د. رقية علي باشا
الحمد لله الذي جعل كلمة الذين كفروا السفلى وجعل كلمته هي العليا وأصلي وأسلم على النبي الأمي المعلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك أنت العزيز الحكيم.
أيها الأحبة الغيورون على عرض نبيكم، أما آن لنا أن نقف وقفة مع أنفسنا وليست مع الآخر هذه المرة، فقضية الرسوم قد كتب الله لنا النصر فيها بحوله وقوته ونصرته لنبيه، أما ما كان منا من هبة و وقفة ومقاطعة فهو محمود بإذن الله إلا أنه قد شابه شيء من أتباع الهوى والغرور بالنصر..
لكنها وقفة من الكتاب والسنة، نقفها معكم لعلها تردع الأهواء عن مزيد من الخلاف.
هذا الموضوع هو من أكثر ما تعرض للشد والجذب في قضية الرسوم ، فالمحافل تمتلئ بالرأي والرأي المعارض لرفع المقاطعة عن آرلا ..
وهاهي بعض النقاط التي رأيتها في تحليل الحدث :
أولاً: إذا كانت القاعدة الشرعية في معاملة الكافر المسالم هي البر والإقساط، فماذا بقي في آرلا ليجعلها غير أهل لذلك، وهي التي لم تؤذ المسلمين أصلاً بل توددت إليهم ، وأنكرت ما أنكروه. { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وليت شعري ما هو الفارق بين شركة آرلا وبقية الشركات الأوروبية، أو قل بقية شركات العالم والتي لم تتمادى مع الرسوم الساخرة، والتي يستهلك منها العالم الإسلامي. اللهم إلا أنها تحمل الجنسية الدنماركية التي يحملها اثنين من صحفييها ؛ أساءوا للنبي.
إن عدم تحديدنا لحدود المشكلة و المسؤولين عنها هو الذي جعل هذا الخلاف قائماً،،
المسؤول عن قضية الرسوم كلها هما شخصان في الأصل، في بلد كافرة به مسلمون، المقاطعة كان هدفها واحد : وهو معاقبة كل من وافق على تلك الرسوم، فإذا تبرأ أحد منهم كانت محاسبته بجريرة الذنب بعدما تبرأ منه ظلم له والله لا يحب الظالمين.
حتى أن فقه الجهاد نفسه لم يتعامل مع دولة الكفر باعتبارها كتلة واحدة ينطبق على كل احد فيهم ما ينطبق على الآخر. {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }
فهؤلاء من قوم ظالمين ولكنهم أنكروا طغيان قومهم وألقوا السلم، والواجب هو إتباع أمر الله فيهم .. فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً.
ثانياً : من قال بأن ساب الرسول لا يقبل عذره ولا توبته فإنه محق إلا أن هذا الوضع ينطبق بالتعيين على الصحفيين وليس على شركة آرلا لأنها لم تسب الرسول أصلاً.
ثالثاً: اعتذار شركة آرلا في الصحف لا يمكن النظر إليه بأنه لم يكلفها معشار ما تنفقه أصلاً على دعايتها في الصحف، وان هذا لا يكفي ، هذا الحساب خاطئ لأن الاعتذار كلف الشركة الكثير أدبياً ، وهو خروجها عن اتجاه حكومتها ومعارضتها لرئيس الوزراء.
وليتنا نتذكر أن إنكار المنكر قد يكون باللسان ، وهو مقبول ، وقد يكون بالقلب فقط وهو مقبول أيضاً ، فما بلك بإنكار المنكر باليد والدفع ، أما يزال هناك مجال لأن نقول هذا البذل كان _ مادياً_ بسيطا ؟؟
رابعاً :القول بأن هذه الشركة لم تعتذر إلا لخوفها من المقاطعة، لا يستوجب الإصرار على المقاطعة ، لأن الاستمرار في العقاب يخلف الاستمرار في الذنب.
خامساً: دعونا نقف _ ولو مرة واحدة_ موقفاً شرعياً وعقلياً واحداً ، بعيداً عن الحماسات التي لا تتجاوز الحناجر ولا تصلح بقدر ما تفسد، دعونا نبدو وكأننا أمة واحدة تسير وراء عقلاءها وتعلم كيف تستخدم إمكاناتها، فرفع المقاطعة عن آرلا هو أفضل استثمار لإمكانات المقاطعة، التي سوف تنتهي عاجلاً أم آجلاً ، فلتنتهي بأيدينا وبإظهار إرادتنا قبل أن تنتهي بعد أن تخبو الحماسات وتسفر عن سطحية الكثيرين منا.