العالم والملف الديني

الدكتور صالح النملة
عقد في الأيام القليلة الماضية مؤتمر حول المسيحية في أوروبا بمدينة ايرفورت بألمانيا، وكان هذا المؤتمر تتمة للعديد من الدراسات والملاحظات التي كانت تتحدث عن دور الكنيسة المسيحية في الحياة الاوروبية بعد تنادي العديد من رجال الدين في اوروبا بأن دور الكنيسة أصبح في مرحلة تراجع في الحياة السياسية في أوروبا. وعلى الرغم من أن توافد ملايين البشرالمسيحيين إلى جنازة البابا يوحنا بولس الثاني كان يثبت عكس ذلك إلا أن هذا المؤتمر جاء يطرح القضية بكاملها.

إن المراقب لهذه القضايا لا يقاوم بأن يطرح مفهوم هذه المؤتمرات في اطارها السياسي أكثر من اطارها الديني، والبحث من هذا المنطلق يمكن القول بالتالي:

أولاً: إن الدين بمفهومه الشامل لا يختفي من عقول وضمائر البشر؛ حيث كان متواجداً قبل وبعد الرسالات السماوية، بل إن الأوروبيين اليوم في حالة من عدم الاقدام على تعاليم الكنيسة أكثر من كونهم بعيدين عن المفاهيم الدينية. بمعنى آخر إن البعد الديني يعيش في ضمائر الناس إلا أن الرغبة في تعاليم الكنيسة والتي هي نتاج لتعاليم بشرية أصبحت موضع شك وعدم يقين من العديد من الناس في أوروبا؛ لذلك فانه يمكن القول إن الدين موجود إلا أن اتباع التعاليم المسيحية أقل من ذلك.

ثانياً: انه بعد انهيار المعسكر الشيوعي اصبحت المنافسة بين الأديان داخل المنظومة المسيحية أكثر وضوحاً خصوصاً مع الحرب اليوغسلافية، حيث فهم البعض أنها حرب بين البروتستانتية والكاثوليكية من جانب والارثوذوكسية من جانب آخر، وهذا ما جعل مثل هذا الاهتمام يأخذ طابعاً واضحاً.

ثالثاً: على الرغم من أن الهجرة الدينية الأوروبية إلى أمريكا قبل أربعة أو خمسة قرون كان هدفها التحلل من التعاليم الدينية الأوروبية إلا أن الولايات المتحدة الامريكية اليوم هي أكثر المجتمعات المسيحية محافظة وتمسكاً بالتعاليم الدينية، بل إن البعد الديني في أمريكا يكاد يعيد للكنيسة لعب دور حاسم في الدهاليز السياسية؛ بل إن أكبر القوى المؤثرة اليوم في أمريكا هم ما يعرفون بالمولودين الجدد أو المسيحيين الجدد، وأصبح برنامج هؤلاء يقترب من البرنامج السياسي للمحافظين بشكل عام.

رابعاً: لقد أذكى التواجد الإسلامي في أوروبا جذوة الحماس المسيحي من هذا التواجد النشط في أوروبا، حيث انبهر المسيحيون من تمسك المسلمين بنهجهم وارتباطهم بالشعائر الإسلامية اليومية الأسبوعية والسنوية.

لقد أثبتت العديد من الدراسات أن أوروبا تعيش مرحلة الفراغ الروحي وأن الشباب يرجع للموسيقى مرة وللتحرر مرة اخرى وللموضة مرة ثالثة إلا اناه لا يمكن أن تشبع جوعه الروحي وحاجته للدين، ولذلك فإن مثل هذه المؤتمرات وجدت بأن الدين الإسلامي على الرغم من كل حملات التشويه والتجريم يجد القبول والرواج لدى العديد من طبقات المجتمع الغربي.

وإن مثل هذه المؤتمرات هي محاولة لإعادة تقييم أداء الكنيسة وتجديد حيويتها من جانب وكذلك محاولة ربط التعاليم الدينية المسيحية بالأهداف السياسية من أجل اعطاء بعد أيديولوجي ديني لمفاهيم سياسية ومناطقية قارية.

بقي أن يعي عقلاء العالم العربي الإسلامي هذه القوة الكامنة لديهم من أجل ايصالها بشكل يخدم الأمة الإسلامية والعربية دون الضجيج ودون الصراعات الشكلية والمعارك الجانبية والوهمية البعيدة عن تحقيق الهدف.

صحيفة الرياض السعودية

1
3827
تعليقات (0)