الحرب الصليبية الجديدة على الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم وامتدادها

الدكتور/ نعيم كامل نايف شبير

ما صدر ويصدر عن بابا الفاتيكان " بنديكت السادس عشر" في الآونة الأخيرة، وما حدث من ردود فعل واحتجاجات لهذه التصريحات وغيرها في عدد من البلاد العربية والإسلامية، لم يعد أمراً خافياً على أحد. فقد تناقلت وسائل الإعلام المحلية والدوليّة أخبار هذه التصريحات المسيئة للإسلام والرسول الكريم. والهدف من هذا المقال هو جلاء الصورة وبيان الحقيقة، لما يحدث من هجمة كبيرة منظمة ومخطط لها على الإسلام والمسلمين، من قبل مجرمي العالم الغربي المسيحي والصهيوني، فالحرب على الإسلام تّعد من أكبر الحروب التي يخوضها الغرب المسيحي والصهيوني ضد الإسلام والأمة المسلمة على حدٍ سواء، وما أعلنه وكتبه سلمان رشدي في فترة سابقة ليس عنا ببعيد، وجاء على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بوش الابن " أنها حرب صليبية، ووصف الإسلام بالفاشية "، وفي وقت سابق من هذا العام نشرت بعض الصحف الدنماركية والنرويجية والأوربية صور مسيئة للنبي العظيم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، واليوم جاء دور الرأس الأكبر المعبر عن رأي عدد غير قليل من هذه الطائفة هو بابا الفاتيكان، بما هو مكمل لما بدأته الصهيونية العالمية والأنظمة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مما يُظهر الحقد الصليبي المتوارث على الإسلام والمسلمين، يَغرسه المجرمون في أجيالهم الناشئة، بكل ما يملكون من وسائل متوافرة لديهم وبمباركة من الكنيسة.

إن الذي يقول هذا القول عن الإسلام والرسول محمد ،"، لاشك أنه يجافي الحقيقة، وفقد الحياء والعدالة وغلبه الجهل وأعمت الأطماع بصيرته و كاذب. ويقول الدكتور عدنان علي رضا النحوي في كتابه الذي صدر حديثاً بعنوان النبي العظيم والرحمة المهداة محمد ،: " إن هؤلاء وجدوا أن الإسلام، كما جاء من عند الله، هو العقبة الكبيرة أمام أطماعهم وجشعهم، وعدوانهم وظلمهم، وإجرامهم وفتنتهم. فلا بدّ أن يُزيحوه من طريقهم إن استطاعوا؛ فسلكوا لذلك سبلاً شتّى تعمل معاً هي: العدوان والغزو والقتال بأشدّ الوسائل والأسلحة فتكاً دون رحمة أو مظهرِ من مظاهر الإنسانية، تهوين النفوس وإضعاف العزائم بنشر الفتن والفواحش والخمور وترغيب الناس بها بوسائل شيطانية مختلفة، نشر الأفكار المناهضة للإسلام وتزيينُها، ودفع رجال ودعاة ينشرونها، وتسخير وسائل الإعلام كلها من أجل إفساد الفكر"، إنها إساءة كبيرة، وإيذاء إلى الإسلام ونبي الإسلام؛ مخطط لها سلفاً؛ مستفيدون من الظروف التي يمر بها المسلمون، من هوان وضعف وتفرق، وتمزق لا مثيل له، إنها حرب على الله ورسوله، وعلى رسالة الإسلام والمسلمين، ومن السذاجة أن يطالب المسلمون البابا وغيره ممن يرتكبون كل يوم إساءات لهذه الأمة بالتوضيح أو الاعتذار.

" إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا " [ الأحزاب : 57 ]. إن هذه المرحلة مروّعة ومظلمة وخطيرة في تاريخ الأمة المسلمة؛ وبحق مليار ونصف المليار مسلم تقريباً منتشرون في شتى بقاع الأرض، وقد ينعكس عليها مستقبل العالم الإسلامي. إن أبرز ما في هذه المرحلة أن أعداء الأمة يسيرون على خطى مدروسة ومنظمة، ونهج واعٍ وقوة فعّالة، ودعم لا محدود من قوى الشر والفساد؛ ونحن لا نملك سوى الشعارات التي سقطت، والارتجال والعاطفة. ونتسارع على دنيا فانية ومناصب دنيوية زائلة.

وما من شك في أن للأمة المسلمة إرثاً ليس باليسير في نشر العدالة والحرية والرحمة والمساواة والأمن والأمان، والثوابت والمبادئ، والذي لو جُمع فقد لا تكفيه الملايين من المجلدات. لذلك لا داعي لأن ندافع عن الإسلام ونبيه العظيم وما جاء به مما هو منافي للعقل أو ما هو سيئ، ونثبت للعالم بصدقه؛ فالحقائق واضحة جلية لا يمكن تجاوزها، فالإسلام كله قائم على العقل والمنطق والحقائق، وإساءة البابا وغيره للإسلام ونبي الإسلام ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فهذه عقليتهم، وهذا تفكيرهم، وهذا هو نهجهم؛ حتى لو أنهم اعتذروا، فاعتذارهم يكون لتمرير مواقف معينة وتجاوز أزمة ٍٍٍٍ سببتها تلك التصريحات النابعة من حقيقة ما بداخلهم. لذلك يجب أن لا يطمح المسلمون إلى الاعتذار، وعليهم أن يكونوا على مستوى هذا التحدي الكبير المفروض عليهم، بمواجهته بالخطة والنهج والتفكير الإيماني العلمي، وليس بالارتجال وردود الفعل العاطفية والآنية، والتي تنتهي بانتهاء الحدث.

فالتاريخ الإسلامي يحمل لنا حقيقة نشر الإسلام بالمعاملة الحسنة والممارسة العملية والإقناع وبالإنسانية، وليس بالسيف والإرهاب كما يدّعى بابا الفاتيكان؛ فالفتوحات الإسلامية بقيادة أصحاب رسول الله ،صلى الله عليه وسلم، تكشف لنا عظمة الإسلام ورسالته، وعظمة النبوّة الخاتمة محمد ،صلى الله عليه وسلم، وعظمة جنود الإسلام وهم يحملون رسالة الله إلى الناس كافّة، فينشرون الرحمة والعدل وأعلى معاني الإنسانيّة في التاريخ البشريّ كُلّه، يهديهم الله بإيمانهم: (1)

فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله ، إذا بعث أميراً على جيش أوصاه في خاصّة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، وقال :" اغزوا باسم الله وفي سبيل الله …، ولا تَغُلُّوا ولا تغدُروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليداً …"

[ رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه]

هذه صورة الإسلام الحقيقية، والتاريخ مليء بالصور المشرقة من مواقف المؤمنين الصادقين المتقين الذين ينطلقون في الأرض يبلّغون رسالة الله إلى النَّاس كافّة، ويتعهَّدونهم عليها، ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم :

{ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }[إبراهيم :1]

{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّـورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[البقرة : 257]

لقد انكشفت كل المخططات الصليبية والصهيونية ضد هذه الأمة بما لا يجعل مجالاً للشك، وظهر على آثارها خلافات، ومساومات، وتنازلات من المسلمين؛ وانهارت أنظمة، وقُسّمت العراق إلى طوائف؛ وأصبحت المنطقة تمر في مخاض شرق أوسط جديد بزعمهم، يعلنون عنه في كل مناسبة صباحاً ومساءً، يضعون له الخطط، ويرصدون له المبالغ الطائلة، ويُجندون له الطاقات، متسلحين بقرارات ظالمة من المؤسسات الدولية.

وإني لأعجب من تواطؤ أولئك المنتسبين إلى الإسلام والمندسين المفلسين تحت عباءة الدين والدعوة، يبتغون الشهرة، ويسعون رضاء الآخر، تحت شعارات العدالة والحريّة والمساواة والإنسانيّة والديمقراطيّة وزخرفها والعلمانية وفسادها، يعقدون المؤتمرات والندوات والمهرجانات، ويدعون لها وتُبَحُّ أصواتهم من أجلها، وهم بين أيديهم كنز عظيم وحقّ مبين. (1)

إن ما نراه يُدمي القلب ويزيد من التيه والضياع، ويُدخل الأمة في متاهات مظلمة، وتُخترق الحصون، وتزول القلاع؛ بما يساعد على مزيد من التنازلات. وقد يتساءل البعض، ما المخرج، وكيف يكون الفرج؟! والمخرج لن يكون إلاّ إذا أفاق المسلمون من غفلتهم، وعادوا إلى الله وأنابوا إليه، وقدموا الإسلام بما يحمل من نُظم اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وتربوية، وإدارية؛ ونظريات تربوية دعوية لكافة الميادين؛ تحمل الطابع الإيماني، بما يلبي حاجة الأمة اليوم.

{... وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31]

ونحن بهذه المناسبة نكرر ما جاء على لسان الداعية الإسلامي المعروف الدكتور عدنان علي رضا النحوي في رسالته إلى البابا(1) بدعوته إلى التوبة إلى الله من هذه المعصية الكبيرة .

فالإساءة إلى أيّ نبيّ أو رسول إثم ومعصية عند الله وبخاصة إذا كانت إلى خاتم النبيين محمد ،صلى الله عليه وسلم ، واستمع إلى قوله تعالى :

{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً } [ الأحزاب :57]

ــــــــــــــــــــ
(1)
من مقالة للدكتور عدنان علي رضا النحوي، على موقع لقاء المؤمنين - www.alnahwi.com.

nshiber@maktoob.com

 

 

1
4427
تعليقات (0)