الرسوم الكارتونية لا تدافع عن حرية التعبير انما تعرضها للخطر

سايمون جينكنز

الموضوع: [09] مـوضـوعــات فـكــريــة

قال الفيلسوف انا افكر اذن انا موجود. ذلك كلام جيد لكن ان تقول انا افكر اذن انا اتكلم فذلك ليس صحيحا، لا احد يمتلك الحق الكامل بالحرية. فالحضارة هي قصة تضحية الانسان بحريته ليعيش بوئام مع الآخرين ، لسنا بحاجة الى فيلسوف مثل هابز ليقول لنا ان الحرية المطلقة لا يمتلكها الا البدائيون وماعدا ذلك يعتمد على الاتفاق او الحلول الوسط هل كان من حق الصحيفة الدانماركية نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟ كلا. وهل كان من حق الصحف الاخرى والبي بي سي اعادة نشر تلك الرسوم من باب حرية التعبير؟ كلا. وهل كان على الحكومات الاعتذار لما قامت به الصحف او منعهم من ارتكاب جريرة مماثلة؟ كلا. لكن ذلك ليس بيت القصيد هنا.

ان الصحف ليست منعزلة بعيدة عما يجري في العالم. فكل سطر يطبع في تلك الصحف يعكس وجهات نظر كتابها وسياسة محرريها. وتلعب هذه الصحف يوميا دورا بارزا في الاحداث خاصة في موازنة الاشياء ، وهي تقرر ماينشر على صفحاتها وما لا ينشر. الا ان ما ينشر محكوم بقوانين عدم الاساءة وقوانين الحشمة وما يتقبله القارئ. ان التعبير حر عندما يكون الانسان وحيدا ، وما خلا ذلك فهو توليف او تكييف. بالرغم من موقف البريطانيين المتشدد ازاء الدين ، الا ان ما من صحيفة سمحت بنشر رسوم كاريكاتيرية عن السيد المسيح وهو يلقي قنابل عنقودية او يشكك بالمحرقة. كما ان صور الجثث البشرية لا تنشر اذا كان هناك احتمال ان تراها الاسر. ان الخصوصية والكرامة مصانتان حتى اذا كان القراء لا يفقهون تلك الامور. فوق كل صفحة من صفحات الجريدة هنالك رقيب يحوم ، وهو ما نعرفه عادة بالمحرر.

ان اثارة قضية الرقابة مع رسوم الصحيفة الدانماركية امر مرفوض. لقد كانت الرسوم استفزازية وتحريضية، وكانت السياسة الافضل لو ان الصحيفة اعتذرت وانتهى الامر. ان مطالبة الصحفيين الدانماركيين بتضامن اوروبي معهم على اساس مبدأ حرية التعبير واهانة من تعرضوا للاساءة بوصفهم بالمتشددين تعتبر تحريضا عنصريا. ليس من المعقول ان تضرب شخصا وتقول له انا اجرب مدى التزامك بسياسة اللاعنف. ان الاوروبية لا تعني ان تبادر الى اهانة ديانات الاخرين.

استغرب العديد من الناس ان تثار خلافات ثقافية حول الدين بدلا من العرق. الكثير من المهاجرين من العالم الاسلامي يأتون طلبا للعمل او اللجوء. وهم ارتضوا التفرقة العنصرية والتهميش الثقافي ثمنا لقبولهم في أوروبا والكثير من الاوروبيين يعتبرون ذلك التهميش منطقيا.

الا ان مالم يتوقعه المسلمون هو ان ذلك القبول يتطلب التسامح ازاء السخرية من الدين والمعتقد من خلال ربطهما بالمتشددين في الشرق الاوسط ان الاسلام دين عظيم. ومثلما تأول التعاليم المسيحية بأساليب متعددة وتستخدم غطاء للقتل كذلك يحدث مع التعاليم الاسلامية لكن الاسلام دين طاهر وشفاف وان جانبا من هذه الطهارة يأتي من مقت الاسلام للتماثيل وما شابهها كان على الدانماركيين ان يفهموا ان تجسيد الله بشكل بشر او تصوير الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل ارهابي سيثير حفيظة المسلمين. لا يمكن القول ان هذا الكفر لم يكن الا دعابة مألوفة في الحياة اليومية للغرب. من الافضل وصف مثل هذه الدعابة بالبدائية المقصودة، لأن ذلك هو الهدف الوحيد من ورائها ومثلما قال شكسبير ان ما يبدو كلمة مثيرة لدى المسيحي قد تكون كفرا لدى المسلم.

ان الحساسية الدينية هي اكثر ضحايا العولمة عرضة للأذى شاهدت مرة في مطار بغداد امرأة عراقية انتابتها هستيريا عارمة عندما حاول جندي اميركي ان يقرب كلب حراسة من القرآن الذي كانت تحمله. حينها صرخ الجندي الاميركي قائلا اصمتي بحق المسيح فأصابت الحيرة المرأة لانه كيف يلفظ الجندي اسم المسيح وهو يدافع عما فعله.

ان الجندي الاميركي او البريطاني الذي يقتحم جناح النسوة في العراق ليلا هو امر اعتيادي عنده. الا ان ذلك يعتبر اهانة للعربي ما بعدها اهانة كما ان المسلمين لا يفهمون سر قبول او تبرير الغرب لمثل هذه الامور، كما يفعل توني بلير بمقارنة تلك الاعمال بما كان صدام حسين يفعله وكأنما اصبح صدام حسين هو المعيار الدولي للسلوك.

من الصعب على الغربيين فهم الرعب الذي تسببه هذه الاعمال للمسلمين القضية لا ترتبط بنضج المسلمين او احترامهم لحرية التعبير. انها ترتبط باستعدادنا للعيش بسلام مع اناس لهم قيم ومعتقدات مختلفة. ان طلب المراسلين الاجانب من الصحف البريطانية التضامن معهم مثال حي على ان الغطرسة الاخلاقية في مكاتب الصحفيين في اوروبا الشمالية لا تختلف عن تلك الموجودة في شوارع الفلوجة. من السخف الاعتقاد ان اثارة الحساسيات الدينية هي علامة من علامات الرجولة الغربية.

اصبحت الموازنة التقليدية بين حرية التعبير واحترام مشاعر الاخرين بعيدة المنال. ان الفوضى الناجمة عن الخلل في هذه العلاقة يقدم المبرر للدعاية اليمينية المطالبة بالاعتداء على المهاجرين والغرباء او طردهم كما انها تعطي الحكومات المسوغات لتقييد حرية التعبير عندما تكون الاخيرة ضرورية جدا لتوجيه الانتقادات لتلك الحكومات.

بدون شك لو ان وزارة الداخلية فعلت النسخة الاصلية من قانون التعدي على الاديان فان نشر تلك الرسوم الكارتونية في الصحف البريطانية يعتبر مخالفا للقانون وحتى بعد تعديل ذلك القانون فان نشر الرسوم يعتبر عملا ينم عن التحقير والاهانة ولن يكون هناك مجال لتبرير العمل بانه موجه الى الافكار ولا يمت بصلة للاشخاص.

وجاء مشروع مكافحة الارهاب الذي تقدم به تشارلز كلارك ليصب في الاتجاه نفسه حيث طالب المشروع تجريم حتى الاشادة غير المقصودة بالارهاب وطالب المشروع بتجريم المؤيدين ولو بالكلام لتغيير انظمة الحكم بالقوة حتى لو كان هذا الكلام غير مقصود واقترح وزير الداخلية ان يطول قانونه الشخصيات التاريخية ومن حاربوا من اجل حريات بلدهم وهذا اسلوب يذكرنا بستالين وحكمه الا ان البرلمان وقف بوجه ذلك المشروع.

ان طلب وزير الداخلية مثل هذه الصلاحيات يبين لنا بوضوح الخطر الذي ينتطر الاعلام الذي يفتقد الى الرقابة الذاتية في الاسبوع الماضي طالب بعض قادة المسلمين من حكومات عدد من الدول الاعتذار لنشر هذه الرسوم والعمل على منع نشرها الا ان جاك سترو رفض ذلك لان ذلك يعني ان الحكومات وافقت على النشر وهي بذلك مسئولة عن نشرها ربما يسعد العديد من الحكومات من هذه المواقف وتنشط للسيطرة على الاعمال التي تتطلب تقديم الاعتذار ان القاء اللوم حيث لا وجود للوم اصلا يشجع الوهم والخداع لدى الحكومات كما حدث مع توني بلير في عام 1997 عندما قدم اعتذارا لمزارعي البطاطا الايرلنديين اثر القحط الذي اصابهم.

ان الخطر موجود في جميع القضايا التي تتطلب انضباطا ذاتيا وان المؤسسات الهامة خاصة الصحافة اذا لم تمارس هذا الانضباط فانها تفسح المجال امام الحكومة للقيام بذلك وان الصاق التهم بالديانات هو اسلوب مضمون لاشارة حفيظة الآخرين كما ان خطر مثل هذه الاساءة هو ايضا اسلوب مضمون بيد السياسي لتفضيل او محاباة الأقلية وبالتالي ممارسة الاسلوب التسلطي.

ان مهاجمة الطرف المقابل تشكل احدى اساسيات المناظرات الا انها محكومة دوما بمجموعة من المبادئ القانونية والاخلاقية ومنها قوانين التشهير والاهانة ومبادئ التعليق العادل وحق الرد والابتعاد عن اثارة الكراهية العرقية وجميع هذه الامور تعتمد على حكمة اصحاب القرار حيث لا وجود للمطلق ابدا وهذه الامور في مجملها يعتمد على اساسيات الديمقراطية والتسامح واحترام مشاعر الآخرين.

ان افضل دفاع عن حرية التعبير يكمن في محاربة الافراط في تلك الحرية واحترام المتحضر منها.

سايمون جينكنز
محرر في صحيفة التايمز اللندنية
نقلا عن التايمز اللندنية
التاريخ: 10-1-1427 هـ

http://www.icaws.org/site/modules.php?name=News&file=print&sid=5942

1
3717
تعليقات (0)