رسوم الكاريكاتير .. والصناعة المحلية

حسين علي حسين
رسوم الكاريكاتير التي نشرت في صحيفة دنماركية، واحتوت على إساءة بالغة لرسولنا الأعظم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، أثارت الشارع الإسلامي، فقامت مظاهرات في العديد من الدول الإسلامية، واستدعت بعض الدول سفراءها لدى الدنمارك، وقوطعت البضائع الدنماركية في العديد من الأسواق في الدول الإسلامية، بل إن هذه المقاطعة طالت - للأسف الشديد - صناعات أعتقد الناس أنها جهزت بناء على اتفاقيات مع شركات ومصانع دنماركية، مع أنها صناعات محلية يقوم عليها مواطنون أضيروا في رزقهم جراء هذه المقاطعة، وهناك العديد من البوسترات والمقالات والأحاديث في وسائل الإعلام العربية والإسلامية نددت بالصحيفة ورسامها وبعضها شن غضبه ونقمته على كل الدنماركيين، وفيهم من قاد المظاهرات وتحت نظر حكومته للتنديد بالرسوم الكاريكاتيرية، مع أن ديننا يحثنا على عدم معاداة من لم يعادنا، بل إن بعض الزعماء في الهند رصدوا ملايين الدولارات لمن يقتل الرسام، وبعضهم وعد بأن يعطي من يقتل رسام الكاريكاتير قدر وزنه ذهباً، هذه الهبة لنصرة نبينا والزود عنه، تعطي - بدون شك - مؤشراً على أن هذه الأمة لن تتأخر في الزود عما تعتقد وتؤمن به، وهي خصلة حميدة، موجودة عند أبناء كل الديانات، فالدين عند كل الأمم بكل معتقداتها، هو الأمل، والحصن المنيع، الذي يلجأ إليه الإنسان في كل حين، خصوصاً عندما تتأزم الأوضاع، وتكثر الآلام، ويعم الظلم والفقر والمرض، لذلك فإن كل ما بدر عن الشارع الإسلامي، أمر مقدر ومفهوم، لكن هذا المنهج المحمود لكي يستوي ويعطي نتائج جيدة، لابد له من عدة أمور، يجب أخذها في الحسبان، حتى لا يجرف غضبنا الجميع دون تمييز بين المخطئ ومن لا ذنب له، ومن هذه الأمور :

1 - الدنمارك دولة محبة للعرب والمسلمين، ولها مواقف مشهودة من القضايا العربية والإسلامية، والجالية العربية والإسلامية في هذا البلد، لها وضعها الذي لا يختلف عن وضع المواطن، بل إن من هؤلاء من دخل البرلمان والمجالس البلدية، ومنهم من له استثمارات كبيرة انطلقت من الدنمارك، وهم يقدمون رعاية كاملة للجميع، وقد اعتذر العديد من المسؤولين الدنماركيين والصحافيين حتى رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت الرسوم، عبر كل وسائل الإعلام في كل مكان فيه وجود إسلامي، وآخر هذه الاعتذارات ما نشر في العديد من الصحف السعودية وعلى صفحة كاملة في كل صحيفة، هذه الاعتذارات والنظام العلماني (الذي يعتبر العقيدة شأنا فرديا) في الدنمارك كلها توحي بأن ما نشر كان ناتجاً للأسف عن خطأ بشري وعن خطأ منا، فنحن وهذه حقيقة لم نحسن تقديم ديننا أو التعريف به بالقدر الكافي الذي يحفظ مكانته عند غير المسلمين.

2 - من يقرأ في وسائل الإعلام العربية والإسلامية عن المجازر التي يرتكبها المسلمون باسم الدين الإسلامي في العراق وباكستان وحتى في بلادنا وفي العديد من الدول الإسلامية، مجازر يقوم بها مسلمون ضد مسلمين، ومجازر يقوم بها مسلمون بافتخار ضد رعايا أجانب رماهم حظهم العاثر في طريقهم، وليس ببعيد عنا صور قتلى الزرقاوي والفئة الضالة لديننا.. في العراق العديد من المخطوفين الأجانب وبينهم نساء، خطفوا باسم الإسلام، وسيقتلونهم باسم الإسلام، أناس عزل جاؤوا إلى العراق بحثاً عن معلومات، أو مقابلة، وبعضهم جاء ليطيب أبناء العراق، لكن الزرقاوي وبعض أبناء العراق خطفوهم وسحلوهم ونشروا صوراً لرؤوسهم بعد أن فارقت أجسادهم عبر التلفزيون والإنترنت، أما في باكستان ففي كل حين هناك مساجد تفجر على ساكنيها، يفجرها مسلمون، ضد مسلمين، لنصرة الدين الحق والعقيدة الحق، مع أن الله وحده العالم بالحق وأهله.. هذه الممارسات تظهرنا أمام غير المسلمين وكأننا أبناء دين يحل سفك الدماء ضد الجميع مسلمين وغير مسلمين.

3 - هناك في دول العالم العديد من المدارس والمراكز الإسلامية، للأسف لم يحسن القائمون عليها أصول الضيافة، فمشوا على سجيتهم في شتم الدول وسكان تلك الدول التي يقيمون فيها، وبعضهم يأخذ من تلك الدول معونة من الضمان الاجتماعي، ومع ذلك فإن الواحد من هؤلاء، بعد أن يلقي خطبته النارية، يذهب إلى بيته آمنا مطمئناً، وهو الأمر الذي لا يستطيع أن يقوم به في بلاده، التي هجرها إلى دول الكفر، بحثاً عن هذه الفضفضة، هذه المراكز والمدارس والجوامع المفروض أن يختار لها عقلاء الناس حتى يكونوا خير سفراء لأمتهم ولدينهم!

4 - في فرنسا وقبل شهور قام بعض المسلمين بإحراق مئات السيارات وترويع الناس، ما أدخل فرنسا الدولة المحبة للعرب وللقضايا العربية في أزمة أجبرتها قبل أيام على سن نظام واضح ومحدد وكأنه فصل لأبناء المسلمين الباحثين عن لقمة شريفة وعيش كريم، هذا النظام سوف يسهم في تقليص المهاجرين الذين أمنت لهم الظل والمدارس ولقمة العيش لكن بعضهم للأسف لم يثمنوا ذلك فجنوا على الكل!

5 - الغضب على رسام الكاريكاتير أسهم - للأسف - في قتل العديد من الناس وفي تدمير العديد من المساكن وفي الإضرار بأناس لا ذنب لهم من أصحاب المحلات والسفراء والمواطنين العاديين، وكان المفروض أن يتم بطريقة تليق بديننا دين المحبة والسلام ونبذ العنف، إن توضيح صورة الإسلام الصحيحة والتنديد بالعنف ضد المسلمين وغير المسلمين خير رد.

صحيفة الجزيرة السعودية

1
3844
تعليقات (0)