من نماذج التفسير اليهودي- المسيحي للقرآن الكريم

د. جمال الحسيني أبوفرحة

قلنا من قبل إن كثيرًا من المفكرين ورجال الدين المسيحي واليهودي أعلنوا إيمانهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لما يجدونه عندهم في كتبهم من البشارة به صلى الله عليه وسلم؛ ولما رأوا عليه من أعلام النبوة؛ إلا أنهم لم يعلنوا إسلامهم، وظلوا على دياناتهم يهودًا ونصارى.

وذلك أنهم ظنوا أحد ظنين:

• الأول: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم – إنما بعث للعرب وحدهم دون غيرهم؛ اعتمادًا على فهم خاطئ لهم لبعض النصوص القرآنية التي تتحدث عن إرساله - صلى الله عليه وسلم- للعرب.(وقد رددنا على ذلك في المقالين السابقين)

• الثاني: أنهم ظنوا أن لهم الخيرة في اتباع أي من شرائع السماء، ولم يعترفوا بعقيدة نسخ الشرائع.(وهذا موضوع مقالنا اليوم).

فقد تمسك هؤلاء ببعض الآيات القرآنية وفهموها فهمًا ظاهريًا باطلا.

ومن ذلك قوله تعالى: "وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير" الشورى:15 ، ففهموا من الآية أنهم مخيرون في اتباع أي من ديانات السماء؛ وفهمهم باطل؛ فهذه براءة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن يخاطب من المشركين وأهل الكتاب؛ كقوله تعالى: "وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريء ممّا تعملون" يونس:41 ، ومثل قوله تعالى: "قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين" الكافرون:6:1 ، فقوله: " لكم دينكم ولي دين" لا يدل على رضاء بدينهم، بل ولا على إقرارهم عليه؛ بل يدل على براءته من دينهم؛ ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم- عن هذه السورة: "إنها براءة من الشرك" رواه الدارمي والترمذي وأحمد.

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" المائدة:69 حيث فهموا من الآية أن الإسلام لا يفرق بين الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون - وهم أتباع نبي الله يحيى عليه السلام- والنصارى، وأنه يقرر أن لكل إنسان الخيرة في اتباع ما يشاؤه من ديانات السماء؛ وفهمهم باطل؛ فالمراد بالذين هادوا وبالنصارى وبالصابئين هنا هو من كان منهم على دينه قبل تبديله أو نسخه بغيره؛ فأهل الكتاب بعد النسخ والتبديل لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق؛ ومن ثم قال الله تعالى فيهم: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" التوبة:29،.

وهو ما يؤكده قوله تعالى: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" البقرة:137

والله أسأل الهداية لنا أجمعين

د. جمال الحسيني أبوفرحة
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
gamalabufarha@yahoo.com

1
4289
تعليقات (0)