الدنمارك: الموقف السعودي رسميا وشعبيا

فواز بن حمد الفواز
بينما تتفاعل أزمة الرسومات المسيئة لنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، نسي الكثيرون الموقف السعودي المتميز من عدة نواحي، حيث إن المملكة أخذت زمام المبادرة سواء رسميا أو شعبيا وسجلت المملكة موقف فريدا وحضاريا قد يكون البعض نساه والبعض الآخر يتناساه خاصة بعد ارتفاع درجة العواطف واستغلالها سياسيا في بعض الدول الإسلامية.

هذا التوافق الرسمي والشعبي يعزز الوحدة الوطنية في تسجيل موقف بعيدا عن العواطف والرياء السياسي من ناحية وعمل مؤثر من ناحية أخرى، حيث اتحد المستهلك مع التاجر في مقاطعة للبضائع الدنماركية. ولعل أحد أهم معالم هذا الموقف السعودي هو أن مواطني وحكام هذه البلاد لم يتجاوزوا ما يدعون إليه الموقف الحضاري لمواجهة هذا الخطأ الشنيع من قبل تلك الجريدة في الدنمارك. فلم يكن هناك تهجم على ثقافة ودين أي شعب آخر، ونكون بذلك قد ضربنا مثلا جيدا على مواجهة الخطأ والتعامل معه ليس بخطأ آخر ولكن محاولة جادة وواضحة في إقناع هذه الجريدة وهذه البلاد في أن سعر هذه الهجمة عال جدا وقد يرتفع إذا كان هناك تماد.

وقد عمل السعوديون أعمالا واضحة في هذا الجدل الثقافي الذي نشأ في ظل هذه الأزمة، فقد عمل بعض السعوديين على ترجمة وطباعة القرآن الكريم باللغة الدنماركية، وعمل البعض على تمويل برامج تلفزيونية تعرف بالدين الإسلامي والرسالة الحضارية الإنسانية في تلفزيون الدنمارك والدول المجاورة. فإذا اختار البعض في الدنمارك استخدام القلم والوسط المعرفي والثقافي لأخذ موقف من ثقافتنا وديننا، فعلينا استخدام السلاح نفسه. علينا الارتقاء إلى الجدلية نفسها، بل يجب علينا استخدام هذه الموقف الاستخدام الأمثل في غزو ثقافي مضاد. نحن دائما هدف هين لاستيراد الثقافات علما أن التبادل الثقافي دائما ذو اتجاهين وحتى الأضعف ماديا وعسكريا يؤثر في الآخر، فلقد حان الوقت للتأثير وأخذ المبادرة. فليس لدينا ما نخشاه من التبادل الثقافي وتزاوج المعرفة خاصة مع دول أكثر تقدما اقتصاديا وعلميا وحتى ثقافيا في الكثير من النواحي. هذا ليس دفاعا عن أحد في الدنمارك أو غيرها، ولكن يجب ألا نحاول كمسلمين أو عرب أن نكسب أعداء جددا ونفوت الفرص في كسب مساحة ثقافية وسياسية.

حتى وقت قصير قبل هذه الأزمة كان البعض يذكر أن المتطرفين الإسلاميين لم يهاجموا الدول الإسكندنافية، وأن ذلك مثال على أن هؤلاء المتطرفين لا يعتبرون هذه الدول معسكر العداء للإسلام والدول الإسلامية. فيا حبذا ألا نصنع خصوما جددا، فلدينا ما يكفينا. فهذه المفاجأة من بلد في أقصى شمال أوروبا حيث لا تعرف عنه غير الزبدة والجبن أجبرتنا على التماس مع هذا الشعب وأدخلتنا في الجدلية في نقاش ثقافي وديني واسع، ويجب بعد أن سجلنا موقفا واضحا أن يستغل للتواصل والنقاش الجاد ومحاولة فهم نقاط الالتقاء وتخفيف وطأة نقاط الخلاف. بل لنقول رب ضارة نافعة، فهي ضارة في الأذى الديني والعاطفي، ونافعة في اختيار هذا التحدي الذي تجلى في الموقف المتلاحم رسميا وشعبيا، مفيدة في الحاجة إلى التذكير والتعريف بثقافتنا وديننا للآخرين، مفيدة في تذكيرنا بمدى عمق ثقافتنا ومناقشة بعض جوانبها ومساءلة أنفسنا عن بعض الجوانب في حوار داخلي هادف وهادئ، وأخيرا تهذيب ردنا حينما يكون هناك أخطاء مشابهة في المستقبل.

اقتصاديا، وبعد أن تحمّل وضحّى بعض وكلاء الشركات الدنماركية في المملكة وغيرها من الدول الإسلامية سجلنا موقفا آخر لافتا للنظر في تأثيره. فأكبر شركة دنماركية للمنتجات الغذائية تعتبر سوق الشرق الأوسط هي ثاني سوق لها بعد أوروبا، وبهذا سجلت نزولا حادا في مبيعاتها ونكون بذلك قد أرسلنا رسالة واضحة يفهمونها جيدا ضمنا في عفويتها الشعبية ومضمونا في نتائجها الاقتصادية.

إن ما يجتاح بعض أجزاء العالم الإسلامي من موجة غضب مفهومة ومبررة، ولكن غير المفهوم هو العنف والنزعة إلى كسب أعداء بدون مبرر وخاصة إلى درجة يصبح علينا أكثر من الواقع عليهم. يرى بعض المراقبين أن هناك بعض الطاقة السلبية الكامنة نحو بعض السياسات الداخلية في بعض الدول الإسلامية أو حتى بعض المعارضة لسياسات الدول الغربية الرئيسة في المنطقة، وما هذه الرسومات إلا عامل محفز. فتراكم هذا الغضب وعدم الرضا من سياسات الدول الغربية من احتلال العراق وأفغانستان وفلسطين ينتظر أي شرارة مثل هذه لإعادة التذكير بهذه الجروح، وخاصة عندما يكون التذكير في تمثيل صور مسيئة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، فليس كل الغرب شرا وليس كله خيرا وهذا مثال ليس فيه عمل خير لأحد، ولكن يجب أن يكون الرد الإسلامي دبلوماسيا واقتصاديا مؤثرا مع تغليب العقل على العاطفة في الحكم والتعامل كما عمل به في المملكة.

صحيفة الإقتصادية السعودية

1
3840
تعليقات (0)