"ولينصرن الله من ينصره"

د. باسم عبد الله عالِم*

بسم الله الرحمن الرحيم

الزاوية: صناعـة الحيـاة

كنت ولازلت أتمثل حال الرجال والنساء القائمين على الثغور في أرض الرباط، بتلك اللحظات العصيبة التي واجه فيها سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم صناديد الكفر المتكبرين على الحق، الذين جاءوا بقضهم وقضيضهم لاستئصال الدين وأهله في بدر. وهاهي البقعة الطاهرة التي ارتوت بدماء الشهداء تتجلى في مخيلتي، وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه حتى انكشف بياض أبطيه الشريفين وهو يناجي ربه (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا) وهاهو الصدّيق (رضي الله عنه) الذي عادل إيمانه إيمان الأمة منذ نشأتها حتى قيام الساعة، يقف خلف حبيبه محاولاً إعادة العباءة التي سقطت عنه وهو المشفق المحب مؤكدا له تطييبا وتطمينا بأن الله منجز وعده وبأن هذه العصابة لن تخذل بإذن الله تعالى. وإذا كان التمكين لا يكون إلا بعد التمحيص والابتلاء فإن ما حدث لهذه العصابة المباركة من المهاجرين السابقين قبل هجرتهم ليس إلا مقدمة ومتطلباً لنصرتهم وإخوانهم من الأنصار. ولعل سورة الحشر التي منّ فيها الله سبحانه وتعالى من خلالها على المسلمين بالنصر على اليهود وجلائهم عن (طيبة الطيبة) إذ يقول سبحانه وتعالى: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار*صدق الله العظيم*) ما هي إلا تتويجا لعنصريّ النصر الإلهي. فما جاءت هذه المنة الربانية سواء ثمثلت في نصرة الله لرسوله والمؤمنين في بدر أو تمثلت في إجلاء اليهود عن المدينة إلا بعد أن تحقق الابتلاء وتم التمحيص (العنصر الأول) الذي ميّز المؤمنين الصادقين، وتلا صدق الإيمان صدق العمل بموجبه من خلال نصرة النبي صلى الله عليه وسلم (العنصر الثاني). فيقول جل من قائل مبيناً مقدمات النصر والمنة الربانية في العنصرين الرئيسيين: (وللفقراء والمهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون *صدق الله العظيم*). ولاشك في أن المثال الذي ذهبت إليه لا يقتضي المساواة في مقام الأسبقية ولكنه يوضح سنة الله سبحانه وتعالى في المعركة الدائمة بين الخير والشر وبين الكفر والإيمان.

واليوم نشهد طلائع النصر وقد منّ الله عليها بأول مراحل التمكين بعد عناء وابتلاء وتمحيص قدّم فيه أبناء فلسطين الحبيبة أعظم التضحيات في سبيل الله وهم القائمون على الحق لا يضرهم من خذلهم. وإن كان الله سبحانه وتعالى قد اختار لأمته رجال فلسطين ونسائها ليتمثل فيهم حال المهاجرين وإخلاصهم وأسبقيتهم وتضحيتهم فإنني أتلفت حولي محاولاً تمييز الأنصار أهل النصرة من بين باقي جموع الأمة الإسلامية وهم من شرفهم الله ليكونوا العنصر المكمل لصناعة النصر بإذن الله تعالى. وقد ظهر لي بصيص أمل عندما قدم لي أخ كريم، جمعتني وإياه محبة لوجه الله سبحانه وتعالى، مسودة لرسالة تستنهض الأمة لنصرة أخواننا وأخواتنا في ارض الرباط. وقد والله استبشرت بذلك وغبطت أخي على ما سبقني به من مبادرة أرجو الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيها حتى تؤتي أكلها وحتى يكتمل عنصريّ الابتلاء والمناصرة لنحقق متطلبات النصر الموعود بإذن الله سبحانه وتعالى، سواءً منّ الله علينا بمعاصرته ومشاهدته أو جعلنا ممن وطأ للأجيال القادمة اقتطاف الثمرة وجنيّ نتائج هذا العمل المبارك.

إنها النصرة بكل ما يحتاجه أخواننا وأخواتنا بفلسطين. وليس ثمة مجال ها هنا لتنميق العبارات واختيار الألفاظ تحسباً لغضبة الكفر أوصولة باطل، فالحق أحق أن يتبع وأحق أن يصدح به في هذه الحقبة الدقيقة من تاريخ أمتنا. إننا اليوم نشهد صناعة التاريخ والمستقبل ومطالبون بأن نسهم في ذلك ونبذل الغالي والنفيس في سبيل هذا الأمل المنشود. وليعلم القاصي والداني بأن إسهامه في سبيل نصرة إخوانه وأخواته في فلسطين ليس إلا من توفيق الله سبحانه وتعالى له، فهو تكليف كلّف الله به الأمة جمعاء ولكنه أيضاً تشريف للسابقين وأرباب الريادة وطلائع النصرة أولئك الذين أختارهم الله ليكونوا الرواحل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. أولئك الذين قدر الله لهم أن يكونوا المختارين الهداة المجتبين الذين يرشدون الأمة إلى مدارج النصرة ويرتقون بها في معارجها. إنها والله منّة وأي منّة لا يضاهيها بعد منّة الإسلام والإيمان إلا منّة الشهادة في سبيل الله.

والنصرة مطلوبة بكل أشكالها، من كل فرد في الأمة بقدر ما أنعم الله به عليه أو عليها. وبقدر ما فتحت أبواب النصرة لشخص بقدر ما كان ذلك دليلاً على توفيق الله له وحبه لعبده ليرفع بذلك قدره ومكانته في الأرض وفي السماء. لقد حان الوقت لتكسر الأمة ممثلة في طلائعها وروادها حاجز الخوف وتسقط عنها ثوب المداهنة وتزيح من طريقها عقبات المداراة وتعالج معالجة نهائية مرض الوهن المتمثل في حب الدنيا وكراهية الموت. وإلى ذلك فإنني أهيب واستنهض قادة الأمة لينفروا خفافاً وثقالاً داعمين بوادر التمكين في فلسطين فيرسلوا المبعوثين، ويخاطبوا قادة العالم، ويوجهوا سفرائهم للعمل مجتمعين ومنفردين في سبيل تعضيد موقف الحكومة الجديدة في فلسطين سياسياً واقتصاديا،ً وذلك في جميع الأندية ومن على جميع المنابر الدولية. ولا يقتصر الأمر على القادة، إذ أن واجب كل مسلم ومسلمة وفي مقدمتهم أولئك الذين منّ الله عليهم بسعة الرزق ويسر المعيشة أن يبذلوا ما في وسعهم في سبيل نصرة إخوانهم وأخواتهم ودعمهم تمكينهم بشكل مباشر وغير مباشر. وقد آن الأوان لنا ولهم أن نقول للغرب ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية بأن التهديد بحجز الأموال وتجميد الأرصدة لن يثنينا عن دعم من تعلقت بهم بعد الله آمالنا. وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية في ما سبق، قد آذت وهددت فذلك لأن الوهن قد أصابنا وليس من قلة أبداً. فإن هبّ الجميع حكاماً ومحكومين لهذه النصرة وبهذا الدعم عملاً بمقتضى سنة الله في كونه وعباده فسوف لن يكون للولايات المتحدة والغرب علينا سبيل. فوالله ما كان انتصارهم في السابق لقوتهم ولكنه كان لضعفنا وخنوعنا. ولا يقتصر الأمر على الموسرين وإن كانوا هم طليعة النصرة ورواحلها، ولكنه يندرج على الجميع. فعلماء المسلمين وفقهائهم مطالبون من على منابرهم ومن خلال جميع الوسائط الإعلامية الحديثة أن يوطدوا للأمر ويؤصلوا له فقهاً وشرعاً وأن يجيشوا الأمة لنصرة هذه العصابة المباركة في فلسطين ولدعمها دعماً مادياً كلٌ في مجاله وبحسب علمه وإمكانياته وقدرته. وكذلك دعماً معنوياً من خلال الصلاة والدعاء والقنوت لله رب العالمين كما فعل سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على صعيد أرض معركة بدر رافعاً يديه لله رب العالمين.

إنها نقطة فارقة نسأل الله فيها الإخلاص وننشد فيها بإخلاصنا لله سبحانه وتعالى وبصدق عملنا، العزة في الدنيا ورضى الله في الدارين. ويسرى ذلك على كل رجل وإمرأة وشاب وشابة وكبير وصغير ومقعد وقوي وفقير ومقتدر كل في مجاله وبحسب قدرته. فلا يقفنّ أحد موقف المتفرج ليؤتى من قبله على حين غفلة منه، ولا يرينّ أحدنا ثلمة في بناء التمكين تستهدف خذل إخواننا وأخواتنا في فلسطين دون أن يهرع ويهب لسدها وحمايتهم من أن يؤتوا من قبلها. وإنني إذ أكتب مقالتي هذه أوجه نداء حاراً صادقاً مخلصاً من شغاف القلب إلى الأمة جمعاء مستنهضاً إياها للقيام بواجبها.

والله من وراء القصد,

E-mail: alim@alimlaw.com

نشـرت بالعدد (15675) من جريدة المدينة، يوم الجمعـة بتاريخ 24 صفر 1426ﻫ الموافق 24 مارس 2005م، بصفحة الرأي.

* محامِ ومستشار قانوني

1
4076
تعليقات (0)