انهيار حزب الشعب الدنمركي

عبدالواحد بيدرسون

17 أكتوبر 2006

ظل حزب الشعب الدنمركي خلال السنوات الماضية يتصدر قائمة الأحزاب السياسية في البلاد. ففي الانتخابات الأخيرة التي جرت لتشكيل الحكومة ظهر هذا الحزب كثالث أكبر حزب في البلاد، ولذلك اكتسب قدر كبير من التأثير. ومنذ تلك الانتخابات، كان حزب الشعب يؤيد الحكومة الحالية بشكل مباشر ويؤمن لها الأغلبية البرلمانية، بالرغم من أنه ليس من الأحزاب المشتركة في الحكومة.

وبالرغم من أن اسم الحزب يدل على أنه حزب محترم ويمثل الأغلبية، إلاّ أنه في واقع الأمر حزب متشدد ويميني وعنصري إلى حد كبير. حيث أن عدد من أعضائه القياديين أدينوا بانتهاك القوانين التي تحظر التمييز العنصري، وكذلك التمييز الديني أيضاً. وقد كان هذا الحزب ذكياً في نسج لعبة الخوف داخل الشعب، حيث كان يشنع بالمسلمين ويصورهم على أنهم أعداء للمجتمع المدني بشكل عام. وبالاستناد إلى بعض الأفكار المسبقة والمعممة، نجح هذا الحزب في إثارة الغضب ضد الإسلام والمسلمين، وهو أمر ظل يتزايد في عدد من الدول الأوربية لما يزيد عن عقد من الزمان.

وقد حارب المسلمون وغير المسلمين جنباً إلى جنب، ضد هذا المد التعس، و مؤخراً بدأت جهودهم تؤتي أكلها. فقد بدأ يعاني حزب الشعب من مشاكل داخلية كبيرة، وهذه الأمور مجتمعة أدت بهذا الحزب الذي كان ناجحاً حتى وقت قريب إلى حافة الانهيار.

وقد بدأ انهيار الحزب في صيف عام 2006، عندما بدأت إحدى الصحف بوصف الرؤساء المحليين للحزب بأنهم نازيون جدد، وطلبت منهم أن يكونوا أعضاء بالحزب. ومن الرؤساء المحليين وعددهم أحد عشر رئيساً، واحداً فقط، رفض تسجيل أحد النازيين الجدد في الحزب. وعندما انتشرت القصة، تم فصل جميع الرؤساء المحليين المشار إليهم، ومن تلك الخطوة أراد الحزب أن يوحي بأنه ينأى كلياً بنفسه عن التطرف العنصري. ومن الواضح أن هذه كانت ضربة قوية بالنسبة لحزب سياسي يطرد عشرة رؤساء محليين في فضيحة علنية.

وخلال الخريف، حدثت عدة ظروف أدت بالحزب إلى أن يجثوا على ركبتيه. وقد بدأ عدد ممن بقي من رؤساء الحزب المحليين في طرح التساؤلات حول قيادة الحزب، وفوراً قامت القيادة باتخاذ خطوة عجلة وطردت أحد عشر آخرين من الرؤساء المحليين، ورداً على هذه الخطوة، قام عدد آخر من الرؤساء المحليين بمغادرة الحزب من تلقاء أنفسهم، حيث أن بعضهم وصف الحزب علناً بأنه شديد العنصرية.

وفي بداية أكتوبر، أقام الحزب احتفاله السنوي، وفي تلك المناسبة، قام ما لا يقل عن 66 شخص، وأنا شخصياً كنت واحداً منهم، بالتوقيع على مذكرة تتضمن أحد عشر اتهاماً ضد بعض الأعضاء القياديين في الحزب، بما فيهم رئيسه، بيا جيرساغارد Pia Kjaersgaard، وهنالك احتمالات قوية بأن بعض هذه الاتهامات؟، إن لم تكن كلها، ستنجم عنها قضايا حقيقية أمام المحاكم، وستؤدي في النهاية إلى الإدانة.

وبعد أسبوع واحد فقط، تم الكشف عن أن ناشطاً يسارياً شاباً اخترق جناح الشباب بالحزب، وقضى 18 شهراً دون أن يعلم عنه أحد ليكشف عن التيار العنصري داخل الحزب. وأثناء مسابقة وطنية أقامها الجناح اليميني، قام بتصوير الشباب وهم يتنافسون في رسم صور ساخرة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وعرض تسجيل الفيديو لهذه الحادثة في الإنترنت، وتناولته الصحف الدنمركية، وكان ذلك فقط للكشف عن الميول المريعة لهذا الحزب، الذي يتلقى التمويل من الجمهور. ونية لفت انتباه الجمهور إلى الرسوم الكاريكاتيرية فقط، لم يكن يقصد بها الإساءة إلى النبي، بل كانت لدق ناقوس الخطر للتحذير من الميول العنصرية داخل الحزب.

ومن الواضح بالنسبة للمرقبين السياسيين في الدنمرك أن الحزب كان يرغب في صرف الأنظار عن مشاكله الداخلية، وكان يأمل في أن يؤدي هذا الحادث إلى نشوب أزمة حادة، كتلك التي شهدناها في فبراير من هذا العام بسبب الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها صحيفة دنمركية. ولو قدر لهذه الأزمة أن تقع فعلاً مرة أخرى، لاستغلها حزب الشعب لكي "يثبت" أن المسلمون يشكلون تهديداً خطيراً "للعالم الحر". والحمد لله، لم تحدث تلك الأزمة، بالرغم من أن الحزب بذل كل ما بوسعه، حتى أنه جاء بصورة أخرى مسيئة عندما كان يعد لتلك الأزمة. وهذه المرة ليس بواسطة الجناح الشبابي، بل من الحزب السياسي الحقيقي نفسه.

لقد قام هؤلاء بفعل كل ما يستطيعون لوضع الدنمرك في وجه العاصفة في فضيحة أخرى مع العالم الإسلامي في الطرف الآخر من المائدة.

لم تحدث أزمة، ولم تعرض مشاهد مخيفة في الأخبار، وقد أرتد أثر الحادثة برمتها عكسياً على حزب الشعب. وفجأة برز الحزب مرة أخر عدواً للأمة، عندما دفع الدنمرك إلى حافة أزمة دولية أخرى، والتي لم تحدث بفضل الله ونعمته. لقد كان النقاش في الدنمرك صعباً، وأنا شخصياً كانت لدي الفرصة للمشاركة فيه في عدة مستويات من الإذاعة إلى التلفاز. وقد بات واضحاً الآن أن حزب الشعب ارتكب حماقة كبرى، وعليه أن يدفع ثمنها.

وحسب بعض استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الأيام القليلة الماضية، فإن حزب الشعب سيفقد حوالي ستة مقاعد في البرلمان، وربما يتم عزله وتركه بدون أي تأثير في الحياة السياسة. لقد انقلب السحر على الساحر، وبتنا نرقب حزب الشعب الدنمركي وهو يتراجع من حزب مؤثر في السياسة الدنمركية إلى مجرد أقلية عنصرية معزولة.



عبدالواحد بيدرسون*

* أمام جامع كوبنهاجن، أعتق الإسلام عام 1980 م ، وأسلم على يده أكثر من 160 مسلم، وهو يعمل كأمين عام المساعدة الإسلامية الدانمركية، ومدير المركز الإسلامي الدنمركي، نائب رئيس المسلمين في الحوار، والرئيس السابق ومؤسس عِدّة مَدارِس إسلامية خاصّة في الدنمارك، عضو لجنة الأكاديمية الإسلاميةِ السويدية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة الجسور، مؤسس ومشارك مِنْ مركز الدراسة الإسلاميِ المسيحيِ في كوبنهاجن، المالك ومدير المكتبة الإسلاميةِ الأولى في الدنمارك، ترجم عِدّة كُتُب عن الإسلام إلى اللغة الدانمركية، مشارك نشيط جداً في النِقاش العامِّ في الدنمارك.

1
4387
تعليقات (0)