الرسوم المسيئة... جهل أم استفزاز؟

د. عادل الصفتي
الرسوم المسيئة التي نشرت في صحيفة دانمركية، والتي أدت إلى مظاهرات غاضبة نتج عنها مصرع 40 من الأبرياء، لم تكن صراع حضارات في رأيي بقدر ما كانت صراع جهل واستفزاز.

و"فليمنج روز" رئيس تحرير الصحيفة الدانمركية والذي كان سببا في كل ما حدث في الأصل، أدلى بتصريح قال فيه إنه يستطيع أن يظهر الاحترام للأديان ولكنه لا يستطيع أن يراعي "تابوهاتها" أو محرماتها.

ولكن الحقيقة أنه وغيره من رؤساء التحرير في الصحف الأوروبية يقومون بمراعاة "التابوهات" التي يتم فرضها عليهم بواسطة القانون بدليل أن "روز" هذا نفسه قال إنه لا يستطيع أن ينشر رسما كرتونيا يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون وهو يخنق طفلا عربيا لأن هذا الرسم سيعتبر "عنصريا"، كما قال في تصريح آخر إنه لن يسمح لصحيفته بطبع رسوم كرتونية عن الهولوكوست. وفي الحقيقة أن ما يقوله هو بالضبط مضمون شكوى العرب. فهؤلاء يرون أن الأوروبيين يعتقدون أن من الخطر من الناحية السياسية والقانونية السخرية من معتقدات اليهود أما معتقدات المسلمين فليس هناك ما يمنع الإساءة إليها بزعم حرية التعبير التي يقول رئيس تحرير الصحيفة الدانمركية إنه أراد أن يحافظ عليها كقيمة من قيم المجتمع الغربي في حين أن حرية التعبير ليست معرضة للتهديد لا في الدانمرك، ولا في أي مكان آخر في أوروبا.

والدليل على ذلك أن "روز" نفسه يعترف بأنه لم يجد صعوبة في نشر تلك الرسوم المسيئة، وأن الصعوبة التي واجهته هي فهم رد فعل العالم الإسلامي على الرسوم.

وإذا ما كان "روز" يرى أن العالم الإسلامي لم يكن يفترض أن يغضب كل هذا الغضب بسبب تلك الرسوم المسيئة فهو إذن لا يفهم الإسلام ولا يفهم المسلمين. وباعتباره مسؤولا عن الصفحة الثقافية في صحيفة تسوق نفسها باعتبارها صحيفة الدانمرك الدولية فإنه كان يجب أن يعرف أن جهله بالإسلام كان لابد وأن ترتب عليه مسؤوليات باعتباره رئيسا لتحريرها.

وهذا التفسير هو التفسير الذي يتم تبينه على نطاق واسع ليس فقط في العالم الإسلامي وإنما في أماكن أخرى. فقد كتب صحفي أميركي هو "كريستوفر بولين" في صحيفة" أميركان فري برس" الأسبوعية أن "روز" له علاقات واضحة بـ"المحافظين الجدد" من الصهاينة، وأنه يكن إعجابا خاصا لدانييل بايبس وأنه زار الأخير في الولايات المتحدة عام 2004 كما كتب عنه مقالة إيجابية وتتضمن هجوما لاذعا على الإسلام "الجهادي".

وصحيفة "واشنطن بوست" أيضا من ضمن صحف التيار العام ذات النفوذ التي ترى أن الرسوم الكرتونية كانت عملا متعمدا من أعمال الاستفزاز حيث كتب رئيس تحريرها يقول "إن نشر الرسوم تلك كان عملا محسوبا مقصودا به إهانة المسلمين من قبل صحيفة تنتمي إلى التيار اليميني في دولة يعتبر التعصب فيها ضد الأقلية المسلمة مشكلة كبيرة وإن لم تكن معترفا بها".

وفي الحقيقة أن نشر تلك الرسوم المسيئة عرض من أعراض جهل بعض الأوروبيين بالمجتمعات الإسلامية التي تعيش بين ظهرانيهم، وجهل الديماغوجين الأوروبيين الذي يلقون باللوم على الجاليات المهاجرة باعتبارها المسؤولة عن الكثير من الويلات السياسية والاجتماعية في الدول الأوروبية.

وهذا الجهل امتد للأسف إلى المؤسسات الأوروبية غير القادرة حتى الآن على التعامل مع الوجه المتغير لأوروبا ولا على فهم تشعبات التعددية الثقافية.

علاوة على أن تلك الإساءة ضد المسلمين يجب النظر إليها ضمن سياق أكبر هو احتلال العراق وأفغانستان وفلسطين، والفظائع التي حدثت في أبوغريب، ووقائع تدنيس القرآن. وإذا ما تم النظر إليها في هذا السياق فسندرك أن المظاهرات المناهضة للرسوم هي في جوهرها عن غضب المسلمين وعدم قدرتهم على مواجهة كل تلك الإساءات والإهانات.

ولكن العنف مع ذلك ليس هو الإجابة على ذلك في رأيي.. فالعنف استجابة قصيرة النظر للاستفزاز الجاهل، وهو لا يعالج المشكلة من قريب أو من بعيد، وإنما يؤدي إلى التدمير وإلى التنفير، كما أنه يغمر صوت العقل، ويغلق إمكانية الحوار الرشيد، ويقوض السعي من أجل التفاهم.

صحيفة الإتحاد الإماراتية

1
3985
تعليقات (0)