الرضى عن الله عز وجل

-

من كاب صيد الخاطر

من أراد أن يعلم حقيقة‎ ‎الرضى عن الله عز وجل ففي أفعاله ، و أن يدري من أين ‏ينشأ الرضى ، فليتفكر في أحوال‎ ‎رسول الله صلى الله عليه و سلم‎ .

‎‎فإنه لما تكاملت معرفته بالخالق سبحانه رأى‎ ‎أن الخالق مالك ، و للمالك التصرف ‏في مملوكه ، و رآه حكيماً لا يصنع شيئاً عبثاً ،‎ ‎فسلم تسليم مملوك لحكيم فكانت ‏العجائب تجري عليه و لا يوجد منه تغير ، و لا من‎ ‎الطبع تأفف‎ . ‎

‎و لا يقول بلسان الحال : لو كان كذا ، بل يثبت للأقدار ثبوت‎ ‎الجبل لعواصف ‏الرياح‎.‎

‎ هذا سيد الرسل صلى الله عليه و سلم بعث إلى الخلق‎ ‎وحده ، و بالكفر قد ملأ الآفاق ‏، فجعل يفر من مكان إلى مكان ، و استتر في دار‎ ‎الخيزران ، و هم يضربونه إذا ‏خرج ، و يدمون عقبه ، و شق السلى على ظهره ، و هو ساكت‎ ‎ساكن‎ . ‎

و يخرج كل موسم فيقول : من يؤويني ، من ينصرني ؟‎ ‎

ثم خرج من‎ ‎مكة فلم يقدر على العود إلا في جواز كافر ، و لم يوجد من الطبع تأنف ‏، و لا من‎ ‎الباطن اعتراض‎ . ‎

إذ لو كان غيره لقال : يا رب أنت مالك الخلق ، و قارد على‎ ‎النصر ، فلم أذل ؟‎

‎كما قال عمر رضي الله عنه يوم صلح الحديبية : ألسنا على‎ ‎الحق ؟ فلم نعطي ‏الدنية في ديننا ؟‎ ‎

‎و لما قال هذا ، قال له الرسول صلى الله‎ ‎عليه و سلم‎ : ‎إني عبد الله و لن يضيعني‎ ‎، فجمعت الكلمتان‎ ‎الأصلين اللذين ذكرناهما.‏‎ ‎فقوله : إني عبد الله ، إقرار بالملك و ‏كأنه قال‎ : ‎أنا مملوك يفعل بي ما يشاء‎ .

‎و قوله : لن يضيعني ، بيان حكمته ، و أنه لا‎ ‎يفعل شيئاً عبثاً‎ .

‎‎ثم يبتلي بالجموع فيثد الحجر ، و لله خزائن السموات و‏‎ ‎الأرض‎ .

‎‎و تقتل أصحابه و يشج وجهه ، و تكسر رباعيته ، و يمثل بعمه و هو ساكت‎

‎‎ثم يرزق ابناً و يسلب منه ، فيتعلل بالحسن و الحسين ، فيخبر بما سيجري‎ ‎عليهما‎ ‎‎.

‎‎و يسكن بالطبع إلى عائشة رضي الله عنها ، فينغص عيشه بقذفها‎ .

‎‎و يبالغ في إظهار المعجزات فيقام في وجهه مسيلمة و العنسي و ابن صياد‎ .

‎‎و يقيم ناموس الأمانة و الصدق ، فيقال : كذاب ساحر . ثم يعلقه المرض كما‎ ‎يوعك رجلان و هو ساكن ساكت . فإن أخبر بحاله فليعلم الصبر‎ .

‎‎ثم يشدد عليه‎ ‎الموت ، فيسلب روحه الشريفة و هو مضطجع في كساء ملبد و إزار ‏غليظ ، و ليس عندهم زيت‎ ‎يوقد به المصباح ليلتئذ‎ .

‎‎هذا شيء ما قدر على الصبر عليه كما ينبغي نبي قلبه‎ ‎، و لو ابتليت به الملائكة ‏ما صبرت‎ .

‎‎هذا آدم عليه السلام يباح له الجنة سوى‎ ‎شجرة فلا يقع ذباب حرصه إلا على العقر‎ ‎‎.

‎‎و نبينا صلى الله عليه و سلم يقول‎ ‎في المباح‎ : ‎مالي و للدنيا‎ !

‎‎و هذا نوح عليه السلام‎ ‎يضج مما لاقى ، فيصبح من كمد وجده‎ ‎لا تذر على ‏الأرض من الكافرين‎ ‎ديارا‎ . ‎و نبينا صلى الله عليه و سلم يقول‎ : ‎اللهم اهد‎ ‎قومي ‏فإنهم لا يعلمون‎ .

‎‎هذا الكليم موسى صلى الله عليه و سلم ،‎ ‎يستغيث عند عبادة قومه العجل على ‏القدر قائلاً‎ ‎إن هي إلا فتنتك‎ ‎و يوجه إليه ملك الموت فيقلع عينه‎ .

‎‎و عيسى صلى الله عليه و سلم يقول‎ : ‎إن صرفت الموت عن أحد فاصرفه عني.‏‎

‎‎و نبينا صلى الله عليه و سلم يخير‎ ‎بين البقاء و الموت ، فيختار الرحيل إلى الرفيق ‏الأعلى‎ .

‎‎هذا سليمان صلى‎ ‎الله عليه و سلم يقول : هب لي ملكاً ، و نبينا صلى الله عليه و ‏سلم يقول‎ : ‎اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً‎

‎‎هذا و الله فعل رجل عرف‎ ‎الوجود و الموجود ، فماتت أغراضه ، و سكنت ‏اعتراضاته ، فصار هواه فيما يجري‎ .‎

1
4417
تعليقات (0)