أحمد أبو لبن
يشاع الآن أن الشعب الدنمركي يواجه أحرج ظروفه منذ الحرب العالمية الثانية أو منذ عام 1938، والجانب الإيجابي هنا أن هذا الشعب الطيب وهذا المجتمع المبدع قد خرج من حالة الركود الرتيبة ومن وضع الانعزال عن العالم، وهو منهمك في الحوار مع نفسه باحثاً عن الإجابة لسؤالين مهمين:
ما الخطأ الذي وقع؟
ولماذا يفور المسلمون بالغضب؟
ويأتي هذا بعد أحداث 30 سبتمبر تماماً كما سأل الأمريكيون أنفسهم بعد 11 سبتمبر ما الخطأ الذي وقع؟ ولماذا يكرهوننا؟ ... والفارق هذه المرة أن المسلمين لا يكرهون الدنمرك ، بل هناك طرف أو أكثر أدى بسوء تصرفه وخطأ حساباته إلى هذه التعقيدات التي توهم الدنمركيين بأنهم مكروهين ويأتي على رأس مهماتنا تحديد هوية المخطأ وربما تحميله المسئولية بكل أوزارها!
لقد طالت الدندنة حول فكرة حوار الحضارات حتى دغدغت العواطف وداعبت أحلام البائسين ويبدو أن فكرة الحوار قد تهشمت في مطحنة المواجهات الحربية والنزاعات الدموية لضمان المصالح المادية، كما يبدو أن نتائج المؤتمرات الدولية المعدودة قد احتجبت تحت ستار المجاملات بين الوفود المحتشدة في قاعات الفنادق الفاخرة وعلى موائد الضيافة الشهية، دون أن تصل أصداؤها إلى القواعد الشعبية وذلك يجبرنا على العودة إلى الجذور والبداية من الأسس حتى تتضح الصورة من وجهة نظر المسلمين الدنمركيين، وبعبارة أخرى نحن نواجه صراع من المصطلحات قبل أن يكون صراع الكاريكاتورات.
أولا: يصنف علماء الاجتماع والسياسة ما تواجهه الأمم والحضارات من حوادث إلى ثلاث مراحل متصاعدة:
(1) المشكلة، ثم (2) الأزمة، وأخيراَ (3) الكارثة.
فدعونا من مناورات السياسيين وبلاغتهم ومن تهويل الصحفيين ومبالغاتهم ولنستخدم المصطلح المناسب لوصف حالتنا الراهنة وهو أننا نمر بـ"مشكلة" وبمنتهى البساطة هي مشكلة وأصولها:
(1) أن الدنمرك عضو في الأمم المتحدة واستقبلت اللاجئين التزاماً بالميثاق الذي وقعته عند تأسيس الأمم المتحدة كما وقعت ما تلاه من اتفاقيات جنيف عام 1952م، وينبغي أن تتعامل مع الوافدين بمقتضى معايير حقوق الإنسان التي أكدها وأعاد صياغتها الاتحاد الأوروبي.
(2) أن الدنمرك استسلمت إعلامياً وسياسياً لهستيريا الخوف من الأجانب فبينما كانت الأجهزة الرسمية تقدم لهم الخدمات بشكل قانوني وإنساني، انساق الخطاب العلني مشهراً بالجالية المسلمة إلى مدى مزعج لا يليق بالمتحضرين لأن قدرات الأقلية المسلمة المحدودة لن تتيح لها فرصة للدفاع عن نفسها بشكل منصف.
(3) أن صناع القرار في برلمان وحكومة الدنمرك أقاموا في عقلهم الباطن حاجزاً منعهم من رؤية الإسلام كدين يحض على القيم الأخلاقية الراقية ويدعو إلى التسامح، وظلت نفوسهم تغلي بالشكوك والتساؤلات حول نوايا ومواقف المسلمين الملتزمين وهل هم عنصر استقرار يفضل التعامل معهم أم مصدر خطر وإزعاج يتحتم عزلهم وإبعادهم؟
ثانيا: أنفلونزا الطيور وباء دقت له إنذارات الخطر واستنفرت له الدول والمختص به هو الأجهزة الطبية، وإعصار كاترينا واحد من الأعاصير الموسمية والقائم على تتبعه ومراقبته هم علماء الأرصاد الجوية، فيا ترى هل لوباء العنصرية (Racisme)فيروس يمكن اكتشافه وهل لأعاصير التمييز (Discrimination) علامات يمكن رؤيتها والحذر منها؟
من مراصد المؤرخين وسجلاتهم ومن ذخائر علم الاجتماع وحقائقه، نرى أتباع كل ثقافة معتزين بثقافتهم وتتحدد مواقفهم تجاه أصحاب الثقافات الأخرى في أربعة مواقف تعبر عنها المصطلحات التالية:
(1) التجاهلو(2) الحساسيةو(3) التحامل و(4) التعالي والغرور.
1. Disinterestedness
2. Allergy
3. Prejudice
4. Arrogance
وعند بحث الحالة الدنمركية وعلاقتها بالإسلام الممثل بالجالية المغتربة فمن الأفضل والأقرب إلى المنطق استخدام مصطلح الحساسية، ولتفسير معنى الحساسية نضرب بعض الأمثلة. فعندما يتفجر العنف في مظاهرات السويديين ضد العولمة في جوتنبرج منذ سنتين لا نجد حساسية في أوروبا لتقبل نتائج هذا العنف بشكل عادي وإذا شاب بعض العنف مظاهرة ديمقراطية في بلد مسلم ثارت الدنيا ولم تقعد، وعندما يطلب زائرك الأوروبي طعام نباتي (فيجيتار) فذلك أمر طبيعي وعندما يطلب التلميذ المسلم طعاماً حلالاً في مدرسته تظهر الحساسية لتصفه بأنه أصولي متخلف، وعندما تقدم صحيفة اليولاندس بوسطن على نشر رسوم عن رجل هو النبي الذي بلًّغ دين الإسلام عليه الصلاة والسلام، نرى مجموعة من السياسيين ممتعضين لكثرة الكلام عن الدين!
لقد أشعلت الرسومات فتيل الغضب لأنها جاءت كتعبير عن مصطلح الحساسية، فينما يحق لكل مواطن دنمركي مسلم أو غير مسلم أن يغضب لحرق العلم في غزة وبيروت ودمشق، لا يحق للمسلم أن يبدى اعتراضه حول أمر يمس جوهر إيمانه ولا أن يفصح عن ألمه لما يعتبره إهانة لنبيه، ويبدو أنه قد أخطأ بتصوره أن حقوقه محفوظة في بلاد الديموقراطية.
ثالثاً: عندما بادرت وزارة الخارجية باستضافة الداعية الأمريكي حمزة يوسف لم تكن تدري أنها قد حققت أهم أهداف لجنة النصرة وهو الانفتاح على العالم الإسلامي فقد سبق لمسلمي الدنمرك تقديم مقترحات فكرية وثقافية إلى جامعات الدنمرك يشارك فيها أساتذة الجامعات المسلمون، فهل قصد وزارة الخارجية بزيارة حمزة يوسف إجراء جراحة سريعة وسطحية لتجميل وجه الدنمرك؟ أم أنها تقصد إجراء جراحة عميقة حقيقية لاستئصال غدد الحساسية تجاه الإسلام والمسلمين التي تضخمت وتورمت؟
وآن لنا أن نسأل من هم الدنمركيون الجدد ذوو الخلفية الإسلامية؟ لدينا أيضاً أربعة مصطلحات، هل هم:
(1) ضيوف وسائحون أم(2) غزاة ومقتحمون أم(3) شركاء [في شئون التجارة والصناعة] أم(4) مواطنون.
فإذا كانت إجابتنا هي الأخيرة أي أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، فلماذا تعالج وزارة الخارجية الخطأ بخطأ آخر؟ ولماذا تتهرب من التعامل مع المواطنين المسلمين وتفضل التحاور مع المسلمين السائحين؟ نحن نطرح الأسئلة ونترك الإجابة ليتحمل كل عاقل ومنصف في هذا البلد مسئولية المشاركة في صياغتها، لأننا أمام مشكلة لا يليق أن ندعها تتضخم إلى أزمة ثم تستفحل إلى كارثة والعياذ بالله، وليس هدف الجالية تحويل الدنمرك إلى مجتمع متعدد الثقافات محاكاة لنموذج الولايات المتحدة الأمريكية، بل أقصى ما تطمح إليه أن تتعامل مع ثقافة دنمركية موحدة تكون الديمقراطية فيها ذات مكيال واحد وليست ذات مكيالين.
ليس لنا أن نرى المشكلة - بعين التفاؤل والإيجابية- إلا كحادثة مرور فيها دخان وغبار وسينقشع الدخان ويترسب الغبار وعندما تهدأ النفوس وتخمد الانفعالات من مفاجأة الصدمة ستظهر الصورة واضحة من عدسات الأقمار الصناعية:
(1) إن الدنمرك هي دولة جزء من هذا العالم.
و(2) إن الشعب الدنمركي لا يجب أن يوصف إلا بأنه شعب طيب متسامح.
و(3) أن الإسلام هو جزء من تاريخ البشرية ومن واقع العالم ومن تراث الحضارات الراقية لا يصح تجاهله.
و(4) أن الدنمركيون الجدد هم مواطنون صالحون جنسيتهم دنمركية وعقيدتهم إسلامية لا أكثر ولا أقل.
اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية