عرفان نظام الدين
عرفان نظام الدين الحياة - 20/02/06//
مهما قيل عن دوافع نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الصحيفة الدنماركية ثم الإصرار على إعادة نشرها في صحف غربية (وغير غربية) عدة، فإن الشكوك تتراكم وتتزايد حول أهداف خبيثة ونيات سيئة وغايات تستهدف إثارة الفتن داخل الدول الاسلامية، وضرب إسفين في العلاقات بينها وبين الغرب، بصورة عامة، وبينها وبين أوروبا بالذات.
فمزاعم «البراءة» والدفاع عن حق التعبير وحرية الاعلام لن تنطلي على أحد، وأي دفاع عن نشر الرسوم مهما كانت غاياته لا يمكن تبريره. واي تعنت أو عناد في رفض الاعتذار وعدم التعهد بعدم تكراره يصب الزيت على النار ويؤجج المشاعر ويزيد من حدة العداء ويوسع الشرخ الذي احدثه النشر المسموم، ويهدد المصالح إلا إذا كان من «ركب رأسه» قد ساهم في هذه الإساءة المتعمدة عن قصد وسابق تصور وتصميم، أو عن طريق المزايدة لكسب أصوات أو لتحقيق شعبية في بلاده.
ورغم ان بعض الكتاب ورجال السياسة العرب والاجانب قد استبعدوا «نظرية المؤامرة» في هذا العمل الأخرق فإن دلائل كثيرة تنقض رأيهم وتدعم وجود «قطبة خفية» في كل ما جرى من حيث التوقيت والخلفيات والدوافع والظروف الحالية في أوروبا والمنطقة والصراع الخفي بين أوروبا والولايات المتحدة وتنامي موجات العنصرية المعادية للجاليات العربية والاسلامية واستغلال «جهات خفية» ليست بعيدة عن الأصابع الصهيونية لإشعال النار في كل مرة تقترب فيها من الخمود والتهدئة فتعمد للتحريض على اعادة نشر الرسوم المسيئة مرة أخرى كما فعلت صحيفة «جيروزاليم بوست» وغيرها وصولاً الى الانترنت.
وأغلب الظن، ومن خلال رصد التطورات والممارسات وردود الفعل، فإن من خطط ونفذ وحرض على هذا العمل الأخرق استطاع ان يضرب عصافير عدة بحجر واحد: إعادة نظرية صراع الحضارات بين الاسلام والغرب الى الواجهة، التحريض على الجاليات العربية والاسلامية واعطاء ذرائع لدعاة التمييز العنصري ليواصلوا بث سمومهم، إثارة الفتن في المجتمعات العربية والاسلامية، ضرب العلاقات المتنامية بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية والاسلامية ليس على صعيد الحكومات فحسب بل على صعيد الرأي العام والشعوب، شل الدور الأوروبي في المنطقة ووضع حد للدعم الأوروبي للفلسطينيين والعرب بشكل عام عن طريق اللجنة الرباعية وغيرها من وسائل الضغط والجهود لإحلال السلام وحمل اسرائيل على وقف سياساتها العدوانية والتوسعية إضافة الى تشويه صورة الإسلام بالإيحاء والربط بين الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) والارهاب والتحريض على المسلمين من منطلق المعرفة التامة بأنهم لن يسكتوا على هذه الإهانة بحق رسولهم، وبأن ردات فعلهم ستكون عنيفة وبأن جهات كثيرة بينها فئات ارهابية ستستغل المناسبة للقيام بعمليات قد تؤدي الى نسف ما تبقى من علاقة وحوار بين العرب والمسلمين والغرب.
إنه «فخ» محكم تم نصبه بخبث ومكر للعرب والمسلمين والأوروبيين على حد سواء لمنع اي تقارب بينهم والتأسيس لحالة عداء مزمن من القمة الى القاعدة. وبكل أسف فإن البعض منا ومنهم قد سقط في الفخ وشارك عن نية حسنة، أو لغاية في نفسه في تأجيج نيران الفتنة والعداء واختار سبيل القطيعة بدلاً من الحوار. فالغضب مشروع، والتظاهر شرعي ومقاطعة بضائع من أصر على الغي واجبة ومطلوبة، والمطالبة بالاعتذار الرسمي ومعاقبة كل من أسهم في هذا العمل المنكر والتعهد بعدم تكراره أمر ضروري حتى نقطع دابر الفتن ونؤسس لعلاقات سليمة مع الآخر.
يخطئ من يظن ان نشر الرسوم المسيئة كان عملاً منفصلاً أو جديداً لا سوابق له. فالجديد يكمن في التعرض لمقام الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بشخصه وهو صاحب «الخلق العظيم» و «وما ينطق عن الهوى» وهو رسول المحبة والتسامح والسلام والصدق والأمانة والرحمة. اما القديم فله حكاية طويلة تمتد الى عقود خلت حاولت فيها الصهيونية رسم صورة نمطية سيئة عن العربي والمسلم وألصقت به كل ما في الدنيا من موبقات ومساوئ وقذارات عن طريق الاعلام والسينما والتلفزيون وكل وسائل الاتصال الجماهيري حيث نجحت جزئياً في «غسل أدمغة» الأميركيين أولاً والغربيين بصورة عامة. وتوالت موجات الحملات المغرضة الى ان تم استغلال المسلمين في تحطيم الاتحاد السوفياتي وتفتيت المعسكر الاشتراكي عن طريق ما سمي بـ «الجهاد في افغانستان». وعندما حقق الأميركيون والمخططون الغربيون والصهاينة غاياتهم انقلبوا عليهم وطلعوا علينا بنظريات «صراع الحضارات» و «نهاية التاريخ» وغيرها من المزاعم التي تدعي ان الخطر الأكبر على الغرب و «حضارته» يتمثل في الاسلام والمسلمين بعد انهيار الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة.
وأذكر انني قدمت بحثاً شاملاً عن هذا التطور المهم في كتاب عنوانه «الاعلام والاسلام» يرتكز في أساسه على محاضرة ألقيتها في بيت القرآن في البحرين (تموز - يوليو 1997) قلت فيها بالحرف الواحد: إننا نواجه اليوم هجمة شرسة للقضاء على هويتنا الحضارية وتشويه صورة ديننا الحنيف، داخلياً بنشر دعوات التطرف والارهاب وخارجياً بالهجوم المنظم على الاسلام والمسلمين والعرب وإلصاق تهم الارهاب والتطرف والتخلف بهم وترويج مزاعم عدوانية عن صراع الحضارات. وطالبت بالقيام بحملات اعلامية للرد على المزاعم وإظهار صورة الاسلام السمحة دين السلام والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة «بالتي هي أحسن» محذراً من استمرار القصور والتقصير في الأداء الاعلامي العربي ومخاطر إهمال مخاطبة غير الناطقين باللغة العربية من عرب ومسلمين وأجانب في أوروبا وغيرها وعدم وجود خطة لتطوير اسلوب الخطاب الاعلامي العربي!
وللتدليل على ان ما نشر أخيراً هو حلقة في سلسلة جهنمية متكاملة، أذكر بتحذيري من انتشار نزعة العداء للمسلمين التي أطلق عليها الباحثون اسم «اسلاموفوبيا». كما أذكر بما جاء في كتاب فيليب لويس «بريطانيا الاسلامية» الصادر عام 1992 من ان رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية» زادت من مستوى الجدل حول الاسلام وان الاعلام البريطاني صب الزيت على النار. وان «الاسلاموفوبيا» تصور الاسلام على انه دين بربري وحشي معيدة الى الأذهان اسلوب التعامل في القرون الوسطى ومذكرة بالحروب الصليبية. وبكل أسف فإن بعض المسلمين والعرب اسهموا في هذا المخطط عن قصد أو عن غير قصد عبر ممارسات قاموا بها داخل أوطانهم وفي ديار الاغتراب.
توالت التفجيرات والعمليات الارهابية في عواصم أوروبية عدة لتؤجج مشاعر الشعوب ضدنا وتزيد من حدة الكراهية والعنصرية وتهدد مصير وحياة ومعيشة ملايين العرب والمسلمين المقيمين في الغرب. كما أدى بعض المظاهر المسلحة وأعمال التدمير واحراق الاعلام والمؤسسات والصور المريبة الى تعميق الاساءات واستغلالها من قبل أصحاب الغرض والغايات الخبيثة الذين وقفوا وراء نشر الرسوم المسيئة ثم إعادة نشرها بعد ان وجدوا ان ردات الفعل كانت هادئة يوم نشرها لأول مرة في صحيفة دنماركية في 30 ايلول (سبتمبر) 2005.
لهذا أكرر بأن أهداف النشر المسموم كانت متعددة الجوانب، فبالإضافة الى الحقد والتحريض على المسلمين ولا سيما أبناء الجاليات كانت هناك غاية خبيثة رئيسية وهي إحداث قطيعة نهائية بين العرب والمسلمين بشكل عام مع أوروبا ومحاصرة العرب لإضعافهم وتفتيتهم وإكمال المخطط الصهيوني لتهويد فلسطين والقدس الشريف بحيث لا يبقى للعرب اي نصير أو حليف أو حتى مجرد صديق. وبنى المغرضون مخططهم وفق المعطيات الآتية:
1- الاستراتيجية الثابتة للاتحاد الأوروبي تقضي بالتقارب مع العرب بسبب القرب الجغرافي والحضاري والفهم الأكبر لمشاكل المنطقة وشؤونها وشجونها.
2- الاسهام بشكل رئيسي في جهود السلام في المنطقة وتحمل عقدة ذنب ومسؤولية معنوية عن اقامة إسرائيل بدعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ومساعدة الشعب الفلسطيني عن طريق اللجنة الرباعية و «خريطة الطريق» وغيرها.
3- القناعة العامة بالمصالح المشتركة بين العرب وأوروبا على المدى البعيد في كل المجالات.
4- الرغبة الأوروبية بالتحرر من الهيمنة الأميركية ومعارضة حروب أميركا، وهو ما تجلى خلال الحرب على العراق، حين اتخذت فرنسا والمانيا بالذات موقفاً متشدداً ورافضاً داخل الأمم المتحدة وخارجها.
5- عقد اتفاقات شراكة عدة مع الدول العربية والدعوة لمؤتمرات متوسطية وقبول انضمام تركيا، منة حيث المبدأ، الى الاتحاد الأوروبي لتكون أول دولة إسلامية تقبل في هذا الكيان المسيحي الصرف.
6- وجود أكثر من عشرة ملايين عربي ومثلهم من المسلمين في أوروبا، بينهم وجوه بارزة في السياسة والاقتصاد والإعلام والمجتمع والفن وتنامي دورها ونفوذها.
7- حاجة أوروبا الى النفط العربي في وجه المخطط الأميركي للهيمنة عليه والامساك بزمام مفاتيحه وصنابيره.
لكل هذه الأسباب مجتمعة لا بد من تحرك عربي إسلامي عاقل وحكيم يتجاوز مرحلة المشاعر والعواطف والتعبير عن الغضب من الاساءة لنبينا الكريم. وأعتقد جازماً ان لا أحد في هذه الدنيا يستطيع أن يسيء له وللإسلام. فالإسلام أسمى بكثير من أي انسان على وجه الأرض مهما علا شأنه، والرسول الكريم أكبر من أن يمس من قبل هؤلاء الأقزام.
والمطلوب الآن احباط المخطط الجهنمي والعمل على معالجة الموقف بحكمة وحزم بالمطالبة باجراءات عملية وفعالة تنهي هذه المسألة وتمنع تكرارها وفق عمل عربي إسلامي مشترك في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي والتحرك في مختلف الاتجاهات الرسمية والدولية والإعلامية والشعبية والدينية الإسلامية والمسيحية، والكف عن المواقف الانفعالية الفوارة التي تخمد تدريجاً والتركيز على أعمال بناءة تمكث في الأرض وتبقى على مدار الأيام والسنين.
فبالإضافة الى تكريس مبدأ الشجب والاستنكار للرسوم ولكل أنواع الاساءات ومنع تكرارها لا بد من قرار بالاجماع من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي يتبنى مشروع قرار لتقديمه الى الأمم المتحدة وإقراره من قبل الشرعية الدولية (لا فرق بين الجمعية العامة أو حتى مجلس الأمن) رغم أن التصويت مضمون بالأغلبية في الجمعية العامة، على أن ينص المشروع على تحريم الاساءة للأديان والانبياء والمقدسات أسوة بالقرار الخاص باللاسامية وتحريم التعرض للدين اليهودي ولليهود. يضاف الى ذلك أنه لا بد من تبني خطة تحرك تتضمن النقاط الآتية:
* تشكيل وفد إسلامي مشترك لاجراء حوار مع دول العالم، ولا سيما الدول الأوروبية، لحل هذه المعضلة نهائياً عبر التأكيد على احترام حرية الرأي والتعبير والإعلام، ورفض الاساءة للمسلمين وتشويه صورة الإسلام ووضع ميثاق تفاهم على اساس تلاقي الحضارات لا الصراع بينها.
* دعوة الدنمارك والدول التي نشرت فيها الرسوم الى الاعتذار رسمياً عن الاساءة والتعهد بعدم السماح بتكرارها مستقبلاً.
* دعوة الهيئات الدينية الإسلامية الى المشاركة في حوار بناء لإزالة أسباب التباين وفتح صفحة جديدة من العلاقات الندية على اساس الاحترام المتبادل.
* فتح باب الحوار مع حاضرة الفاتيكان حول كل القضايا المطروحة من أجل التقريب بين الأديان واحباط خطط إثارة الفتن وتغليب نظرية الصراع المقبل والدعوة لحوار إسلامي - مسيحي يستهدف قطع الطريق على المتآمرين والاستفادة من أبناء الجاليات المسيحية في الغرب ورجال الدين المسيحيين في لبنان الذين كانوا على مستوى المسؤولية.
* تبني خطة إعلامية إسلامية شاملة لشرح وجهة النظر الإسلامية والرد على الحملات المغرضة واظهار صورة الإسلام الحقيقية الناصعة كدين محبة وسلام وتسامح وحوار ومجادلة بالتي هي أحسن واحترام الآخر. على أن تشمل الخطة فتح باب الحوار مع المؤسسات الإعلامية الغربية بعقد منتديات حوار ومؤتمرات وتوجيه دعوات لإعلاميين كبار لزيارة الدول العربية والإسلامية لاغناء هذا الحوار.
* التأكيد على نبذ العنف بشتى أشكاله وأنواعه من الإرهاب الى الاعتداء على السفارات والأفراد، واللجوء الى القوانين المرعية في دول العالم، ولا سيما دول الغرب، حيث يعمل القضاء بشكل حيادي ومنصف ويعاقب كل من يقوم بالافتراء أو بالقدح والذم والاساءة للأديان وإثارة النعرات والتمييز العنصري والتعرض لحق الاعتقاد والايمان وحرية الإنسان.
* دعوة الجاليات الإسلامية في الغرب الى لعب دورها المطلوب في التحلي بضبط النفس والالتزام بالقوانين وعدم القيام بأي تصرف قد يؤخذ عليها واللجوء الى القضاء المختص ولعب دور في الدفاع عن القضايا الإسلامية وتقديم الصورة المثلى عن الإسلام والمسلمين.
وبعد، هذه هي نظرتي لهذه الأزمة المشتعلة التي هددت المنطقة، وما علينا لمواجهتها سوى التصدي للمغرضين وتجنب الوقوع في فخ نصبوه لنا... ولأوروبا.
دار الحياة
جهل أم خداع!
منذ بدأت حملة المقاطعة ضد الدانمارك، والاعتراض على الرسوم المسيئة للنبي، ونحن نسمع من بعض الإعلاميين أن الصحيفة التي نشرت هذه الرسوم مغمورة. شاهدت بنفسي رئيس اتحاد المراسلين الأجانب وهو يقول ذلك علناً منذ أسبوعين. ولا يمكن أن يكون هذا الرجل الألماني الأصل جاهل بما يقول، فكيف إذن يمكن تفسير أن المعلومة خاطئة تماماً .. هل هو جهل أم خداع؟
لكن عجبي وحزني فاق كل حد عندما سمعت منذ أيام أحد الدعاة الأفاضل يخاطب الجماهير علناً أمام الكاميرات وعلى مرأى ومسمع من العالم كله ويوجه خطابه لشعب الدانمرك، ويتحدث بلغة الواثق أن صحيفة جيلاند بوسطن التي نشرت الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم هي صحيفة مغمورة كانت تطبع ثلاثة آلاف نسخة فقط، وقد ساهمنا نحن – بغضبنا وانفعالنا – في نشر هذه الصحيفة وإعطائها مصداقية لا تستحقها – كما أشار باختصار.
ثم كرر الداعية نفس العبارة مرة أخرى، ونفس الأرقام مرة ثانية. لو كان من قال ذلك غير مسلم لاتهمته بالخداع، ولو كان هذا الداعية الفاضل لا يعرف اللغة الإنجليزية لعذرته ظناً أن من أعطاه المعلومات كذب عليه. ولو لم يكن الداعية من الدعاة المعاصرين الذين يتقنون فنون التواصل والاتصال لعذرته بالجهل. ولكنني أسأل نفسي منذ سمعته .. كيف يمكن أن يقع في هذا الخطأ الفادح، وبكل هذه الجرأة؟
إن هذه الصحيفة ليست صحيفة مغمورة كما يقولون .. إنها أهم وأشهر صحف الدانمرك بشهادة رسمية منشورة من وزارة الخارجية الدانمركية، وغيرها من المؤسسات العالمية أيضاً .. هل تدركون حجم الخطأ إذن .. ودرجة الخجل الذي انتاب كل من يعرف هذه المعلومة البديهية لسكان الدانمرك!
دعوني أولاً أعرف القارئ العزيز بهذه الصحيفة الدانمركية (جيلاند بوسطن) التي يبدو أننا رغم كل غضبنا لم نكلف أنفسنا عناء دقائق سريعة لنتعرف على دور هذه الصحيفة وقيمتها، وهل هي صحيفة مغمورة أم لا؟ وإليكم المعلومات التي أنقلها حرفياً من الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الدانمركية في الجزء الخاص بالتعريف بالصحافة في الدانمرك، ويقول فيه: " إن صحيفة جيلاند بوسطن التي كانت تمثل الطبقة البرجوزاية في غرب الدانمرك قد تطورت منذ عام 1971م لتصبح مساوية في الأخبار والإعلانات لأهم الصحف الدانمركية الصادرة من كوبنهاجن حتى ذلك الوقت وهي صحيفتي بوليتيك وبرلينجسكي تايدند (Politiken & Berlingske Tidende). أما ابتداء من عام 2001م، فقد تفوقت جيلاند بوسطن على منافسيها، وأصبحت أكثر الصحف توزيعاً في الدانمرك". ورابط هذا الموقع لمن أراد التأكد من المعلومة هو: http://www.um.dk/Publikationer/UM/English/Denmark/kap4/4-13.asp. أما موقع الصحيفة نفسها، وبه جزء باللغة الإنجليزية ورابطه هو: http://www1.jp.dk/info/about_jyllands-posten.htm ، فيذكر التالي:
• الصحيفة هي أكثر الصحف الدانمراكية قراءة، وعدد قرائها يومياً هو 670 ألف قارئ، ويقرأها يوم الأحد 790 ألف قارئ. [ من المهم أن نعرف أن عدد سكان الدانمراك لا يتجاوز 5 ملايين نسمة - أي أصغر من عدد سكان حي شبرا بالقاهرة.]
• تطبع الصحيفة يومياً 150 ألف نسخة، وتطبع يوم الأحد 207 ألف نسخة. (أي أن الصحيفة تقدر ان كل عدد من أعدادها يطلع عليه من 4-5 أشخاص، وهذا هو الفارق بين ما يطبع وما يقرأ، وهي نسبة متعارف عليها في الصحف الغربية).
• موقع الصحيفة الإلكتروني هو أحد أهم مواقع الصحف الدانمركية، إن لم يكن الأهم والأكثر قراءة كما تقول الصحيفة على صفحتها الإلكترونية.
• لا يوجد في الدانمرك إلا صحيفتين لهما مثل هذا المستوى من الانتشار، والصحيفة الأخرى المنافسة وهي برلينسجكي جروب، وتملكها شركة نرويجية اسمها أوركالا، أي أن صحيفة جيلاند بوسطن هي الصحيفة الكبرى الوحيدة المملوكة من قبل الدانمرك.
• للصحيفة مكتبين رئيسين أحدهما في العاصمة كوبنهاجن، وأربع مكاتب إخبارية في مدن الدانمارك. وللصحيفة عدد من المراسلين الدوليين من بينهم مراسل في عمان، وكوالالمبور إضافة إلى مراسلين في واشنطن وباريس وروما وكاب تاون وبرلين وبروكسل وموسكو.
هل بعد هذه المعلومات يمكن أن تعتبر هذه الصحيفة مغمورة – كما يدعي البعض. إن صحيفة جيلاند بوسطن لها مراسلين في كل من عمان وكوالالمبور كما يقول موقعها .. وبالتالي فهي مطلعة ومهتمة بشؤون العالم الإسلامي ولا يمكن أن تكون جاهلة به، بل أن الصحيفة لديها مستشار لشؤون الشرق الأوسط يعمل بها. ولمن أراد أن يعرف أكثر عن تاريخ الصحيفة يمكن زيارة هذا الموقع أيضاً وهو موقع مستقل:
http://en.wikipedia.org/wiki/Jyllands-Posten
هذه الصحيفة التي يدعي البعض أنها مغمورة تعرف بين معظم الصحفيين في أوربا أنها أشهر صحيفة دانمركية، ويعود تاريخ العدد الأول لها إلى الثاني من شهر أكتوبر من عام 1871م، أي أن لها تاريخ يفوق 165 عاماً. فهل يعقل أن يقول البعض أنها صحيفة مغمورة لا توزع إلا ثلاثة آلاف نسخة. أليس هذا مخجلاً بالله عليكم!
تخيلوا لو جاءت شخصية دانمركية لتخاطب الشعب المصري وتذكر في خطابها أن هناك صحيفة مغمورة بمصر اسمها "الأهرام" أساءت إلى الدانمرك .. هل يمكن أن يحترمه أي منا مع الجهل الصارخ بجريدة الأهرام وهي أعرق الصحف المصرية .. إن هذا هو ما نفعله بالضبط في وجود مراسلين أجانب في مؤتمراتنا الصحفية التي نجاهر أننا نخاطب من خلالها شعب الدانمرك .. إنه جهل مخجل .. للأسف الشديد.
أما لماذا كتبت هذه الكلمات، فهي أنني أطلب ممن خاطبوا الشعوب العربية وشعوب العالم أجمع، وجاهروا علنا أن صحيفة جيلاند بوسطن مغمورة وأننا نحن الشعوب الغاضبة والمهتمة بالدفاع عن رسولنا الكريم قد تسرعنا وأعطينا الصحيفة شهرة .. أطلب من هؤلاء الاعتذار علنا لنا جميعاً، وأن يكونوا أكثر حذراً في المرات القادمة حتى لا نتهمهم بخداعنا.
أطلب كذلك من الداعية الفاضل الذي بنى موقفه بأن المقاطعة قد أدت ما عليها، وأن الاحتجاج كان هاماً ولكنه اليوم ليس ضرورياً .. أطلب منه أن يعيد دراسة موقفه بعد أن يعتذر لنا جميعاً أنه أحرج هذه الأمة بالخطاب المباشر للدانمركيين مع هذا الخطأ الفادح الذي لا يمكن تبريره أو علاجه بأي مبرر سوى سرعة الاعتذار وإعادة النظر في أسلوب التعامل مع مثل هذه الأحداث الهامة.
أطلب من دعاتنا الأفاضل ألا يكلفوا أنفسهم فوق طاقاتهم، وألا يحاولوا أن يظهروا بمظهر العارفين والعالمين بكل قضية وأي موضوع، فنحن في عالم يقوم اليوم على التخصص ولا يحترم فيه عالمياً من يتحدث في كل شيء وأي شيء. إننا لا نقبل أن يظهر دعاتنا الذين نحبهم ونقدر فضلهم بهذا القدر المخجل من الجهل لأنهم يريدون أن يكونوا رجال كل المواقف والمتحدثين في كل الموضوعات. نقول لهم .. رحمة بأمتكم .. ورحمة برسولكم، وكونوا عوناً للأمة في هذه الأزمة، ولا تكون سبباً لانهزاميتها أو سخرية العالم منها.
أعلم أن بعض من سيقرأ هذه الكلمات قد يتهم من كتبها بالتهجم على العلماء والدعاة، ولكنني حقاً لا أريد لهم إلا الخير، ولا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيهم إن لم يسمعوها. والأخطاء المخجلة لم تقع في مجالس خاصة أو جلسات سمر، ولكنها حدثت في مؤتمرات صحفية تتمتع بالمصداقية، ولذلك فالخطأ هنا كبير، والاعتذار لابد أن يكون فورياً.
أتمنى أن يقدم الدعاة عموماً – وعلى رأسهم الداعية الفاضل الذي أخطأ علناً وتكراراً - نموذجاً نشتاق إليه جميعاً في سرعة الاعتذار والتصحيح، والجرأة على الاعتراف بالخطأ لكي ترتفع أسهم محبتهم في نفوس العامة، ويرتفع قدرهم – بإذن الله – في الدنيا والآخرة. أما من يتعمد أن يخفي الحقائق خداعاً للامة او لإضعاف مسيرتها فالله سيتكفل به .. فهو من أخبرنا جميعاً أنه سيعاقب كل من يساند من يسخر من خير خلق الله .. فهو سبحانه تعالى القائل "إنا كفيناك المستهزئين"، والجهل ليس عذراً بعد أن كتبت هذه الكلمات.