الرسوم الكاريكاتيرية علامة على الإجحاف العميق في أوربا الغربية

توميك كرزيزوستانياك

الرسوم الكاريكاتيرية الاثنا عشر للنبي محمد، والتي نشرت في سبتمبر الماضي بصحيفة يلاندز بوستن اليومية، ثم أعيد نشرها في عدد من الصحف الرئيسية في النرويج وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا، أثارت غضباً شديداً في كافة أنحاء العالم الإسلامي. وقد تضاعفت الاحتجاجات نهاية الأسبوع الماضي في عدد من الدول في الشرق الأوسط، حيث اندلعت أعمال العنف التي أدت إلى إشعال مقرات البعثات الدبلوماسية الدنمركية والنرويجية. الكثيرين من المسلمين يعترضون على هذه الرسوم لأن الإسلام يحرم رسم أي صورة للنبي، ولأن الرسوم الكاريكاتيرية صورت محمد في صورة إرهابي. وقد اختلط الغضب بمشاعر الدهشة لدى الذين كانوا يتخيلون أوروبا أرضاً متسامحة وودودة.

وقد تعرض هذا الملجأ الخيالي إلى الارتباك بفعل أعمال الشغب التي شهدتها فرنسا العام الماضي. فإذا كانت أوروبا متسامحة جداً من الناحية الثقافية، لماذا تشعر العديد من الأقليات فيها بالانزعاج؟.

غير أن الأوربيين من الدول السلافية يدركون تركيبة تفوق أوربا الغربية أفضل من غيرهم. حيث أن عمي أندريج ليواندويسكي، كغيره من رجال الأعمال البولنديين، يواجه في أسفاره تعليقات مستهترة ومعاملة سيئة بشكل دائم من نظرائه الفرنسيين والألمان. ومع أن بولندا عضو كامل العضوية في الاتحاد الأوربي، إلاّ أن الدول الأوربية الغربية وضعت قيوداً على قدرة البولنديين في العمل والدراسية فيها. كما وصف الرئيس الفرنسي جاك شيراك بولندا ودولاً أخرى من أوروبا الشرقية بأنها دول "غير مسؤولة" و"بدائية" بسبب مواقفها من العراق، وهي كلمات قل ما تستخدم في مخاطبة الأنداد والحلفاء.

إن معاملة السلافيين محترمة جداً إذا ما قورنت بالسلوك تجاه غير المسيحيين وغير البيض. والأدلة على ذلك واضحة جداً في ملاعب كرة القدم. حيث أنه في بريطانيا المشهورة بلباقتها، أشارت مصادر إخبارية دولية أن أحد اللاعبين السود تعرض للسخرية من قبل مشجعين يقلدون أصوات القرود. وكان من المفترض أن يؤدي هذا المسلك إلى صدمة البعض، لولا أنه أمر يحدث مرات لا حصر لها في إيطاليا وإسبانيا وهولندا.

ومع أن الكثيرين من المشجعين قادرين على التسامح مع اللاعبين طالما أن أداءهم لا يزال جيداً في الميدان، إلاّ أنهم يظهرون ألوانهم الحقيقية عند التصويت. ففي النمسا، حزب الحرية جزء من التحالف الحاكم، وهو حزب يميني شعبي يعارض الهجرة والتجارب متعددات الثقافات. وفي فرنسا أحد المرشحين المتطرفين فاز بنسبة 18% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2002. كما أن لدى كلاً من الدنمرك والنرويج، حيث بدأت مهزلة الرسوم الكاريكاتيرية، تمثيلاً مقدراً في البرلمان للأحزاب المعادية للمهاجرين بنسبة (12% و15% لكل من البلدين على التوالي). وفي ألمانيا الحزب الوطني الديمقراطي وهو حزب النازيين الجدد خاض انتخابات عام 2002 وحصل على 1.6 % من الأصوات. وبالرغم من أن الأرقام لا تزال صغيرة، إلاّ أن تزايد شعبية أحزاب اليمين المتطرفة أمر يدعو إلى القلق، بل أن أداءها في الانتخابات المحلية كان أفضل. ففي عام 2004، تمكن الحزب الوطني الديمقراطي من الحصول على 9.2% من إجمالي الأصوات في انتخابات الولايات، واستولى على اثنا عشر مقعداً في برلمان ولاية سكسونيا.

هنالك أمثلة لا تعد ولا تحصى للعنصرية والتعصب في أوروبا الغربية، من حكومات تمنع الحجاب إلى حوادث تفجير المعابد اليهودية في بروكسل وأنتريب. وهذه النماذج العنصرية في المناطق التي ينظر إليها على أنها متسامحة، تذكرني بمدينة ماديسون التي أعيش فيها بولاية ويسكنسن. ومدينة ماديسون التي ينظر إليها في باقي البلاد على أنها معقل الحرية، لا تخلو هي الأخرى من مثل هذه الأمور. ففي الشهر الماضي عندما كانت هنالك مباراة بين مدرسة ميدلتون الثانوية (التي يهيمن عليها أبناء البيض والأثرياء) ومدرسة شرق ماديسون (التي يهيمن عليها أبناء الملونين والفقراء)، كان مشجعي مدرسة ميدلتون يصيحون (food stamps)...(Oscar Meyer) في إشارة إلى الوضع الاقتصادي لخصومهم. وقد قدم هؤلاء الطلاب جراء ذلك اعتذارات فاترة ولم يتعرضوا للعقاب من إدارة المدرسة. ومع أن هذا شيء لا يذكر مع القنابل الحارقة والعنف، إلاّ أنه يكشف عن حقيقة محزنة لمجتمع متسامح.

وطالما أن الأقليات العرقية والاقتصادية وغيرها، لا تزال قليلة، فسيحلو للمواطنين البيض أن يتحدثوا بملء أصواتهم عن قبول الآخر والمساواة، ولكن في اللحظة التي يظهر فيها واحد أو أكثر من هؤلاء، تظهر مشاعرهم الحقيقية. وبالرغم مما تتصف به هذه الرسوم الكاريكاتيرية من غباء، إلاّ أنها لا تعدو أن تكون مجرد جزء من مشكلة أكبر.

ترجمة موقع إسلام ديلي

أصل المقال: http://www.sojo.net/index.cfm?action=news.display_article&mode=C&NewsID=5213

1
3880
تعليقات (0)