عبد الله عبيد حسن
ستظل حادثة الكاريكاتور الدانمركي تجر ذيولها لزمن طويل، وسيظل النقاش والجدل الذي فجرته مصاحباً لنا أيضاً، وستتفرع عنه قضايا كثيرة، لكن محورها سيظل بالنسبة للمسلمين هو علاقتهم بهذا العالم غير الإسلامي الذي لا مفر لهم -ولا مفر له من التعايش معا في عصر وفي بيئة تحمل كل صفات ومواصفات الانتقال من عصر إلى آخر بكل ما تزخر به من هموم وقضايا فكرية وروحية واقتصادية واجتماعية تشغل بال الإنسانية، ومن يتخلف عنها أو يعيش على هامشها سيبقى دوره في التاريخ دور المتلقي وليس دور الفاعل المشارك في صناعة تاريخ هذا القرن.
الذي يدفعني لهذا القول اليوم هو تجربة عاشها مسلمو كندا الذين يمثلون بالنسبة للجماعات الدينية الكندية الرقم الثاني من مجموع الكنديين المؤمنين بالرسالات السماوية الثلاث (يمثل المسيحيون من حيث العدد الرقم الأول ويمثل اليهود الرقم الثالث)· يوم السبت الماضي شهدت مدينة تورونتو تظاهرة احتجاجية كبيرة دعا إليها ونظمها ائتلاف مؤقت شاركت فيه جميع التنظيمات والجماعات واللجان المدنية الإسلامية، وحددت أجندتها وخط سيرها ومسؤولية حفظ الأمن فيها اللجنة المنظمة، وشاركها متطوعون من بين المسلمين الكنديين، قاموا بدور الشرطة المعهود في مثل هذه المواكب التي يحميها القانون الكندي -مواكب الاحتجاج والمعارضة والتأييد السلمية والمُخطر عنها سلفا لدى سلطات الأمن- كان هدف الموكب -الذي قدر عدد المشاركين فيه بأكثر من خمسة آلاف رجل وامرأة وطفل كندي- قنصلية الدانمرك في مدينة تورونتو· لدى الميدان الذي يطل عليه مبنى القنصلية، كانت منصة الخطابة واحدة وموحدة· وكانت أسماء الخطباء وصفاتهم مذاعة ومعلنة سلفاً· وكانت الشعارات واللافتات محددة ومتفقا عليها بين الجميع، وشارك في الموكب ممثلون لتنظيمات وجماعات كندية مسيحية ويهودية وتنظيمات مدنية مهتمة بحقوق الإنسان ومناهضة للحرب في العراق· ولم يقع أثناء وبعد الموكب الذي وصف بأنه منظم ذاتياً حادث واحد أخل بالأمن· وكانت هنالك أيضاً جميع القنوات التلفزيونية والإذاعات الكندية وغيرها التي تشغل الفضاء الكندي الواسع.
يوم الأحد خرجت جميع صحف المدينة الكبرى وموضوعها الرئيسي هو موكب المسلمين الكنديين هذا، بل إن كبرى الصحف الكندية ''تورونتو ستار''، أفردت صفحتها الأولى بأكملها وعنوانها الرئيسي ''موكب تورونتو الاحتجاجي المهذب''، واللافتة الكبيرة التي حملها المتظاهرون تقول (الانسانية = احترام الدين)· وباختصار لقد حقق عمل إسلامي موحد ومنظم نجاحاً إعلامياً وجماهيرياً، وفي فترة زمنية قصيرة، ما كنا نحتاج لتحقيقه إلى أشهر طويلة -إن لم نقل سنوات- لكي تصل رسالتنا إلى المجتمع الكندي المتعدد الثقافات والأعراق والديانات· ومع ذلك فإن المنظمين والمشاركين الذين أوصلوا الرسالة لم يتنازلوا قيد أنملة عن الموقف الإسلامي المجمع عليه في إدانة واستنكار الحادثة الدانمركية وما تبعها من آثار أوروبية.
إن الدرس المستفاد الذي خرجنا به من موكب تورونتو الإسلامي الكبير المهذب كمسلمين كنديين أنه، وبقليل من التنظيم والجهد الجماعي الموحد، يمكن لأقلية مثلنا أن تثبت وتؤكد وجودها في مجتمعها وأن تكسب ليس فقط تعاطف وتأييد بقية مواطنيها المختلفين عنها دينيا بل وأن تكسب احترامهم أيضاً· وتعلمنا أنه بدلا من أن نظل نشكو ونتباكى على تجاهل (الميديا) لنا ولقضايانا حتى تلك المعروفة بانحيازها ضد المسلمين، كيف يمكن أن (نفرض) وجودنا عليها واحترامها لموقفنا ورأينا.
صحيفة الإتحاد الإمارتية