عبدلله بن منور الجميلي
في الوقت الذي تتفاعل فيه المقاطعة الاقتصادية في البلاد الإسلامية لكل ما هو دنمركي ؛ جراء الرسوم الكاريكاتيرية الكرتونية hلمسيئة لنبي الهدى محمد عليه الصلاة والسلام التي نشرتها بعض الصحف هناك ؛ نـجـد أن مـن المسلمين أنفسهم من يسيء إلى الدين في مؤلفاته أو مقالاته ، ويسخر من ثوابته وأركانه ؛ بحجة الفلسفة أو أنه من تيار اليسار الإسلامي ؛ ومع ذلك تُـشـرّع له أبواب التكريم ، وتستقبله الـقُـبـلات والأحضان الدافئة من الجهات الرسمية ؛ وأنا هنا أتحدث عن أحد ضيوف شَـرف المملكة في حج هذا العام ؛ الذي قدّمـت له وزارة الثقافة والإعلام الدعوة الشرفية لـيـحـج على حسابها تحت وَهَـج وبريق ألقابه فهو يتأبط شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون العريقة ، وهو أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة وبالتالي هو ( حسن حنفي ) العالم والمفكر والفيلسوف الكبير كما يصف نفسه ؛ هذا الرجل عندما رجع من حجه كتب مقالة في العدد (654 ) من صحيفة أخبار الأدب التي تصدر عن دار أخبار اليوم للطباعة والنشر في القاهرة ؛ وذلك يوم الأحد 22/1/2006م .
في تلك المقالة التي عنوانها (خواطر حاج بين تهنئة بالسفر و تهنئة بالعودة ) مارس الكاتب وهو يجتر ذكريات رحلته ألوناً من الـسخـرية والاستهزاء بالدين تحت غطاء من العِبارات والنظريات الفلسفية ؛ بألفاظٍ مباشرة أو جمل إيحائية ذات مدلول بعيد ؛ المقال بدأ هذا المسلسل التهكمي بالتعرض للدعاء وأنه حِـيلةُ و أسلوب العاجزين ؛ فما أن علم أقرباؤه وأصدقاؤه بأمر حجه حتى أمطروه بوابل من الدعوات يحملها معه ، يقول : ( وتجمعت في ليلةٍ حاجات المجتمع المصري وإحباطاته ، وعَـجْـزه عن تحقيق ما يريد فلم يبق له إلا الدعاء في الحرم المكي أو المسجد النبوي كملجئٍ أخير، بالرغم من وصف إقبال الدعاء بأنه سـؤال وشـحاذة ، ومن يريد شيئا عليه أن يحققه بنفسه وجهده ) ، وفي المطار يسخر من لباس الإحرام وأنه تأصيل للمظهرية ؛ فاللباس العادي بزعمه أقرب للتواضع وإخفاء النوايا يقول لا فُـضّ فوه : ( كانت الحيرة يوم السفر بأي ملابس يسافر الحاج، باللباس العادي ثم يغيره بعد الوصول إلي ملابس الإحرام، وهو أقرب إلي التواضع وإخفاء النوايا وأقرب إلي التقوى أم لبس الإحرام منذ مغادرة المنزل ؟ وفضل " الأستاذ " - لاحظوا النرجسية وتعظيم الذات التي سَـتُـعَـرى لاحقاً - الخيار الأول وغادر بالملابس العادية ، ووجد الناس في المطار وقد فضلوا الخيار الثاني زي الإحرام ... وتذكر الـعَـالِـم – أيضاً يُـبَـجـل ذاته - قول المسيح: إذا أردت أن تصلي فلا تصل أمام الناس حتى لا تأخذ جزاءك منهم بل ادخل إلي غرفة وأغلق الباب وصل لله حتى لا يراك إلا أبوك الذي في السماوات . والشعائر تظاهر أمام الناس ؛ وأكثر الشعائر مظهرية مناسك الحج ) .
وفي وصف الكعبة المشرفة والطواف حولها يواصل الكاتب الكبير إدعاءاته وسخرياته فيقول ما نصه : ( والكعبة بناء أسود مغطى بقطيفة سوداء مذهبة عالية البنيان، عريضة الحائطين ، يلف الناس حولها؛ توحي للناظر بالوثنية القديمة في العصر الجاهلي ... ربطاً للجديد بالقديم، وللمسلمين بالحنفاء، وللرسول بإبراهيم ، من بقايا الوثنية القديمة بعد تهذيبها ) . وفي إصرار منه على وصف شعائر الحج أو بعضها على الأقل بالوثنية يقول عند حديثه عن الجمرات : ( وإلي مني تتحرك الملايين لرمي الجمرات من علي الجسور أو الأنفاق ...، ومكانها من فوق الجسر إلي أسفله أو في النفق أمام الحائط المبني كالتمثال في الجاهلية ) .
المقال في أغلب جُـمَـله ملطخ بدماء الإساءة للدين وشعائر الـحَـج ولعلي أختم بنقل هذا النص : ( وفي النهاية يتم التحلل من الإحرام ، وكان حَـرَاماً قبلها الحلق أو التطيب أو الاستحمام بصابون ذي رائحة طيبة أو حتى عند البعض دعك الأسنان بمعجون به رائحة النعناع أو الفواكه حتى لا ينعم الحاج بطيب الحياة وهو مُـحْـرِم ، وكأن النظافة ليست من الإيمان، وكأن الإسلام ليس دين النظافة، وكأن النظافة ليست أساس الطهارة ، وفي الحلق، يفضل البعض حلق شعر الرأس كلية فيصبح الحاج أصلعاً ... والأنوار ساطعة فوق الرؤوس بدل أن تخرج منها ) .
أعزائي ربما هذه المغالطات والتجاوزات لجهلها وتفاهتها لا تحتاج إلى ردّ ، وإن كان مِـن ردود فإني أتركه لأهل الاختصاص .
ولكن هناك نقطة أخرى ؛ فـمَـن يتطاول على الدين من باب أولى أن يقابل الإحسان بالإساءة ، والجميل بالتهكم والنكران ؛ وهذا ما فعله ذلك الفيلسوف في عدة مواضع من مقالته منها قوله : ( وتم الوصول إلي فندق السلام " هوليداي إن " لفظ عربي يوحي بدلالات سياسية معاصرة ، ولفظ وافد يوحي بصناعة أمريكية ) . وفي معرض وصفه للقاء خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – يمارس لغة التهكم والتطاول فيقول : ( وكان خطاب الملك تقليدياً دينياً خالصاً يخلو من موضوعات الساعة التي تشغل بال المثقفين والإعلاميين والعلماء ) . وفي مكان آخر يقول مظهراً الحقد الدفين على هذه البلاد وأهلها ؛ رغم أنها كَـرّمته وشرفته بالحج المجاني ذي الخمس نجوم : ( وكما بدأ الحج بتهنئة الأقارب والأصدقاء انتهي أيضا بالتهنئة بسلامة الوصول خاصة بعد أنباء شهداء الحجيج الذين سقطوا فوق جسر الجمرات بالمئات بالتدافع طبقا للرواية الرسمية ، وبدفع رجال الأمن الحجيج لإفساح الجسر لمرور شخصية كبيرة مسئولة ، والناس طبقات وأصحاب البلاد لهم الأولوية في الحج علي عامة المسلمين ) .
أعزائي أعتذر عن كثرة النقولات ، ولكن أستأذنكم بنقل نـصٍ أخير يكشف زيف الألقاب والشهادات التي يحتمي بها هؤلاء ويـخفون خلفها جهلاً مركباً بمبادئَ وتشريعاتٍ من الدين لا تخفى على العامة البسطاء ( وفي طريق العودة، بالرغم من أن الوفد كان بدعوة رسمية من وزارة الثقافة والإعلام، وهي التي حددت موعد السفر وموعد العودة إلا أن سلطات المطار رفضت مغادرة الوفد لأن مناسك الحج لم تنته بعد . فكيف نغادر فجر اليوم الثالث وينقصنا رمي الجمرات الوسطى في اليوم الثاني الأربعاء، والصغرى في اليوم الثالث الخميس ، والمفروض أن نعود من المناسك يوم الجمعة ويبدأ الفوج الأول للمغادرة يوم السبت ؛ فلابد من إذْن من وزارة الحج بأن أداء المناسك قد اكتمل ؛ فالدين أساس الدولة . وبعد أن وافقت السلطة الدينية علي الخروج وافقت السلطة الأمنية ) .
وفي الختام عدة أسئلة أرجو أن نسمع إجابتها قريباً من وزارة الثقافة والإعلام ؛ فإذا كان العالم الإسلامي يقف صفاً واحداً تجاه من يسيء للإسلام من غير المسلمين ، فكيف تكرم الوزارة هذا وأمثاله ممن لهم سوابق في سجل التهكم بالدين الإسلامي وثوابته ومؤلفاتهم وكتاباتهم خير شاهد ويمكن الرجوع في ذلك لمقالاته في جريدة الاتحاد الإماراتية ؟
ثم ما الغرض والفائدة من دعوة هذا وأمثاله ، وكذا زمرة الفنانين والراقصات للحج أو العمرة ؟ هل نحتاج لألسنتهم المسمومة ، وإمكانياتهم البارزة ؟ وإذا كان ولابد من هذه الدعوات المجانية أليس الفقراء بها أولى ؟
aaljamili@yahoo.com