د.رائد حليحل
أسباب وجيهة تستدعي رفع المقاطعة عن شركة (آرلا) لا عن سواها:
الأول: لا بد لنا أن نتنبه أن شركة (آرلا) شركة غذائية مساهمة فهي ليست تابعة للجريدة المسيئة ولا الحكومة المتواطئة وبالتالي فليست شركة (آرلا) مسيئة للمسلمين ولا داعمة لمن أساء إليهم، وعليه فتحميلها مسؤولية عمل غيرها ليس من العدل ولا من الإنصاف.
الثاني: شركة (آرلا) كغيرها من مواطني الدانمرك فإنه بعد أن استبانت الأمور وانجلت الحقائق فإنها لا تملك إلا الإدانة والبراءة من عمل الصحيفة وإعلان ذلك، ليقل الظهير ويضعف النصير للمسيء، وإن المتابع لما ذكرته الشركة في بيانها المنشور على صفحات الجرائد والصحف العالمية بل وعلى المحطات المرئية والمنصوص عليه في موقعها وباللغات الثلاث "العربية والانجليزية والدانمركية" من قرأه بتمعن يجده تصريحا واضحا لا لبس فيه، مما يجعل المسلمين إزاءه في حرج شرعي فرفض ما صرحوا بإدانته أمر يجانب الصواب، وقبوله ليس له معنى إلا رفع الضرر عنهم وإعانتهم على حل مشكلاتهم. والكلمة الأخيرة للإنسان فله الخيار الكامل، لأن توصية العلماء ليس فيها إلزام كما لم تكن المقاطعة أصلا على وجه الإلزام.
الثالث: أن تصريح شركة (آرلا) بأنها ستبذل ما بوسعها لمساعدة المسلمين في كل ما من شأنه أن يعيد لهم اعتبارهم ويحقق لهم احترام دينهم، يعتبر عملا إيجابيا لا يجوز التغافل عنه أبدا.
الرابع: أن توجيهها الخطاب إلى العلماء والدعاة المجتمعين في البحرين يجعل العلماء أمام التزام أدبي، إذ ليس من أدب الإسلام إذا ما استجارك أحد أن لا تجيره، كيف وقد ميز نفسه عن المسيئين، فبأي حق يلحق بهم مع براءته ويأخذ حكمهم مع إدانته، إلى جانب ما فيه من لغة الاحترام والتقدير للعلماء المجتمعين هناك.
الخامس: إن موقف الحكومة من كلام شركة (آرلا) بأنها ركعت للمسلمين، خير دليل على أن كلامها بل موقفها قد أدى ما نطمع إليه من تكثير المساندين لنا داخل المجتمع الدانمركي، ويقلل من أنصار المسيئين والمتعاونين معهم، فإن لم يكن في كلام (آرلا) إلا أنه أغاظ الحاقدين فكفى به شرفا لنا أن نجد نصيرا لنا من بينهم.
السادس: إن موقف العلماء العاقل والمتزن سيشجع أمثال (آرلا) لعمل مشابه، بل سيكون له أثره الدعوي الكبير إن لم يكن على المدى المنظور فلا شك أنه مستقبلا سيكون أمرا جيدا لصالح الإسلام ودعوته في تلك الديار، فالموقف كان رسالة متوازنة تماما ولسان حالنا يقول نحن لسنا غوغائيين كما تصورون حتى نعادي من سالمنا وكذلك لسنا بهذه الدرجة من الهوان حتى نسالم من يعادينا، فرسالتنا واضحة سلم على من سالمنا وحرب على من عادانا وبهذا يتضح للجميع لماذا قاطعنا ومن قاطعنا وما غايتنا من المقاطعة وما الحكمة منه، فهي ليست غاية في نفسها بل عملت لغاية وإن نبل الغاية لن ينسينا نبل الوسيلة أيضا. فالمقاطعة وسيلة لا غاية.
السابع: أن تجاهلنا لكلام (آرلا) سيسجل علينا لا لنا، ويظهرنا بمظهر غير المنصف ولا العادل بل ولا الإيجابي المتفهم لواقعه، وسيضعف موقفنا فنصبح في موقع المتأثر بالأحداث لا المؤثر فيها ويكفي ذلك مفسدة لأنه سيكون تجاهلا غير مبرر.
الثامن: أن الموقف الحكيم هذا كان له أثر إيجابي على واقع المسلمين في الدانمرك في وقت حاول الإعلام تصويرهم بأنهم مؤججوا نار فبدا للجميع أنهم عناصر إطفاء بل إنقاذ وإنهم يسالمون من سالمهم وهم متوازنون بين الحرص والغيرة والمحافظة بل والاستمرار بمطالبتهم بحقهم والذي من أعظمه احترام دينهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت الذي يطالبون فيه بحقوقهم، يؤدون حقوق الآخرين، ولا يظلمون أحدا بجريرة غيره.
وبصراحة تامة، فإننا لا نخجل من موقفنا هذا لأن الله يعلم ويشهد أننا ضحينا وثبتنا في وقت قل فيه النصير وعز فيه الظهير، وكان وسيبقى شغلنا الشاغل إعزاز ديننا الذي دونه المهج ولا نخجل من استدلالنا بقول الحق (ألا تزر وازرة وزر أخرى) ولو استخدمت كثيرا في غير محلها، لكن المقام هنا واضح لا لبس فيه.
ولرب معترض يقول: ما دام الأمر كذلك فلماذا قوطع هؤلاء أساسا، فأقول مضيفا لما تقدم أن هذا الموقف "أعني المقاطعة" كان لا بد منه في أول الأمر. أما بعد اتضاح السبيل ومعرفة المجرم المسيء والمتعاون معه من المحايد بل الرافض فعلينا أن لا نجعلهم سواء وهم من قال الله عنهم "ليسوا سواء".
التاسع: أن شركة (آرلا) نفسها ولو كانت منطلقاتها مادية إلا أنهم أيضا محل لدعوتنا فإذا ما أحسوا بعدلنا وإنصافنا الذي خاطبونا به فلا شك سيكون له أثر دعوي عليهم وعلى أمثالهم ولن يفوتني هنا أن بعض الشركات بدأت بالاتصال باللجنة العالمية لتسوية وضعه أسوة بآرلا.
وللاطمئنان أكثر فإن جريدة اليولاند بوسطن وبتاريخ 14-05-2006 ذكرت (مستهجنة) أن شركة آرلا مارست كثيرا من الضغوط على رئيس الوزراء ليدين الرسوم ويعتذر من العالم الإسلامي. وتتهمها بأنها بالغت في أرقام الخسائر الناتجة عن المقاطعة لتستعطف الناس وتحملهم على الخضوع لرغبات المسلمين فيقدموا لهم الاعتذار الذي يكفل لهم رفع المقاطعة.
وختاما: نحن مسلموا الدانمرك لم نقل هذا تحت أي ضغط إلا رعاية لمصلحة دعوية بحتة ولأننا نرى أن ديننا يأمرنا بذلك ولو كان الضغط هو الدافع لطالبنا برفع المقاطعة مطلقا كما كان يطلب منا -إن من الخصم أو حتى من الصديق- ولكنا نقولها بفخر واعتزاز، دون خوف ولا وجل: أعز شيء على قلوبنا "حبيبنا ونبينا" ونفتديه بكل شيء، ولو كنا نعلم سبيلا يفضي إلى احترامه وتوقيره، حتى عند الكافرين، لسلكناه مهما كان صعبا.
فإن عبرت المقاطعة عن الحب فرفعها عن آرلا يعبر عن الإتباع الكامل له، وهو معلمنا أن لا نظلم أحدا أيا كان، فالتوصية برفع المقاطعة عن (آرلا) لا عن سواها فقط لموقفها لا يجوز اعتباره تفريطا بحق من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه تمام العدل إذ أن المؤتمر قرر الرفع على الجهة التي أدانت الرسومات وتبرأت منها وأظهرت الرغبة في التعاون مع المسلمين لإيجاد المخرج المناسب لهذه القضية، ونلاحظ أن المؤتمر لم يوص برفع المقاطعة عن الجميع مطلقاً حتى يتهم بأنه أوهن المقاطعة وأضعفها، كيف لا وهو الذي قدم دراسة تأصيلية فيها التدليل على شرعية المقاطعة وأنها أسلوب حضاري ينبغي تفعيله والاستفادة منه بضوابط لا بد من رعايتها.
فبدل أن نقضي الأوقات في جدل لا يقدم ولا يؤخر لم لا نقبل جميعا على ما يجب علينا أن نمضي به في سبيل نصرتنا لرسولنا فإن سبيل النصرة ما زال مشرعا أمامنا، يحتاج منا أن نلجه لا أن نقف على أعتابه متعاتبين.
فالإساءة هي هي لم تتغير فهلا ابتكرنا ما يمكننا من تغيير المنكر وإزالته فضلا عن إنكاره، اللهم وفق الجميع لما تحبه وترضاه وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين.
رئيس اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية