د. باسم عبد الله عالِم - محامِ ومستشار قانوني
لست بصدد الإنزلاق نحو ردود أفعال لا إرادية من موقف حبر الأمة الكاثوليكية من تفنيد ورد وتعريض. فالمسلم مأمور بألا يسب القوم أو معتقادتهم. والسبة تشمل فيما تشمل كل محاولات الطعن في دينهم مستصحبا ذلك بالتهكم أو الإنتقاص أو الإزدراء علاوة على التهجم العلني والسباب المباشر. والمهاترات لا تفيد سوى تعزيز الإتهام والإنجرار بلا هدف نحو معركة لا طائل من ورائها. ولكن هذا الأدب الذي أُمرنا به من قبل خالقنا سبحانه وتعالى لا يتنافى وحقنا في الدفاع عن أنفسنا ومعتقداتنا ورسل الله وأنبيائه وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ولكم أثلج صدرى البيان الصادر عن إتحاد علماء المسلمين الذي يرأسه فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ويتولى مهام الأمانة العامة فيه سعادة الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا حفظهما الله وبارك في جهودهما وجهود إخوانهم وأخواتهم من علماء هذه الأمة. فقد كان بيانا مستوفيا لكل ما يجب أن يقال في مثل هذه المواقف من تذكير و تبصير وتحذير.
وقد كنت أتمنى أن تتسع هذه الزاوية لقراءة متعمقة في البيان المذكور ومحاوره، بيد أني أرجو من القارئ الكريم أن يرجع إليه ويسترشد به في المواقف المشابهة التي أرى أنها في إزدياد مطرد يتناسب وإزدياد المد الإسلامي وتأثير هذا الدين في مجريات الأحداث العالمية.
إن حقيقة الحوار بين الأديان ليس بدعا من القول، ولكن تحرير المصطلح والتوافق حول ما يعني ويهدف هذا الحوار أمر لا بد منه قبل أن نجد أننا في سفينة تبحر إلى حيث لا ندري. فليس ركوب البحر هدفنا ولكن الوجهة هي المقصد الذي من أجله قبلنا تخصيص الوقت والجهد والإمكانات. والحوار في الإسلام لا يخلو من هدف أسمى ومفهوم راق. لقد علمنا الله سبحانه وتعالى أدب الحوار وفنه ومنطق الحجج ومفهوم المناظرة وأساليب النقاش. ولكن هذا العلم والفن الراقي، لم يعط للمسلمين كي يستخدم في ما لا طائل من ورائه. لقد كان ولا يزال سلاحا من أمضى أسلحة الدعوة والتعريف بالخالق سبحانه وتعالى وشرعته التي أنزلها على نبيه صلي الله عليه وسلم.
لقد أمرنا ألله أن ندعو أهل الكتاب (إلى كلمة سواء) إلى العوامل المشتركة الدنيا، سواء كانت هذه العوامل إعتقادية أو معرفية. والهدف هو أن ينطلق منها الحوار بين الأديان على أسس تحكم الحوار وتحدد الوجهة والمحطات المرحلية نحو هذه الوجهة. ولعل أهم الأسس التي يجب أن يبنى عليها الحوار هو تأصيل ما نريد منه. هل نحن بصدد التعريف العام بدين الله سبحانه وتعالى؟ هل نريد إيضاح ما هو مبهم أو مستشكل عليهم؟ هل هو بغرض الرد على الشبهات المثارة منهم؟ أم هل هو بغرض إثبات صدق الرسالة والنبوة والدين؟ مانريده ونهدف إليه يحدد لنا المعايير والكيفية المتبعة للوصول إلى هذا الهدف والأشخاص الذين يحسن بنا إنتدابهم لتحقيق هذا الهدف. أما الحوار من أجل تقريب وجهات النظر كما يزعم البعض هو أمر فيه الكثير من التسطيح لعمق الخلاف الديني والعداوة التي يكنها لنا القوم منذ أن فتح الله علينا الدنيا وسقط كسرى وقيصر عن عروشهما. ولعل الحروب المتعاقبة على ثغور الأمة ثم الحروب الصليبية ثم محاكم التفتيش ومرورا بعهود الإستعمار وإنتهاء بالحروب الحالية لهو خير دليل على هذه العداوة المتأصلة والكبر وغمط الحق الذي يستميتون لدحضه وإخفائه أو تشويه الحقائق الدامغة لثني الناس عنه.
وبالرغم من إدراكنا للحالة النفسية التي لا يمكن إخفائها والتي تظهر بين الفينة والأخرى من خلال فلتات اللسان (وما تخفي صدورهم أعظم) كما حدث مؤخرا مع حبر الأمة الكاثوليكية، فإننا مأمورون أن نقيم الحجة عليهم ونؤدي ما علينا من تبيان ودعوة لتكون شاهدا لنا كما ستكون شاهدا عليهم يوم العرض الأكبر. ولا نغفل في ما قلنا الفائدة التي ستعود جراء الحوار الهادف والبناء على كل طلاب الحق والحقيقة الذين تجردوا من العنصرية والبغضاء والأحقاد لينشدوا دين الله ولتفيض أعينهم من الدمع لما عرفوا من الحق فيه.
وإننا إذ نذكر ما تقدم، لابد وأن نقرر حقيقة بدأت تظهر جليا مفادها أن ما تفوه به وأظهره حبر الأمة الكاثوليكية مما يعتلج في نفسه ليس إلا درجة أخرى متقدمة في درجات مؤشر معدلات التوتر المتزايدة في الغرب من المد الإسلامي كما أنه مدليل على حالة الإستنفار الغربي لحرب هذا المد بكل الوسائل المتاحة له. ويكفي لإدراك ذلك أن نوضح حقيقة مفادها أن حبر الأمة الكاثوليكية اليوم يعتبر أعلم أهل ملته بعلوم اللاهوت والأديان المقارنة نظرا لخلفيته الأكاديمية والعملية وإستنادا إلى أرائه وأبحاثه ومقالاته العديدة منذ أن كان أستاذا جامعيا متخصصا في العلوم اللاهوتية الأصولية مرورا بأسقفية مدينتي (ميونخ وفرايزج) بالمانيا حتي إعتلائه سدة الكرسي الرسولي بكاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان. فلم يكن ما ذكر حبر الكاثوليك خطأ بل قناعة مترسخة وعداء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ضاق به صدره فظهر على فلتات لسانه.
الحوار يجب أن يؤصل ويتم تقرير الهدف منه مسبقا قبل إضاعة الجهد والوقت. والحوار لا يكون في ظل الأرهاب الفكري والعسكري الذي يمارسه الغرب ويباركه المحاورين الذين يمثلون الأمم الغربية. ولا يجب أن يكون نحتا في بحر أو ترفا فكريا أو ملهاة لنا. فكلما قدمنا حجة دامغة الهونا بتهمة وتساؤل. لسنا على هذه الأرض سعيا لإرضاء الغرب أو إسترضائه فنحن هنا لنعبد الله وندعو إليه سبحانه وتعالى على بصيرة ونبين للناس المحجة البيضاء لتكون هديا لكل طالب ومنشد للحق والحقيقة رضي من رضي وسخط من سخط. ولتعلم الأمة بأن اليهود والنصارى المتبعين للهوى والرافضين للإسلام لن يرضوا عنا إلا أن نكون لهم تبعا.
والله ومن وراء القصد....،