الرسوم المسيئة حملة مدبرة وليست رصاصة طائشة

أ.د. سليمان صالح
شرفني الله بالمشاركة في المؤتمر العالمي لنصرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في البحرين حيث اجتمع أكثر من 300 من علماء الأمة ومفكريها. جاء هؤلاء العلماء من كل أنحاء الأرض كتعبير رمزي عن عالمية الإسلام، وفي قاعة المؤتمر كان هناك جميع الألوان والأجناس كتعبير على أن الإسلام وحده هو الذي يحقق المساواة بين البشر، ولأنه لا حرية بدون مساواة فإن الإسلام وحده هو الذي يحقق الحرية للبشرية.. الحرية من الظلم والطغيان والعنصرية، وهو وحده الذي يمكن أن يحقق العدل لكل البشر بتحريرهم من العبودية لغير الله.

جاء العلماء والمفكرون من كل القارات يعبرون عن حب الأمة لرسولها، وأن هذا الحب من أهم مقومات وجودها، وكان شعار المؤتمر كلمة الصديق رضي الله عنه «ومن نفسي يا رسول الله». وكان اختيار الشعار تعبيرا عن مرحلة جديدة في حياة الأمة.

تحليل عميق للأزمة

شهدت قاعة المؤتمر تحليلا لأزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، حيث كشف هذا التحليل بعض الحقائق المهمة، منها أن جريدة اليولاندز بوسطن هي جريدة دينية متطرفة، وفي الوقت نفسه فإنها مدعومة من الحكومة الدنماركية حيث تتلقى دعما من الحكومة بلغ 2،10 مليون كراون، وبالتالي فإن الحكومة مسؤولة عما نشرته تلك الصحيفة فهي ليست مستقلة، وبالتالي لا يمكن أن يعتبر ما نشرته تعبيرا عن حرية الرأي.

ولذلك يقول الدكتور جهاد الفرا إن هذه الرسوم كانت جزءا من حملة عامة ضد الإسلام يقوم بها الإعلام الدنماركي المدعوم من الحكومة. كما أن الجريدة كانت تعرف النتائج التي يمكن أن تترتب على نشرها للرسوم حيث استشارت أحد خبراء الأديان الذي أوضح لها خطورة النشر.

كما أن القانون الدنماركي يعاقب على سب أي دين معترف به بالغرامة والسجن، لكن المشكلة أن الإسلام دين غير معترف به في الدنمارك. وهذه الرسوم لا تندرج تحت إطار حرية التعبير، ولكنها تعبير عن العنصرية. كما أن نشر تلك الرسوم يشكل ظلما للشعب الدنماركي الذي تتركز اهتماماته على الفن والأزياء والأمور الحياتية البسيطة، وبالتالي فإن جهل هذا الشعب يجعله أسيرا للمعلومات التي يحصل عليها من وسائل الإعلام.

لم تكن رصاصة طائشة

قدم الشيخ رائد شفيق حليحل إمام مسجد الدنمارك عرضا لتطور القضية موضحا أنها لم تكن رصاصة طائشة ولكنها كانت عملا مدروسا تعرف الجريدة والحكومة الدنماركية أنه سيؤدي إلى انتفاضة في العالم الإسلامي، فالجريدة أصرت على توجيه الإهانات للإسلام، وربط تلك الإهانات بالحرب ضد الإرهاب.

كما قدم عدد من العلماء منهم الدكتور جعفر شيخ إدريس عرضا للتطور التاريخي للعداء الغربي للإسلام، وأن هذا العداء كان نتيجة لرغبة الغرب في أن تظل حضارته مهيمنة على العالم ماديا وثقافيا، وهم يخافون من عودة الإسلام، وأن يكون له قوة مادية يستخدمها المسلمون في المحافظة على مواردهم الطبيعية، وفي تحقيق الاستقلال.

إن الغرب يدرك أن الإسلام له قوة ثقافية كبيرة، وخوفهم الحقيقي ليس من الإرهاب، ولكن من انتشار الإسلام فهم يصرحون بأنه أكثر الأديان انتشارا. وهم يخافون من قوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتأسى به المسلمون في معتقداتهم ومعاملاتهم، بينما لايوجد إنسان يقتدي به الغربيون أو يتأسون به.

القوة الثقافية للإسلام

كان هناك إدراك حقيقي في قاعة المؤتمر لقوة الإسلام الثقافية، وضرورة تحويل تلك القوة لتفجير الطاقات الحضارية للأمة. لذلك فإن تلك الأزمة لابد أن تشكل بداية لوعي الأمة بقوتها الثقافية والحضارية، وصياغة استراتيجية شاملة للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم بتحقيق نهضة شاملة للأمة الإسلامية.

ولأن الثقافة هي أساس قوة الحضارات، فإن القوة المادية هي التي تنقص المسلمين، والبشر يمكن أن يصنعوا القوة المادية عندما يمتلكون الوعي والإرادة والاعتزاز بهويتهم وذاتيتهم الثقافية، لذلك فإن انتفاضة المسلمين دفاعا عن رسولهم، ومشاعر الحب التي تفجرت في نفوس المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم والغضب على من وجهوا له تلك الإهانة قد وضعت الأمة الإسلامية على الخريطة السياسية الدولية كما قال نهاد عوض. لكن تلك المشاعر يجب أن تتحول إلى طاقة إيجابية توظف القدرات الإنسانية لمليار ونصف من البشر، وتجعلهم يشعرون بالمسؤولية عن إنقاذ الشعوب الغربية الغارقة في التسلية من جهلها. إن إدراك تلك القوة الثقافية والحضارية يمكن أن تتحول بداية لصياغة مشروع حضاري جديد.

القوة الإعلامية

لكننا نعيش في عصر ثورة الاتصال، والقوة الإعلامية هي أهم مصادر القوة، لذلك قال أستاذنا وشيخنا العلامة يوسف القرضاوي إن الأمة في حاجة إلى جيوش من الإعلاميين المدربين للتعريف برسولنا - جيوشنا الآن يجب أن تكون جيوشا إعلامية تعليمية توجيهية تثقيفية، ويجب أن يكون قوامها عشرات الألوف بل مئات الألوف.

إن تشكيل جيش الإعلاميين المؤهلين علميا وثقافيا ومهنيا للتعبير عن الأمة هو بداية حقيقية لتحويل نصرة الرسول الكريم إلى عمل دائم ومستمر، ولإعادة الأمة للقيام بوظيفتها الحضارية، وتحقيق الاستقلال الشامل.

والغرب يحاول أن يضعفنا إعلاميا حتى نظل نتلقى بشكل سلبي رؤيته للأحداث، لذلك فإن بناء صناعة إعلامية واتصالية مستقلة هو أهم وسائل تحقيق التقدم الاقتصادي والسياسي والتعليمي والثقافي.

إن الصناعة الإعلامية المستقلة يمكن أن تلعب دورا مهما في تشكيل مستقبل جديد للأمة الإسلامية، ولذلك فإنه لابد من الربط بين تعليم الإعلام والدعوة الإسلامية عن طريق زيادة قدرات الدعاة علي التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، وفي الوقت نفسه أصبحت الأمة تحتاج إلى تعليم كل شاب علوم الإعلام والاتصال الحديثة في المدارس والجامعات، لذلك يقول عمرو خالد: هناك آلاف من الشباب المسلم منعزل عن قضايا الأمة، ولابد أن يتم إعطاء الفرصة للشباب القادرين على فهم العقلية الغربية للقيام بالدعوة للإسلام.

إن طاقات الشباب يمكن تفجيرها، وتحويلها إلى قوة إيجابية عن طريق تعليمهم علوم الإعلام والاتصال الحديثة، وبالتالي يمكن أن يتحولوا إلى مصدر لقوة الأمة الإعلامية. وهذا لابد أن يحتل مكانه داخل المشروع الحضاري الإسلامي، فكل شاب يمكن أن يتحول إلى منتج للمضمون وقائد للرأي وقائم بالاتصال.. وعندئذ سيتحول الحلم إلى واقع.

وحدة الأمة

لقد كانت الأزمة اختبارا لقوة الأمة الإسلامية، ولو أن الأمة لم تنتفض دفاعا عن رسولها لاستمرت الإهانات بشكل متواصل، وبالرغم من أن الأمة لم تستخدم سوى المظاهرات والمقاطعة فإن النتائج السياسية والاقتصادية والثقافية حتى الآن واضحة.

ومع ذلك فإن قوة الأمة الحقيقية لم تتضح بعد، فقوة الأمة في وحدتها.. لذلك يقول جاسم الياسين إن المطلوب من الدعاة هو أن يستنهضوا الأمة ويوحدوها، ويجمعوا المليار ونصف على ثوابت.

والثوابت لدى الأمة الإسلامية يمكن أن تشكل أساسا لوحدتها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أهم تلك الثوابت. فحبه في قلوب المسلمين يعلو على كل عوامل الفرقة والاختلاف، وعندما يهان رسول الله يجب أن تختفي الاختلافات المذهبية، واختلافات المصالح.

لذلك وجه الشيخ محمد الراوي رسالة لولاة الأمر قال فيها: إن الأمة سوف تضع ولاة الأمر فوق رؤوسها عندما ترى منهم ترابطا يعز دينها وينصر رسولها.

لكن الوحدة تحتاج إلى حوار إيجابي طبقا لتعبير الشيخ محمد علي التسخيري يقوم على اكتشاف المساحات المشتركة بين المسلمين، ويهدف إلى تعميقها، والحوار يجب أن يقوم على مجموعة من الثوابت من أهمها أن حبنا لرسولنا مقوم لكل وجودنا.

الحوار مع الغرب

هناك قبول عام للحوار مع الغرب، والبحث عن وسائل للتعايش معه، لكن ذلك الحوار لابد أن يقوم على أساس فهم حقيقي للعقلية الغربية. كما أن احترام مقدساتنا كما يقول الشيخ عبدالله بن بيه هو البداية لتحقيق التعايش بيننا وبين الغرب.

والبداية الحقيقية للحوار هي زيادة القوة الثقافية والمادية للحضارة الإسلامية، فالغرب يريد حوارا يفرض فيه هيمنته وسيطرته علينا، والأمة الإسلامية تريد حوارا يتيح إمكانية اكتشاف أساليب التعايش السلمي بدون هيمنة أو قهر أو سيطرة. إن زيادة قوة الأمة الإسلامية هو البداية الصحيحة لحوار الحضارات، ونزع فتيل الصدام بينها.

لابد أن نتحاور على أساس الاحترام المتبادل، والرغبة في المساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية بدلا من أن يدمر الغرب تلك الحضارة بعنصريته واستعلائه وغروره.

الحوار الإيجابي يحتاج إلى صياغة علاقة جديدة بين الغرب والإسلام، وهذه العلاقة تحتاج تطوير مصادر القوة الإسلامية، وتفجير طاقات الأمة لبناء عالم جديد يقوم على العدل والمساواة ورفض العنصرية والغرور والخرافات العرقية.

الحوار بين الإسلام والغرب ممكن ولكن بشرط احترام المقدسات الإسلامية، وصياغة علاقة جديدة تقوم على احترام ثوابت الأمة وحقها في النهضة والتقدم والاستقلال.

ربما تكون تلك هي أهم رسائل المؤتمر العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والذي يمكن أن يتحول إلى بداية نهضة جديدة للأمة عام 2006 الذي سيكون عام التعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم في أمريكا وكندا.

صحيفة الشرق القطرية

1
4071
تعليقات (0)