د. جمال الحسيني أبوفرحة
روى البخاري في صحيحه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي". . وقال : "من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني".
وقد أساء بعض الناس – في رأيي - فهم هذين الحديثين وأمثالهما من الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن رؤيته – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فضلوا وأضلوا؛ فظنوا أن كل من رأى في المنام أنه رآه فقد رآه حقيقة، وظنهم باطل؛ بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة، ويراه الرائي على صفة، وغيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف صور النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا صفاته.
وإنما معنى الحديث – في رأيي – أن من رآني على صورتي التي خلقت عليها فقد رآني؛ إذ لا يتمثل الشيطان بي؛ فلم يقل: من رأى أنه رآني، وإنما قال:" من رآني في المنام فقد رآني". وأنّى لهذا الذي رأى أنه رآه في منامه أنه رآه على صورته الحقيقية؟. ما لم يكن الرائي صحابيًا قد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم- قبل موته.
فحتى صفته – صلى الله عليه وسلم– المروية في كتب الحديث والسير فهي من العموم الذي لا يمنع الاشتراك فيها معه، وليست كرؤية العين حتى يجزم الرائي برؤيته له – صلى الله عليه وسلم- .
ومن هنا فإن رؤيته – صلى الله عليه وسلم – في المنام آمرًا، أو ناهيًا، أو مظهرًا لحبه أو كرهه لشيء؛ لا يترتب عليها أي حكم شرعي: من وجوب، أو استحباب، أو إباحة، أو كراهة، أو تحريم، أو ولاء، أو براء – كما ظن بعض الناس؛ فضلوا وأضلوا – وإنما يعرض ما يكون من ذلك على القرآن والسنة؛ فإن وافقهما فبها ونعمت، وتكون الحجة هي الشريعة، أما الرؤيا فللتأنيس فقط ؛ وإن لم يوافق ذلك الشريعة رفض ولا شك؛ فإن الله تعالى لم يقبض إليه رسوله- صلى الله عليه وسلم – إلا بعد أن أكمل الدين، وأتم النعمة، وترك الأمة على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
د. جمال الحسيني أبوفرحة
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
gamalabufarha@yahoo.com