شيماء سيد
- د. الفرماوي: المطلوب إحياء سنته والاقتداء به
- د. البري: علينا الالتـزام بتعاليمـه وسيـرته
لكل إنسان قدوةٌ يقتدي بها ويتخذها مثلاً أعلى له، وغالبًا ما يتخذ الشبابُ آباءَهم أو أمهاتِهم قدوةً لهم.. أما المسلمون فلهم في رسول الله القدوة والأسوة الحسنة، فالنبي- صلى الله عليه وسلم- كان قدوةً في كل مجالات الحياة.
فإذا كنت فقيرًا تستطيع أن تقتدي به، عندما كان يسأل أزواجه الطعام فإذا لم يجد يصمت.
وإذا كنت غنيًّا تستطيع أن تقتدي به وهو يوزع الغنائم بين أصحابه.
وإذا كنت زوجًا تستطيع أن تقتدي به وهو يعامل زوجاته وكيف كان يعدل بينهن.
وإذا كنت أبًا تستطيع أن تقتدي به وهو يعامل ابنته فاطمة، وكيف كان يقبِّلها كلما دخلت عليه.
وإذا كنت جدًّا تستطيع أن تقتدي به وهو يقصر في الصلاة عند سماع بكاء حفيديه الحسن والحسين.
وإذا كنت سياسيًّا تستطيع أن تقتدي به وهو يأخذ برأي أصحابه، فمثلاً وافق على فكرة سيدنا سلمان الفارسي لحفر الخندق، الأمر الذي كان سببًا في انتصار المسلمين وسُميت بغزوة الخندق نسبةً لفكرة سيدنا سلمان، وما من موقفٍ في حياتنا إلا سنجد له موقفًا مشابهًا تعرَّض له، فقد مات له أولاده وزوجاته لنتعلم منه الصبر ويكون قدوةً لنا في الشدائد.. لذلك يستطيع كل إنسان- وليس المسلمون فقط- أن يتخذوا سيدنا محمدًا- صلى الله عليه وسلم- قدوةً لهم؛ لأنه وباختصار شديد تميَّز في كل مجالات الحياة كسياسي وكاقتصادي وكحاكم وكمحكوم، فإنه وبحق أعظم شخصية في التاريخ.
حاولنا في هذا التحقيق طرح تساؤل حول نصرة النبي- صلى الله عليه وسلم- وماذا فعل الدعاة خاصةً؟!
الاقتداء به
يرى الدكتور عبد الحي الفرماوي- الأستاذ بجامعة الأزهر- أنه من الواجب على كل فرد أن يقوم بدور لنصرة النبي- صلى الله عليه وسلم- من خلال وسائل متعددة، كإحياء سنته، والاقتداء به، وتطبيق أثره، وتعليم الإسلام للأفراد، وعندما ينشأون بهذا الشكل يكونون أفرادًا صالحين وأُسرًا صالحة، وللدولة دور مهم أيضًا في نصرة النبي- صلى الله عليه وسلم- بأن تُعلن غضبها من خلال مؤتمر قمة طارئ لا يكون على مستوى الوزراء فقط لأن العمل إنما يكون على مستوى قادة الدول وزعمائها، أما الشعوب فقد قامت بدور كافٍ من خلال المظاهرات السلمية التي تمَّ عملها ونشر غضبهم من خلال الوسائل المتداولة على الإيميل.
ويطالب الدكتور الفرماوي بالمقاطعة الاقتصادية المستديمة ليست للدنمارك، فحسب، بل كل من يؤيدها ويساندها، وسوف تكون تلك نقطة بداية للاقتصاد الإسلامي والاعتماد على نفسها.
أما على المستوى الثقافي فيشير الدكتور الفرماوي إلى ضرورة عرض الإسلام على الدول الأوروبية بشكلٍ جدي وسهل بلغة البلد المدعو فيها واستكتاب المسلمين داخل هذه البلد لنشر الصورة المشرقة للدين الإسلامي.
كما لا بد من تربية أبنائنا قولاً وعملاً منذ الصغر على منهج ودين الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من خلال تكثيف الجرعة للطلاب في مناهج مادة التربية الدينية وجعلها مادةً أساسيةً مضافةً للمجموع وعليها درجات كبيرة، والتغيير في صورة الإعلام المرئي والمسموع وتحويله إلى إعلام إسلامي لا غربي وعند توافر هذه الأشياء يكون سهلاً على البيوت تربية أبنائها تربيةً إسلاميةً سليمةً قادرين على أن يواجهوا أو يقفوا أمام كل مَن يتصدى للدين الإسلامي.
هذا دور المسلمين كأفراد ولكن كشعوب الأمر يختلف فلا بد من أن تقف الأمة يدًا واحدةً، ولذلك كان أول أساس من أساسيات الإسلام عدم التشرذم "التقسيم" والتمزق.. ويقول: لا بد من لفت النظر إلى قول مالك بن أنس: "إنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها".
ويشير الدكتور الفرماوي إلى هذا المعني قائلاً: كان عمر بن الخطاب يحكم مشارق الأرض ومغاربها، وقال فيه أحد خصومه عندما رأه نائمًا في ظل شجرة: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر"، ويناشد جميع المسلمين توحيد المشاعر والعواطف.
ويتلخص دور الحكومة في المقاطعة لكل بضاعةٍ من أعداء الإسلام وحكم من لا يقاطع أنه خائن وجدير به أن يبتليه الله بما يؤذيه، وهذا لضعف الإيمان وواجب على الدولة الاكتفاء الذاتي.
إحياء سنته
ويناشد الدكتور محمد عبد المنعم البري- أستاذ الثقافة الإسلامية والدراسات العليا بكلية الدعوة بجامعة الأزهر- الجميع إحياء سنة الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- والالتزام بعهده ومحاولة ربط القلب والفؤاد بحبه، من منطلق الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله ووالده والناس أجمعين".
واجب على الجميع
ويضيف الدكتور رجب أبو مليح- دكتوراه في الشريعة الإسلامية- أن نصرة النبي- صلى الله عليه وسلم- واجبة على كل مسلمٍ رجلاً كان أو امرأة، شيخًا كان أو شابًا، فردًا كان أو مؤسسةً أوحكومةً، كل على قدر إمكاناته وقدراته، فهي نوع من الجهاد يجب على كلِّ مسلمٍ بقدره يجدنا حيث أمرنا ويفتقدنا حيث نهانا...
وعلى مستوى الشعوب والمجتمعات تجب نصرة النبي- صلى الله عليه وسلم-، وتتحقق بالإضافةِ لما سبق بإخراج نموذج عملي للمجتمع الذي أسسه النبي- صلى الله عليه وسلم- أو محاولة محاكاة هذا النموذج الفريد، أن تشيع بيننا روح التعاون والألفة والمحبة، أن نصير معًا كما شبهنا النبي- صلى الله عليه وسلم- كالبنيان يشد بعضه بعضًا...، وأن نصير معًا كالجسد الواحد "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ويضيف الدكتور أبو مليح أن دور الحكومات الإسلامية على مستويين في الداخل وهو زرع هذه القيم والمبادئ والأخلاق النبوية في المجتمع وحمايته من الضياع ثم يأتي دورها في الخارج بالتعريف بالرسول- صلى الله عليه وسلم- والتركيز على القيم الحضارية التي جاء بها النبي- صلى الله عليه وسلم- في مجتمع كان يفتقر إلى هذه القيم، ليعلم كل الناس كيف كان يتعامل الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع مَن يخالفونه في الرأي أو المعتقد، أما على مستوى الأفراد فيشير إلى نصرة النبي- صلى الله عليه وسلم- بالتأسي بتطبيق قوله- صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ...".
وكذلك تكون النصرة بالتخلق بأخلاقه الكريمة فنتحلى بهذه الأخلاق الفاضلة، ونتخلى عن كلِّ الأخلاق الرذيلة التي نهى عنها النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقد كان النبي رغم ذلك يسمح لأهل هذه المعتقدات بممارستها وهو يعلم أنها غير صحيحة.
ويضيف: إن هناك أشكالاً لنصرة النبي من خلال الأفراد والشعوب والحكومات اقتصاديًّا بالمقاطعة وهذه أضعف الإيمان، وتمتد لبذل المال بسخاء من أجل التعريف بالرسول- صلى الله عليه وسلم- وقيم الإسلام بشتى لغات العالم، وبكافة الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة، ويمكننا نصرته ثقافيًّا بالتمسك بثقافتنا والاختيار من ثقافة الآخرين فنأخذ منها وندع وفْق ما يتناسب مع منظومة القيم والأخلاق التي أتى بها الإسلام، ونبذ ما لا يتناسب مع ثوابتنا وقيمنا وأخلاقنا، وعلى المسلمين في الداخل والخارج أن يكون صورةً مشرفةً للإسلام ونبي الإسلام عليهم أن يكونوا صورة مشرقة يهتدي الناس بنورها ويحبوا النبي من أجلها ويتعرفوا عليه من خلال نموذجٍ عمليٍّ يرونه أمامهم ولو عرفوه لأحبوه، والإنسان عدو ما يجهل.
التربية
أما تربية الأولاد على حب الحبيب- صلى الله عليه وسلم- فواجب أن يشترك فيه الأفراد والشعوب والمجتمعات والحكومات، هو واجب الأسرة في البيت بزرع هذا الحب ورعايته في قلوب الأبناء، وواجب المجتمع بأن يعلي من أخلاقه- صلى الله عليه وسلم- ويساعد على شيوعها في المجتمع وواجب الحكومة من خلال وسائل التربية في مراحل التعليم المختلفة ووسائل الإعلام نشر سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- وتعريف الأبناء به بطريقة مشوقة محببة إلى نفوسهم، ففي غزوة بدر وجدنا مثالاً واضحًا يرويه لنا عبد الرحمن بن عوف عندما وجد شابينِ صغيرين هما إلى سن الطفولة أقرب منه إلى سن الشباب يسأله كل منهما أن يدله على أبي جهل ذلك الرجل الذي كان يؤذي النبي في مكة فلما دلهما عليه غمسا سيفيهما في جسده ثم عادا قريرا العين وقد انتصروا للرسول- صلى الله عليه وسلم-، وهذا لم يأتِ من فراغ لكنه أتي من خلال زرع محبة النبي- صلى الله عليه وسلم- في قلوب الأطفال فشبوا عليها واختلطت محبته بقلوبهم ودمائهم.
يقول الشيخ أكرم كساب- باحث شرعي-: إن هذه الصور البذيئة، جاءت بردود أفعال غاضبة أسفرت عن إيمان مخدر لدى الشعوب، وحب دفين لدى الأفراد، يحتاج فقط إلى من يوقظ هذا الإيمان المخدر، ويُفعل هذا الحب الدفين.
ويطالب الأمة الإسلامية بأن تقف يدًا واحدةً أمام التيار الذي يريد أن يسيء إلى الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وإلى المسلمين أجمعين فكل فرد له دور يمتد ليطول الحكومات مع الشعوب.
ويلخص أكرم كساب دور الأفراد في التعرف الحقيقي على سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- والعمل على أن يكون الفرد نموذجًا يُجسد الإسلام مع التعريف بسيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وسنته والدعوة إليها والمشاركة الفعالة فيما يدور حوله من ندوات ومحاضرات ومسيرات تؤكد هذه المعاني مع التجاوب الفعال مع المقاطعة التي دُعي إليها تجاه الدول المسيئة.
ويضيف: أما المؤسسات والتجمعات فيتلخص دورها في استغلال هذا الحدث استغلالاً جيدًا والاستفادة منه من خلال إقامة الندوات والمحاضرات التي تشرح عظمة الرسول مع إقامة المسابقات التي تربط الأفراد بالرسول- صلى الله عليه وسلم- والإنفاق عليها بسخاء إضافةً إلى تبني النابغين النابهين في مجال السنة عمومًا والسيرة النبوية خصوصًا ونشر المقالات والنشرات والمجلات التي تعرف بالرسول- صلى الله عليه وسلم- ومكارم أخلاقه مع ترجمة العديد من المقالات والنشرات والمجلات التي تُعرف بالرسول وتفعيل الجانب الفني في هذا المجال ولكن بالضوابط الشرعية، ومن ذالك: أعمال كرتونية للأطفال تشرح بعض مواقف العظمة في شخصية الرسول.
ويضيف: أما على مستوى العلماء فضروري إبراز شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- وبيان محاسنها التي لا تعد، وإظهار محاسن الدين الإسلامي الذي دعا إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- والرد على الشبهات والأباطيل التي تُثار بين الفينة والأخرى حول الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع استخدام لغة العصر وما جد فيه من تكنولوجيا حديثة في نشر الخطاب الإسلامي مع توحيد الجهود حتى لا نكرر العمل، وكأننا نحرث في البحر.
ويطالب بدور أكبر للحكومات من خلال التفاعل مع الشعوب حتى لا تداس (الحكومات) بالأقدام، أو تركل بالأرجل، وطالب بسحب السفراء من الدول المسيئة ومخاطبة هؤلاء السفراء وإخبارهم بجرم ما فعلوا مع العمل على استصدار قوانين تجرم الإساءة إلى الإسلام خصوصًا وكل الأديان عمومًا.