مؤتمر الدانمارك.. فشل متوقع

د . نورة خالد السعد
فوجئتُ مثل العديدين غيري من عقد عمرو خالد منذ اسبوعين لمؤتمر صحفي غيّر فيه لغة حواره مع الشباب وتحدث عن الدانمارك المسالمة التي تتعرض لهذه المقاطعة ونادى بضرورة (الحوار) مع الدانماركيين وكان واضحاً في ذلك المؤتمر الارتجالية وعدم التنسيق مع بقية الاتحادات الإسلامية كي نوحد صفوفنا على الأقل في هذه القضية المصيرية.. ولوحظ ان معظم الشباب الذين حضروا اللقاء - لمن شاهده - عبر القنوات التي بثته أنهم في حيرة من لغة خطاب الداعية عمرو خالد الجديدة.. وحاوروه فيها!!.

ونشر منذ يومين عزمه على الذهاب للدانمارك للمشاركة في مؤتمر تستضيفه الحكومة الدنماركية التي رفضت ولا تزال ترفض الاعتذار ولا تزال تعلى من قدسية (حرية التعبير)!! وتمول هذا المؤتمر شركة لارا!! ووزارة الخارجية الدنماركية وسيشرف على تنظيمه المعهد الدانماركي للدراسات الدولية الذي يتبع جزئياً الحكومة الدانماركية!!.

وهكذا استطاعت زيارات خافيير سولانا أن تؤتي ثمارها لخرق وحدة جهودنا بصفتنا مسلمين وكان مفروضاً أن لا يتم عقد هذا المؤتمر وفق أجندة الدانمارك التي ترفض الاعتذار رسميا وترى في مظاهرات الاحتجاج على هذه الرسوم المسيئة تصرفا غير مبرر بل ويردد أولى أو هلر أولسن المنسق العام لهذا المؤتمر (أن هذا المؤتمر سيحاول نقل رسالة إلى العالم الإسلامي مفادها أن موجة الغضب العارمة حان الوقت لها لكي تتوقف)!!.

لاحظوا لغة الأمر!! بل ويرى في دعوة الشيخ يوسف القرضاوي يحفظه الله وهو رئيس اتحاد علماء المسلمين ومطالبته الحكومة الدانماركية والاتحاد الأوروبي بالاعتذار أولا على نشر هذه الرسوم.. يراها لا تمثل وجهات نظر المسلمين بقوله: (هناك 1,4 مليار مسلم في العالم والعديد من وجهات النظر تناولت أسلوب علاج الأزمة) ولم يذكر ما هي هذه الأساليب؟! اذا كانت رسالة هذا المؤتمر الذي استدرجوا عمرو خالد اليه للأسف (مفادها ان موجة الغضب العارمة حان الوقت لها كي تتوقف)!! فهل سيذهب عمرو خالد إلى الدانمارك للقيام بهذا الدور؟! وما يلفت النظر في هذا المؤتمر ان من ينظمه لم يوجه الدعوة إلى أي من القيادات الإسلامية داخل الدانمارك!! بل تم تجاهلهم ولم يتصل بهم ايضاً عمرو خالد!! فكما وضح الأستاذ تنوير أحمد المتحدث باسم جمعية (الشبكة الإسلامية) التي تضم العديد من الأكاديميين والطلاب المسلمين في الدانمارك انه لم تتم دعوتهم للمشاركة وأكد أن الحوار شيء جيد عندما يكون مفتوحاً للجميع وليس (انتقائياً) ومحدداً بفئة معينة!! وبالمثل لم تتم دعوة مجموعة (مسلمون في حوار) وجمعية (الشباب المسلم في الدانمارك) بل إن الأستاذ الجامعي يورن بيك سيمنسون وهو مؤلف للعديد من الكتب عن الإسلام والمسلمين في الدانمارك استغرب شخصياً من هذه الانتقائية بقوله: (ليس من الذكاء ان لا تدعى هذه المؤسسات للمؤتمر الذي يهدف أساساً لتجميل صورة الدانمارك السيئة في العالم الإسلامي).. وقال أيضاً: (اذا حضر عمرو خالد إلى هنا دون ان يلتقي قادة المسلمين فإنهم سيشعرون بأنهم مهمَّشون) رغم أنه هو شخصياً دعي الى هذا المؤتمر ولكنه استهجن هذه التصرفات من الجهة المنظمة لهذا المؤتمر الذي تتضح أهدافه؛ إلا لعمرو خالد الذي شق صف التوحد والجهود الإسلامية لمعالجة هذه القضية بشكل جذري قبل اللجوء الى الحوار فقط.. فكما قال الشيخ يوسف القرضاوي أطال الله في عمره: (ان علماء الامة ومشايخها من خلال منابرهم وخطبهم وأحاديثهم وبياناتهم أرادوا أن تعبر الأمة الإسلامية من أقصاها إلى اقصاها عن استنكارها لهذه الرسومات الكاريكاتيرية الدانماركية المسيئة لخاتم الأنبياء والمرسلين وقد كان هذا الاستنكار من جميع المسلمين حتى غير المتدينين من الأمة).. هذه القوة الروحية ينبغي استثمارها لصالح القضية وليس الخروج عنها كما فعل عمرو خالد وشاركه في ذلك د. طارق السويدان!!.

وعودة إلى ما ذكره الشيخ يوسف القرضاوي ونشر في الشرق الأوسط يوم الجمعة 3/صفر حيث قال: (ان الحكومة الدانماركية ارسلت لي وفداً لبحث قضية تداعيات الرسوم ولكن رفضت مقابلة هذا الوفد لأنني لا أريد العمل على قطع الطريق على الأمة الإسلامية لصالح الدانمارك فنحن نريد أن نكون مع المؤسسات الإسلامية في التعبير عن استنكارنا لتلك الرسومات.

.. ان إصرار عمرو خالد على هذا المؤتمر بل وإضافة أسماء بعض المشايخ دون موافقتهم وأيضاً دون الرجوع إلى الاتحادات العالمية الإسلامية والتنسيق مع القيادات الإسلامية في الدانمارك التي تواجه بغضبة من قبل الحكومة الدانماركية لادعائها بأنهم سبب الأزمة لأنهم نقلوا هذه القضية إلى خارج الدانمارك!! بل هددتهم وزيرة الاندماج الدانماركية ربيكة فلس في بداية الشهر الماضي بان الحكومة ستقطع الحوار معهم وقد تنتزع الجنسية عنهم نظراً لما سببت جولتهم من إثارة مشاعر العداء للدانمارك من العالم الإسلامي!!. إصرار عمرو خالد سيضر به كداعية كان له موقع متميز في شريحة الشباب على الأقل، كما أنه يضع نفسه في موقف العلماء وهو داعية مجتهد فقط هداه الله.. خصوصاً أنهم نصحوه عندما اتصل بهم ليدعوهم إلى مؤتمر يخدم حكومة الدانمارك!!.

.. في المقابل هناك مؤتمر سيعقد إن شاء الله في البحرين بعد حوالي اسبوعين ينظمه اتحاد العلماء المسلمين برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي والندوة العالمية للشباب الإسلامي ومؤسسة الإسلام اليوم واللجنة العالمية لنصرة خاتم الانبياء والحملة العالمية لمقاومة العدوان من خلال لجنتها الاقتصادئة وأيضاً جمعية الأصالة في البحرين وستتم دعوة ماذة وخمسين من العلماء والمفكرين ورؤساء الجمعيات والاتحادات في اوروبا وامريكا والعالم العربي والإسلامي وهدفه الخروج برؤى وآليات مستمرة لنصرة خاتم الانبياء وتحديد الوسائل العملية وكما ذكر الدكتور خالد العجيمي المتحدث الرسمي باسم المؤتمر العالمي لنصرة النبي (صلى الله عليه وسلم) ان الحوار بمؤتمر البحرين سيكون جزءاً من منظومة كاملة من العلماء والمحامين والاقتصاديين والقانونيين لنصرة النبي (صلى الله عليه وسلم) عبر وسائل مختلفة من بينها حث الغرب على اصدار قوانين وتشريعات تجرّم الاساءة للأديان ورموزها كافة.. وذكر ان مؤتمر البحرين سيؤسس لحراك شعبي مؤصل ومدروس وعاقل ومستمر كنخب في كتلة واحدة من خلال مجموعات أو مؤسسات لامن خلال أفراد، ووضح ان الحوار مع الدانمارك والغرب لابد أن يكون عبر مرجعية تستند إلى شكل مؤسسي لا فردي وأن تستثمره المرجعية في حوار مع الجميع لا مع الدانمارك فقط.

.. هذا هو الموقف السليم وليس الارتجالي الذي انساق اليه عمرو خالد في تلبيته لدعوة حكومة الدانمارك!! التي هي الخصم!! والتي لا تزال إلى اللحظة تأنف من اي اعتذار!!.

بل يردد ممثلوها من سفراء اننا دول لا ننتج فكيف سنقاطع؟؟ فليت الأستاذ عمرو خالد يراجع خطواته ويعقلن قراراته كي يحافظ على مكانته في نفوس من كان متابعاً له ولا يخرج عن سياق المجموعة فكما قال الدكتور احمد ابولبن أشهر الدعاة المسلمين في الدانمارك: ان مؤتمر الدانمارك المزمع عقده يهدف إلى اصدار شهادة حسن سيرة وسلوك لها بينما تبقى حرية التعبير سيفا مشهوراً على كرامة سيد البشرية وربما يعاد استخدامه في أول فرصة بعد انتهاء الزيارة القصيرة لوفد الدعاة!!.

صحيفة الرياض السعودية

1
3948
تعليقات (0)