ثورة طلبة الإخوان دفاعًا عن الرسول القدوة [1938]صفحة من تاريخ الإخوان

عادل المحلاوي

في عام 1938 قام طلبة الإخوان المسلمين بالجامعة والأزهر والمعاهد والمدارس بثورة عارمة؛ اعتراضًا واحتجاجًا على تدريس كتب إنجليزية بكلية الآداب تتضمَّن إساءةً صريحةً لرسولنا الكريم وديننا الإسلامي.

وتقدم طلبة الإخوان بمذكرة لإلغاء تدريس هذين الكتابين، ورفض عميد الكلية د. طه حسين ذلك، فأعقب هذا الرفض حملةٌ في صحافة الإخوان، وإرسال برقيات ومذكرات إلى ملك البلاد وشيخ الأزهر وغيرهما من المسئولين، وقامت المظاهرات والإضرابات في المدارس والمعاهد، ثم تطور الأمر إلى مناقشة الموضوع داخل مجلس النواب، وانتهى بمنع تدريس الكتابين.

هي صفحة تبرز كيف كان الإخوان المسلمون- ممثَّلين في طلبتهم- في الصدارة دائمًا دفاعًا عن الإسلام ورسوله ومقدسات المسلمين، كما تبرز الموقف المتهافت دائمًا للعلمانيين في بلادنا تجاه قضايا الإسلام والمسلمين، كما يُبرز الإرهابَ الفكريَّ الذي تمارسُه إدارات الجامعات والكليات تجاه صحوة الطلاب وخصوصًا حين تستمد صحوتها وحركتها من العقيدة والدين.

يروي لنا الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد- أبو الجامعيين الإخوان وأحد شهود المعركة وأبطالها- تفاصيلَ ما حدث فيقول:

وقد حدث في هذا العام 1938 حادث الثورة على الكتب المقرَّرة في قسم اللغة الإنجليزية وهو كتاب "جان دارك" وكتاب "أحاديث خيالية" للكاتب الإيرلندي المشهور "برنارد شو" تناول فيه شخصيةَ الرسول عليه الصلاة والسلام تناولاً يتضمن الإساءةَ والتجريح، وإن كانت هذه في صورة حوار بين اثنين، ولكنَّ القارئ لهذا الحوار يحس روح المؤلف في السخرية والاستهزاء بالرسول- عليه الصلاة والسلام- وذلك لأن التجريح في هذا الحوار لم يقابله من الطرف الآخر، فتجلى التجريح مسيطِرًا على أسلوب الكاتب في هذا الحوار.

وهاك أيها القارئ الكريم نماذجُ مترجمةٌ ترجمةً حرفيةً، مما هو مقرَّرٌ في قسم اللغة الإنجليزية بالسنة الثالثة؛ لنعرض على الحكومة "الإسلامية" والرأي العام هذه السموم الفكرية التي تحطِّم في شبابنا روحَ الغيرة على الدين وتعوِّده الذلة والخنوع والاستهتار بكرامته كمسلم مصري شرقي، وذلك تحت ستار العلم وحريته والجامعة وآرائها التجديدية.

أولاً: نقلاً عن كتاب "سان جون" في محاورةٍ بين شخصين ص 157 تمامًا:

كوشون: دعني أقل لك إن أمثال هذه الخطابات التي ترسلها "جان دارك" إلى الملوك والوزراء كانت قديمًا الوسيلةَ التي كان يلجأ إليها محمد- الملعون- عدوُّ المسيح، وبهذا الإلحاد تمكَّن ذلك العربي سائق الجِمال من مطاردة المسيح وكنيسته المقدسة (بيت المقدس) واتخذ طريقَه كالوَحْش الكاسر حتى انتهى رحله أخيرًا إلى البرانس، وقد رحم الله فرنسا من هذا (الجحيم)!! ولكن ماذا كان يفعل سائق الجِمال هذا إلا ما تفعله راعية الغنم هذه؟!

يقول إن صوت الله يهبط عليه بواسطة الملك جبريل، وهي تقول إن صوت الله يهبط عليها عن طريق القديسة كاترين ومارجريت وعن طريق ميكائيل المقدس، ولقد ادعى أنه رسول لله وكتب باسم الله إلى ملوك الأرض قاطبةً، وإذا نظرت وجدت خطابات تلك الفتاة كأنها السيل المنهمر.. ستكون دنيا دماء ودنيا رعب ودنيا خراب وستعود ثانيًا إلى الوحشية الأولى؛ لأننا الآن نجد محمدًا ومن حوله من الحمقى، ونجد جان دارك ومن حولها من الأغرار، ولكن ماذا يكون مصير العالم لو أن كل فتاة اعتقدت نفسَها مثل جان دارك وكل رجل اعتقد نفسه مثل محمد"؟!

وفي خلاله يصف وحي الرسول أنه عدوَى كالسرطان، إذا لم يُقضَ عليه ويُحرق فإنه لا ينفكُّ أن يقذف بالمجتمع الإنساني في الخطيئة والفساد والضياع والخراب!!

ويكمل الأخ محمد عبد الحميد قائلاً: وقد رأيت إزاءَ هذين الكاتبين أن أتقدم بطلب باسم طلاب الإخوان المسلمين وقسم اللغة الإنجليزية ولم يكن معنا في الواقع إلا شباب الإخوان فقط من جميع الأقسام، ولكننا تكلمنا باسم القسم كله لتعزيز طلبنا، وهذه بعض فقرات الاحتجاج المرفوع إلى عميد الآداب والذي أمضاه نحو أربعين طالبًا يناصر أكثرهم مبادئ الإخوان:

"حضرة صاحب العزة- عميد كلية الآداب

تحيةً واحترامًا وبعد!!

فنرفع إلى عزتكم هذه المذكرة، نحتجُّ فيها على تقرير رواية "سان جون" وهي تتضمن طعنًا صريحًا في شخص الرسول- عليه الصلاة والسلام- في عباراتٍ فاحشةٍ لا تتحمل تأويلاً ولا جدالاً.. وإن كلية الآداب لأوسعُ عقلاً وأعمق فكرًا من أن تخلط بين حرية الفكر وحرية الفحش والإجرام في أقدس شخصية في هذا العالم عند المسلمين، وإننا لننتظر من العميد الذي ينادي دائمًا بكرامة الجامعة واستقلال الجامعة وحرية التفكير أن يعيننا فيما يدعو إليه من كرامة الجامعة في أقدس ما نعتز به، فلسنا نريد أن يحيا العلم على حساب الكرامة، ولكنا نريد أن تحيا الكرامة في ظلال العلم..".

فما كان من الأستاذ العميد طه حسين إلا أن تعجَّب من هذه الثورة التي لا محلَّ لها في نظره، قائلاً: إن طريق الدفاع عن الإسلام لا يكون بالثورة وإنما يكون بالرأى والإقناع، فأجبته قائلاً: إن الإقناع بالرأي إنما يكون عند مقابلة الرأي بالرأي والفكرة بالفكرة، ولكنَّ أسلوب السباب والشتائم لا يعالَج بالرأي والفكر، وإنما يعالَج بالاحتجاج والثورة، وهذا الذي قمنا به إزاءَ هذه الشتائم والإهانات التي تُثير المشاعر فهي كمن يصفع خصمَه بيده فهل يدفع المصفوع عن نفسه بكلمةٍ من الكلماتِ أو برأيٍ من الآراء؟ أم يدفع بصفعةٍ أقوى وأردع؟!

صحافة الإخوان تتبنَّى القضية

وشنَّت مجلة (النذير) حملةً صحفيةً موفقةً، نشرت فيها مقتطفاتٍ مما حَوَته تلك الكتب من الشتائم والسباب، وعلَّقت عليه بأسلوب حماسي ملتهب، وكان أول تلك المقالات والذي أشعل شرارة الثورة بعنوان "الإسلام يهان في كلية الآداب رسميًّا"، وتضمن العناوين الرئيسة التالية: رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم- "يُلعن" في منهج الدراسة "علنًا".. بين جدران الكلية وعلى مسمع من الطلبة حرية الكفر والإلحاد تباح باسم حرية الفكر والآراء، وقال فيه كاتبه:

"من العجيب أن كلية الآداب- التي هي مصدر الأفكار الحرة والآراء الحديثة في مختلف نواحي الثقافة- قد أصبحت تعاني في ظل هذه الأفكار الحرة والآراء الحديثة من سيطرة النفوذ الأجنبي وخاصةً الإنجليزي؛ حيث المقررات يمليها هوى الأجانب الذين نهجوا في دراستهم نهجًا استعماريًّا رمَوا به إلى قتل روح العزة والكرامة في نفوس المسلمين والمصريين وإشباع فكرهم بالآراء الإباحية والإلحادية، ولكن الشباب الجامعي في هذه الأيام قد تيقَّظ وعرَف كيف يَغضب لكرامته ويذود عن شرفه، وما كرامته وشرفه إلا دينُه الذي يدين به ورسولُه الذي يعتز به.

وعلق الكاتب على موقف عميد الكلية د. طه حسين قائلاً:

"وإذا كان هناك مخلوقٌ- مهما علا مركزه- يتشدَّق بحرية الفكر وحرية الجامعة في مثل هذا الإجرام، فإننا نتحداه أن يقرَّ لسانه سبَّ الذات الملكية باسم حرية الجامعة وحرية الآراء، أو أن يقرَّ نشرَ الآراء الشيوعية الهدامة باسم حرية الفكر والآراء، فإذا آمن أن حرية الفكر غير حرية الإباحية والإلحاد، وأن العلم الأثيم ليس إلا الجهل الأثيم نفسه.. فإننا سنرى أثرَ صيحتنا هذه الصادعة المدوية في الحكومة وأولي الأمر في الجامعة، لعلهم يضعون لهذا الإسفاف العلمي حدًّا، ولا يكون الإسلام عندهم تقليدًا باليًا كما يتوهم بعض الملحدين، وإنما يجب أن ترتفع في ظلاله الآراء الحرة، وتنبعث من روحه ثمرات التجديد والتخليد، وإن كلية الآداب التي تعرف جيدًا آداب بشار وأبي نواس ما أولاها إلى أن تعرف أيضًا آداب أبي بكر وعمر".

واهتمت الصحافة بهذا الموضوع، فقد ذهب وفدٌ من طلاب الإخوان إلى جريدة المصري، وقابلوا الصحفي المعروف الأستاذ الغمراوي، الذي "استقبل وفد شباب الإخوان أحسن استقبال ونشر احتجاجَهم على تقرير هذين الكتابين بقسم اللغة الإنجليزية تحت عنوان: تدريس الطعن في النبي الكريم في كلية الآداب، وهذا المقال هو الذي أثار ثائرة الرأي العام في مصر؛ وذلك لأن جريدة المصري كانت جريدةً وفديةً لها شعبيتُها الواسعة في مصر، وكان المحرر "الغمراوي" موفقًا في كلمته الخاصة تحت هذا العنوان، فهو لم يكتف بنشر الاحتجاج، وإنما كتب كلمةً مستفيضةً بأسلوبه الصحفي الممتاز يَعيب على المسئولين بالجامعة تقريرَهم مثلَ هذه الروايات لشبابنا المثقف".

وتوجَّهت إليه صحافة الإخوان بالشكر على هذا الموقف النبيل، فقالت:

"وشكر الله لإخواننا الذين أمضوا عن اقتناع وإيمان، كما شكَر الله للأستاذ الغمراوي الذي أحسن لقاء طلبة الإخوان، وعُني بموضوعهم وكتب عنه في جريدة المصري كتابةَ مسلم يَغار على الإسلام ويرتفع عن المجاملات والرسميات إلى الدفاع عن الحق للحق".

وقامت جريدة المصري بأخذ رأي عميد الكلية في الموضوع، فلم يخرج عن سابق حديثه مع وفد الطلاب، فعلقت عليه الصحيفة أيضًا قائلةً:

"وأما تصريح الدكتور طه حسين لجريدة المصري فلم يكن غريبًا كما يرى الأستاذ الغمراوي، وإنما كان رأيًا طبيعيًّا للدكتور العميد الذي يذهب منطقُه إلى ما ذهب إليه منطق زعيم من قبل (يقصد مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد) وهو أن الإسلام عالي الجنبات لا يؤثر فيه الطعن ولا الشتائم، وقد كفانا الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر ومعالي وزير المعارف وغيرهما مئونةَ الرد على هذه الفكرة التي لا ترتفع إلى حد الشبهة ولا تنهض إلى مكانة البحث والرأي".

ردود أفعال الأزهر والمعاهد والمدارس في أنحاء البلاد

"كان لهذه الحركة المباركة صداها القوي في الأزهر الشريف، فقامت كلية أصول الدين عن بكرة أبيها في مظاهرة رائعة وإضراب عن الدرس غضبًا لله والرسول، وأرسلوا البرقيات للجهات المسئولة، ويُحيِّي فيهم شيخ الأزهر هذه الغضبةَ الكريمةَ وتلك النفرةَ القدسيةَ، فما أروعه من منظر يطرب الإسلام ويقرُّ عينَ رسول الله!! وقد انتقل صدى هذه الحركة إلى معهد الإسكندرية وأضرب طلبتُه الكرام احتجاجًا على هذا الحادث.

وقد بلغنا أخيرًا تلك الحركة الباهرة الرائعة التي قام بها طلبة المدارس الثانوية وخاصةً الفاروقية ومعهد الزقازيق؛ حيث ألفوا مظاهرةً ضمت آلاف الشباب وهزوا مدينة الزقازيق هزًّا، وتجاوزت هتافاتهم عنانَ السماء: الرسول زعيم العالم- نموت فداء الرسول- كرامة الرسول فوق النقد والتجريح، وأخذوا يتغنون بأناشيد العزة الإسلامية:

قد محا الله الضلال وبدا نور اليقين

فاهتفوا في كل حال عاش دين المسلمين

وطالع بعض الإخوان بالمدرسة الفاروقية ما تُرجم من كتاب سان جون في عدد النذير السابق على الإخوان، فأثار شعورهم وخرجوا كتلةً واحدةً يهتفون بهذه الهتافات المجلجلة ويعلنون غضبة الإسلام في حرارة وإيمان، واقتحموا أبواب المعهد الثانوي فانضموا اليهم وأصبحوا قوةً تزلزل الإلحاد وتقرُّ عين المؤمنين، ثم قصدوا جميعًا إلى مدرسة الصنايع ثم إلى المدرسة الأميرية؛ حيث اصطدموا بقوة البوليس ولكنه لم يشتبك معهم، وردَّد طلبة المدرسة الأميرية هتافاتِ الإخوان، ولكنَّ الناظر طمأنَهم بمصادرة هذين الكتابين ولا داعي للإضراب والاحتجاج.

وأخيرًا توجهوا إلى دار الإخوان وأُرسلت البرقيات الآتية:

أولاً: برقية إلى جلالة الملك، وثانيةً: إلى الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر.

رد برنارد شو على ثورة طلبة الإخوان

يقول الأخ محمد عبد الحميد: "طالعنا في الصحف المصرية دهشة المؤلف برنارد شو من ثورة الطلاب على روايتي "جان دارك" وقال إنني شخصيًّا أحترم محمدًا رسول الله، وقد أشدت به في كثير من مقالاتي، وإن الشتائم التي ذكرتها في روايتي لم تكن رأيي الخاص، وإنما هي على لسان شخصيةٍ أخرى في الحوار تعبِّر عن رأيها الخاص في هذا الرسول، وإني لا أحاسب الطلاب على ثورتهم على هذه الرواية، وإنما أحاسب أساتذتهم الذين عجزوا عن تفهيمهم مضمون هذه الرواية!! ثم عقَّب على هذا بقوله الهزيل المتهافت: ويكفي فخرًا لمحمد في روايتي أني شبهته بالقديسة "جان دارك"، وهذا مبلغ تعظيمِه لرسولنا العظيم كما يدَّعي أنه يشبهه بجان دارك.. فيا للمهزلة ويا للإسفاف"!!

وعلق على رد برنارد شو في صحيفة الإخوان فقال: "طالعنا أخيرًا في جريدة المصري رد برنارد شو مؤلف الرواية يتهكَّم فيه على الطلبة القائمين بهذه الحركة، ويصفهم بالجمود والجهل، وقد عدَّ مقارنته الرسولَ بجان دارك شرفًا للرسول، وهذه تهمةٌ أشنعُ مما اتُّهم به الرسول من قبل، وسوف نرى ردَّ قادةِ الفكر في الكلية على هذه التهمة الشنيعة؛ لعلهم يفطنون إلى ما يحركه لهم هؤلاء الأعداء الضالون المخادعون".

مناقشة القضية في مجلس النواب

وانتقلت القضية إلى مجلس النواب وتبنَّاها بعض أعضائه ذوي النخوة والشهامة والغيرة على الدين، وكانت جلسةً تاريخيةً قالت عنها (النذير):

"كانت جلسةً حاميةَ الوطيس حقًّا، اشتدَّ فيها الجدلُ والصراع إلى درجة اضطرب لها الحاضرون، ولقد كانت المشادةُ عنيفةً قالت عنها (الأهرام) إنها كادت تتطور إلى تماسكٍ بالأيدي، وتدافُعٍ حول المنبر، وتسابُقٍ بين الذراع واللسان.

قام النائب الجريء الدكتور عبد الحميد سعيد فتناول السياسةَ الدينيةَ للجامعةِ المصرية، وعلى الأخص في كلية الآداب، فكان موفقًا كل التوفيق في كلمته الجامعة، موفقًا في المقارنة بين حرص الممالك المسيحية على دينها وتعصبها لهذا الدين، وسنها القوانين للمحافظة عليه وحماية تقاليده مثل إنجلترا التي يقسم ملكُها على احترام دينها البروتستانتي، رغم وجود مختلف الأديان والمذاهب في إمبراطوريته الواسعة، وألمانيا التي وضعت قانونًا يحرِّم الكتابةَ والنشرَ ضد المذاهب المسيحية، وأمريكا التي وضعت أقصى العقوباتِ لمن يبشِّر بمذهب النشوء والارتقاء الذي يخالف عقيدةَ دينِها، وفرنسا التي قصَّر أحد مدرسيها في إعطاء (جان دارك) ما يجب لها من تقديس واحترام، فكان جزاءَه أن طُرد من المدرسةِ شرَّ طرد، وهاج ضده الطلبةُ حتى كادوا يُلقونه في نهر السين.

ولقد قام بعده نواب فضلاء.. نواب فهموا دينهم وعلموا أنه السبيلُ الأوحد إلى رُقي أمتهِم وسعادةِ وطنهم فنادوا بدعوتهم وأفادوا وسجَّلوا دليلَ اليقظة في صيحاتهم المدوية.

وهذا الأستاذ الجليل الشيخ دراز يحصي ما تناقله الناسُ عن النزعات الخطرة لأحد المشرفين على التعليم في الجامعة والقائمين فيها على تكوين عقائد الطلاب وتكوين مذاهبهم الفكرية، هذه النزعات الميَّالة إلى الإلحاد باسم حرية الفكر الجانحة إلى الهدم والإفساد والتشكيك باسم العلم.. ثم هو يتساءل: إلى أي هدف يُقصد بالطلبة أن ينساقوا إليه؟ وإلى أي طريق تسير هذه الكلية التي يُنفق عليها من مال الدولة الإسلامية؟!

ثم ختم كلمته الرائعة مستشهدًا بقول النائب الكريم المرحوم الأستاذ عبد الخالق عطية: "فعلى الذين يريدون أن يحرقوا بخور الإلحاد أن يحرقوه في قلوبهم لأنهم أحرارٌ في عقائدهم، أو أن يحرقوه في منازلهم لأنهم أحرار في بيئاتهم الخاصة.. أما أن يطلقوه في أجواء العلم ومنابر الجامعة فهذا ما لا يمكن أن نفهمه بحال من الأحوال".

صوت علماني صاخب في مجلس النواب

ولكن كان هناك علماني صميم في مجلس النواب تصدَّى لحملة النواب المدافعين عن المقدسات، ألا وهو الكاتب المعروف عباس محمود العقاد، فعلقت الصحيفة على موقفه قائلةً:

"وإن تعجب بعد ذلك فعجبٌ أن يعترض الأستاذ العقاد هذه الصيحات الظاهرة القوية بمنطقه المعروف فيأخذ على الدكتور عبد الحميد سعيد ويأخذ على إخوانه المجاهدين في الهداية والإرشاد فيحتج باسم الدستور، وعلام يحتج؟! يحتج على النواب المحترمين؛ لأنهم يصادرون حرية التفكير في هذا البلد، وحرية العقائد مكفولةٌ باسم الدستور".

"ومن عجب كذلك أن يعمد الأستاذ العقاد إلى المغالطة فيذكر كروية الأرض، ويذكر أن الناس فيما قبل كانوا يثورون على القائلين بها، ويذكر التشريح وأن الناس كانوا يثورون على القائلين به، وجاء زمنٌ آمن الناس بالكروية وآمنوا بالتشريح، فإذن على هذا المنطق- كما ردَّ على الشيخ دراز- لا داعي لأن نُحارب الإلحادَ والإباحيةَ؛ لأن ذلك إن كان في نظرنا اليوم بغيضًا مرذولاً فقد يجيء يوم يؤمن الناس بالإلحادِ ويقرِّر الناس الإباحةَ.. يا عجبًا كل العجب من هذا المنطق".

نجاح ثورة الطلاب وإلغاء تدريس الكتابين

يقول الأخ محمد عبد الحميد: "وقد نجحت هذه الحركةُ باجتماعِ مجلسِ الكليةِ ومناقشتهم هذه الثورة الجامعية، وعلى الرغم من أنهم اعتبروها ثورةً على غير أساسٍ؛ لأن المؤلفَ في نظرهم لا يقصد الإهانة للرسول وإنما هي مجرد حوار يمثِّل روح العصر الصليبي، إلا أنهم اضطُّروا إلى إلغاء تدريسها بقسم اللغة الإنجليزية خضوعًا للرأي العام وثورة الطلاب الجامحة".

1
3913
تعليقات (0)