشرف على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم

3/7/ 1428هجرية

1
4667
تعليقات (0)