د. جمال الحسيني أبوفرحة
بالإضافة إلى ما سبق ذكره في مقالنا السابق، تعلق بعض أهل الكتاب في دعواهم بخصوصية الرسالة الإسلامية بالعرب بقوله تعالى: "إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون" يوسف:2 ؛ وبقوله تعالى: "ولو نزلناه على بعض الأعجمين. فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين" الشعراء 199:198 ، وقوله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" إبراهيم: 4 .
ودعواهم باطلة، ولا تناقض هذه الآيات دعوى عالمية الرسالة؛ فالحكمة في أن الله تعالى إنما يبعث رسله بألسنة قومهم هي أن يتم مقصود الرسالة من التفهيم والبيان والإرشاد، وإذا تقررت نبوة النبي في قومه قامت الحجة على غيرهم ممن أرسل إليهم؛ فإن أقارب الإنسان ومخالطيه المطلعين على حاله والعارفين بوجوه الطعن عليه أكثر من غيرهم، إذا سلموا ووافقوا، فغيرهم أولى أن يسلم ويوافق، وفرق بين قوله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" وبين أن يقول: "وما أرسلنا من رسول إلا لقومه"؛ فالقول الثاني هو المفيد لاختصاص الرسالة بهم لا الأول.
بل فرق بين قوله: "وما أرسلنا من رسول إلا لقومه"، وبين قوله: "وما أرسلنا من رسول إلا مكلفًا بهداية قومه"؛ فالثاني لا إشعار فيه بأنه لم يكلف بهداية غيرهم بعكس الأول؛ فمن لم يكن له معرفة بدلالات الألفاظ ومواقع المخاطبات، سوّى بين المختلفات، وفرق بين المؤتلفات.
وكذلك التوراة إنما أنزلت باللسان العبري وحده، وموسى عليه السلام لم يكن يتكلم إلا بالعبرية؛وكذلك المسيح عليه السلام لم يكن يتكلم إلا بالعبرية باللهجة الآرامية؛ وكذلك سائر الكتب لم ينزلها الله إلا بلسان الذي أنزلت عليه ولسان قومه الذين يخاطبهم أولا، ولا يخفى أن صحة تلك الدعوى: دعوى أن النبي لا يبعث إلا إلى قومه الذين يعرفون لغته؛ تبطل إيمان كل يهودي ومسيحي إلا أن يكون عبرانيًا يعرف العبرية، بل تبطل إيمان كل مسيحي على وجه الأرض بعد ضياع إنجيل عيسى عليه السلام الذي أنزل عليه بالعبرية.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن كون القرآن إنما جاء باللغة العربية على وجه الخصوص فيعلله تعليلا إجماليًا قوله تعالى: "إنا جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون" الزخرف:3 ، وقوله: "بلسان عربي مبين" الشعراء:195، فالخطاب هنا أراه ليس للعرب فقط؛ بل للعالم كله، وكأن معنى الآيات: إنا أنزلناه قرآنًا عربيا لأن العربية – كما يبرهن علم اللغة المقارن- لغة تصلح لأن تخاطب العالم أجمع؛ لأنها لغة مبينة عن أدق المعاني بأبسط الألفاظ وأجملها، ومن ثم كان حري بنا أن نعقل ما يتنزل علينا بها من قرآن، ومن لا يعرفها يمكنه أن يتعلمها، ومن لم يستطع أو لم يرد فيمكنه أن يعتمد على من يعرفها، فالمهم أن المعنى الموحى بها يصل إلى الأرض بدقة دون لبس، وبجمال دون عيب.
(وللحديث بقية)
د. جمال الحسيني أبوفرحة
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
gamalabufarha@yahoo.com