مع الوزيرة الهولندية " أخنس "

رضي السماك
على خلاف ما اتسم به الموقف الرسمي الدنماركي من سوء تقدير لعواقب التهوين والاستخفاف لخطورة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) وعدم التحرك سريعا لاحتواء الازمة وهي في مهدها الا بعد فوات الاوان, فإن المقال الصحافي المنشور في الشرق الاوسط لوزيرة التعاون والتنمية في هولندا اخنس فان اردن - فان درهوفن ينطوي على افكار ومقاربات موضوعية نحو تفهم اعمق لثقافات الشعوب الدينية وعدم وضع جدار أخرس أصم عازل بين مقتضيات هذا التفهم في عصرنا, وبين مقتضيات ضمان حرية التعبير التي يحاول ان يتمسك بها ويشهر السلاح بها من يقيمون هذا الجدار او يتشبثون بها في مطلق الاحوال حتى لو كان ثمنها زعزعة السلم والاستقرار العالمي.

الوزيرة "أخنس".. تأخذ على الغرب العلماني اهماله أو استخفافه بالمشاعر الدينية للشعوب واحتكاره نظرية الحرية هذا على الرغم من "ان الغرب هو المكان الذي ولدت فيه الفاشية والشيوعية" على حد تعبيرها.وتضيف: ان الحرية ليست هدفا في حد ذاتها لكي يحصر النقاش في مبادئها بالمطلق.

إن الدفاع عن حرية التعبير لرسامي الكاريكاتير - كما تقول أخنس - "لا يعفينا من مسؤولية التعمق في مختلف الثقافات والديانات في عالمنا الخاضع للعولمة" وان "كثيرا ما يحدث ان يكون هناك قناع من التسامح يخفي وراءه شعورا بعدم الاكتراث او حتى بالعدوانية تجاه الثقافات والديانات الاخرى.

وتخلص الوزيرة أخنس الى ان الثقافات والديانات هي عوامل رئيسية للتوحيد في وقتنا فإذا كان القرن العشرون - على حد تعبيرها - قرن المبادئ والقيم فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الهوية.

وتضيف عن حق: إنه إذا لم تستخدم عوامل تكوين الهوية من اجل السلام والرفاهية سيسيء آخرون استخدامها من اجل الحرب والمكاسب الشخصية.

ولئن كانت ثمة جهات في الغرب معنية في هذه اللحظة الراهنة الآنية باستيعاب وتفهم ما طرحته اخنس من رؤى ومقاربات حول اشكالية التوفيق بين احترام المعتقدات والمشاعر الدينية, وبين ممارسة حرية التعبير بأقصى سقف شروطها ومكتسباتها الليبرالية الغربية فهي كل من الدنمارك والولايات المتحدة وبريطانيا ولاسيما تجاه الشعوب الاسلامية ناهيك عن حاجة المتطرفين "العلمانيين" العرب الى استيعاب مثل هذه الاطروحات حيث تبدو هناك ويا للمفارقة الوزيرة الهولندية ذات تفهم اعمق منهم لثقافات ومشاعر شعوبهم الدينية.

وأيا كان الامر فإن مقال الوزيرة اخنس بما يتضمنه من افكار ومقاربات جريئة لم يمر داخل هولندا من دون تفجير أزمة من قبل غلاة اليمين والعلمانيين داخل البرلمان الذين اعتبروه بمثابة اعتذار مجاني عن الرسوم الدنماركية ومحاولة لتضييق حرية التعبير المكفولة وبصرف النظر عما سيخلص اليه البرلمان ازاءه تبقى مأثرة وأهمية المقال انه القى حجراً في نهر المياه الليبرالية الغربية الخالدة الراكدة وأثار جدلاً مطلوباً مفيداً.

بقي ان نشير الى ما تناولته اخنس من تذكير بأن اوروبا الليبرالية هي نفسها مهد ولادة "الشيوعية" والفاشية, وهي الرؤية التي تتساوق مع ما هو متداول داخل الاتحاد الاوروبي تجاه الاولى ومساواتها بالثانية في الادانة فهنا ينبغي تحديد اي اشتراكية يراد ادانتها هل اشتراكية الانظمة الشمولية وعلى وجه التحديد مثالبها واخفاقاتها كما ظهرت في روسيا واوروبا الشرقية ام الافكار الاشتراكية بمجملها وبضمنها الاحزاب اليسارية التي تحظى بالشرعية في الدول الغربية نفسها وكذلك الاحزاب والقوى اليسارية التي حققت قدرا من التحديث على افكارها وشعاراتها الشمولية لتتناغم مع قيم العصر في الديمقراطية وحقوق الانسان?

غني عن القول: انه من الخطأ بمكان التعميم ومن ثم تأثيم تيار فكري عالمي عريض فمثلما له اخفاقاته وخطاياه الحركية له في المقابل اذا ما توخينا الموضوعية, منجزاته وبصماته الواضحة على مختلف ميادين الفكر والسياسة والعلم والثقافة والفنون والابداع في الحضارة العالمية المعاصرة.

صحيفة السياسة الكويتية

1
4046
تعليقات (0)