حكم رفع المقاطعة عن شركة (آرلا)

اللجنة الإعلامية
فضيلة الشيخ أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً

لقد صدرت فتاوى وبيانات من أهل العلم بمشروعية مقاطعة البضائع الدانمركية بسبب الرسوم الساخرة بنبينا -صلى الله عليه وسلم- وكما تعلمون أن الشركات المقاطعة لم يصدر منها سخرية بنينا صلى الله عليه وسلم، ولا إعانة على ذلك، ولكن قوطعت لأجل الضغط على الحكومة الدانمركية؛ لفرض عقوبات وقوانين تمنع السخرية بالمقدسات. وقد أعلنت شركة (آرلا) للأغذية استنكارًا وإدانةً للرسوم التي نشرتها الصحيفة الدانمركية، ورفضت الشركة أي مبرر لتسويغها. وقد واجهت الشركة انتقادات واسعة من الحكومة، وبعض وسائل الإعلام الدانمركية على هذا الموقف الشجاع. ألا ترون –تثمينًا لهذا الموقف الشجاع الجريء للشركة، وتحفيزًا وتشجيعًا للشركات الأخرى أن تقف مع قضيتنا العادلة – مشروعية رفع المقاطعة لهذه الشركة؟ أفتونا مأجورين.

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فلا شك أن ما حصل من حكومة الدانمرك بالوقوف مع الصحيفة التي نشرت الرسوم (الكاريكاتورية) الساخرة بنبي الإنسانية وخاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم- جريمة نكراء ونازلة بالمسلمين في عامة أنحاء المعمورة لا يعرف لها مثيل من قبل، وإن هبة المسلمين -في جميع مذاهبهم الدينية وانتماءاتهم الفكرية والاجتماعية –لم يسبق أن اتحد على مثلها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها غير أنه من فضل الله أن جعل المحن تنتج منحًا، كما قال الله تعالى: " لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ "، فإن المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الدانمركية -وهي مقاطعة شعبية بحتة- أثمرت ثمارًا طيبة وفوائد عظيمة، منها:

1- وحَّدت المسلمين علماء وعامة في جميع أقطار الأرض على قضية واحدة لم يسبق لها مثيل.

2- أثارت الحمية الدينية لدى شباب الأمة خاصة والمسلمين عامة.

3- ساعدت الأقليات المسلمة في ديار الغرب، ومن بينها المؤسسات الإسلامية وفي الدانمرك خاصة.

4- عملت على نشر الدين الإسلامي، وسيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- في الغرب ومنها الدول الإسكندنافية.

5- دفعت بعض الشركات الأوروبية ومنها شركة (آرلا) الدانمركية، فأيدت المسلمين في استنكارهم لهذه الرسوم الساخرة بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنها لخطوة منها جيدة، وإني أرى عدم مقاطعة هذه الشركة (آرلا) بل يتعين على التجار والمستهلكين من الناس التعامل معها، وشراء منتوجاتها بعد أن استنكرت موقف حكومتها الشنيع على عامة المسلمين. وإن رفع المقاطعة عن هذه الشركة هو تشجيع للشركات الأخرى حتى تحذو حذوها، لاسيما أن هذه الشركة استنكرت رسميًا موقف حكومتها، وتعمل على مقاضاتها قانونيًا، لما لحقها من خسارة مادية، ولموقفها المتصلب من عدم الاعتذار للمسلمين.

ثم يجب أن يعلم أن الفتاوى التي صدرت من العلماء لمقاطعة المنتجات الدانمركية إنما قصد بها الضغط على الحكومة لتعتذر للمسلمين وتعاقب الصحيفة الناشرة لتلك الرسوم الساخرة، ولكن تبين أن الحكومة الدانمركية حكومة صليبية تزداد إصرارًا كل يوم.

ثم إن العاطفة الدينية لدى الشعوب الإسلامية قد خفَّت أو كادت أن تخف، ولن تدوم بحال. ومن الحكمة والمصلحة العامة للمسلمين أن تشجع الشركات الدانمركية الأخرى في الضغط على حكوماتها بالأساليب الممكنة، حتى تعتذر للمسلمين رسميًا، وإن أعظم ما يضغط على الحكومات اليوم – هيئات وشركات القطاع الخاص فيها، فيتعين رفع المقاطعة حينئذ عن كل شركة دانمركية وقفت ضد حكومتها، في حادثة الرسوم الكاريكاتورية. ويجب أن يعلم أن شركة (آرلا) ونحوها شركة خاصة، ولا دخل للدولة فيها من قريب أو بعيد، وإذا كان الأمر هكذا تعين حينئذ تشجيعها على موقفها مع المسلمين وإقامتها دعاوى قضائية ضد الحكومة، وأعتقد أن هذا هو عين العدل والإنصاف، فلا يؤاخذ البريء بجريرة المسيء فإن الله يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، "وكل نفس بما كسبت رهينة"، " وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ". والله أعلم.

من جهته سئل الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق عن رأيه في إنهاء مقاطعة شركة (آرلا) الدنماركية التي أوصى بها البيان الصادر من مؤتمر البحرين فأجاب :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين: في البدء أرى رفع المقاطعة عن هذه الشركة، وقد أعربت عن وجهة نظري هذه في المؤتمر الذي جمعنا في البحرين، الذي جمع العلماء والمفكرين والباحثين، وللأسباب التالية:

1- للمبدأ العام، ولقوله تعالى:"ولا تزر وازرة وزر أخرى" وجاء في الآية الأخرى في سورة النجم " أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى " فهذا مبدأ في كل الشرائع السماوية وفي كل القوانين البشرية.

2- الاعتذار الذي قدمته هذه الشركة هذا الاعتذار والتنصل والتبرؤ مما قام به أولئك الناس أعتقد أنه سبب كاف، بالإضافة إلى السبب الأول لرفع المقاطعة عن هذه الشركة.

3- من ناحية المصلحة يجب علينا أن نتعامل مع الأسوياء من هؤلاء الذين يريدون حسن التعامل وحسن العلاقة، علينا أن نعاملهم بالمثل وأن نمد اليد لمن يمد لنا يده، فالأصل في العلاقة البر والإقساط لمن لا يحاربنا ولا يشن علينا حرباً، سواء كانت حرباً كلامية أو حرباً عسكرية والله سبحانه وتعالى يقول:" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "وهذه الشركة لم تسيء إلينا، وبالتالي فإن لها منا واجب البر والقسط.

4- العفو والصفح والمسامحة والإحسان كلها قيم ومبادئ لا يرقى إليها شك في ديننا الإسلامي في سلوكنا في تصرفاتنا بمد يدنا للآخر يمكن أن نجسد هذه القيم وبالعكس في سلوكنا غير السوي يمكن أن نلحق ضرراً بالغاً بمصالحنا ودعوتنا التي هي دعوة سلام وسلم ومحبة ووئام. أعتقد أن هذا الموقف هو الموقف الملائم الذي يلبي حاجة المسلمين في إيجاد رأي عام يتعامل معه الغرب إذا كنا نرفض كل يد ممدودة فمعنى ذلك أننا نؤلب على أنفسنا دون أن نشعر وذلك شيء من قصور النظر، وأعتقد أنه سيصيب مصالحنا بضرر بالغ وسيؤلب الناس علينا، وبالتالي لا يسمح لدعوتنا أن تصل ولا لكلمتنا أن تسمع، فالمصلحة أن نمد يدنا إليهم.

أخيراً أود أن يكون رفع المقاطعة بناءً على اجتماع تعقده هذه الشركة مع الأمانة العامة في المؤتمر فهذا الاجتماع بالإمكان أن يصل إلى نتائج بناءا على اتفاق ملتزم به نوع من العهد والعقد بينهم على جملة من الشروط أعربت عنها الشركة، وأنها قد تساعد في تغيير الصورة النمطية التي توجد عند الغرب. هذا رأيي والله -سبحانه وتعالى- يقول الحق وهو يهدي السبيل والله تعالى أعلم.

1
4105
تعليقات (0)