وأوروبا تستطيع الآن أن تتخيل ماذا سيحدث لو هدم المسجد الأقصى
بالنسبة إلى الشيخ الدكتور محمد بن يحيى النجيمي، الداعية ورئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، كان موقف الليبراليين السعوديين من قضية الإساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في الصحف الدنماركية، موقفا مخزيا. وحاول النجيمي في حواره مع (الوفاق) أن يتخيل ما يمكن أن يحرك السعوديين المصنفين فكريا في خانة الليبراليين متسائلا: إذا لم يتحركوا دفاعا عن رسول الله، فما الذي يحركهم إذن؟ وفي حواره مع (الوفاق) كان الشيخ النجيمي يقدم قراءات سياسية من عمق المشهد العربي الراهن، حيث كان ثمة رابطا عضويا بين فوز حماس، والانتقال السلمي للسلطة في الكويت، إلى جانب ثورة جماهيرية إسلامية تجاه إساءة الرسول، متوقعا أن تكون المرحلة المقبلة، مرحلة إسلامية متغيرة ذات صوت قوي. النجيمي لم يكن يتوقع أن تصل ردود الفعل تجاه إساءة الرسول إلى مرحلة تدخل صانعي القرار السياسي بالتزامن مع الغضب الجماهيري، ويرى أن ما حدث مبهجا للغاية، ودرسا للمجتمع الأوروبي والأمريكي ليتخيلوا ماذا سيكون عليه الحال لو قامت إسرائيل بهدم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل. في حديث لا يخلو من رؤية دينية، حضارية، سياسية، كان النجيمي ضيفا حواريا لـ (الوفاق).
* ماذا بعد ردود الأفعال الرسمية والشعبية الغاضبة للإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحكومة والصحيفة الدنماركية؟
- هذه ردود أفعال طبيعية، وتلقائية وعفوية، ومن منا لا يغضب دفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنني أستغرب من الأصوات الشاذة التي تستنكر هذا الغضب، وأؤكد أن رد الفعل الدنماركي الرسمي كان السبب في تأجيج العواطف، وإثارة كل المسلمين، وجعلهم يتحركون، وكل حسب قدرته في رد الفعل، الخطيب والإعلامي والداعية ورجل الأعمال والسياسي، والمواطن العادي الذي شعر أن الإهانة لا يمكن السكوت عليها، ولعلنا نشاهد الشعارات التي يرفعها الشباب على سياراتهم، ورسائل الجوال، والمقالات والخطب.
*هل نستطيع أن نقول إن القاعدة الشعبية العربية استطاعت إيصال صوتها إلى قمة القرار السياسي العربي لنقل الاحتجاج إلى مستوى رسمي؟
- أعتقد أن هذه نقطة تحول كبيرة في العالم الإسلامي، لقد وجدنا التصريحات الرسمية، والتصريحات الصادرة من الأجهزة الرسمية أقوى وأشد، وكذلك كان رد الفعل الشعبي القوي في المقاطعة لكل ما هو دنماركي، وقد شعرت الشركات الدنماركية بذلك، ولعل ما جاء على لسان أحد مسؤولي هذه الشركات أنها تخسر 2 مليون جنية إسترليني في اليوم بسبب المقاطعة يدل على خطورة الموقف بالنسبة لهذه الشركات.
*وما هو المطلوب تحديدا من الصحيفة المسيئة؟
- مطالب المسلمين بسيطة وصريحة جدا أولها: الاعتذار الرسمي الواضح والصريح من الحكومة الدنماركية للمسلمين جميعا عن هذه الإساءة. ثانيا: أن يقدم المسؤولون عن نشر هذا الجرم في الصحيفة للمسائلة القانونية، ثالثا: أن تنشر الصحيفة التي نشرت الإساءة اعتذارا رسميا وواضحا للمسلمين، وتصحيحا للمعلومات الخاطئة في نفس المكان الذي نشرت فيه الرسوم السيئة.
*هناك من يتذرع بأن هذا من حرية التعبير وأن حرية الصحافة لا يمكن الحد منها؟
- هذه ليست حرية بل إساءة، ونشر الكراهية، وتطاول على المقدسات، ومخالف للمواثيق والقوانين الدولية.
* ولكنها حرية التعبير؟
- من قال ذلك هل يستطيع أن يشكك ولو مجرد الشك في الهولوكست (المذابح اليهودية) أو التطاول على شيء يقدسه اليهود أو الصهاينة؟ الأمر واضح تماما.
* لو اعتذرت الصحيفة والدنمارك، ما الذي سيضمن عدم تكرار الإساءة؟
- إننا نطالب بتحرك على المستوى الدبلوماسي داخل الأمم المتحدة، ويتم الاتفاق على ملحق خاص بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على تجريم من يتعرض للإساءة للذات الإلهية والأنبياء والرسل والكتب المقدسة، وهذا مطلب أعتقد أن الجميع يتفقون عليه ويضمن عدم تكرار مثل هذه الإساءات.
* ولكن في الدنمارك لا يعرفون مقدسات ولا رسلا؟
- هذا صحيح، فواجبنا أن نعرفهم بذلك، لأنهم يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم رئيس جمهورية أو رئيس وزراء ولذلك ينتقدونه، وهذا أمر خطير، ولذلك من واجبنا أن نعرفهم بالرسل والمقدسات والأنبياء، وهي معتقدات تنص المواثيق الدولية على احترامها.
* هل كنت تتوقع حجم ردود الأفعال الرسمية والجماهيرية؟
- بصراحة شديدة، لم أكن أتوقع هذا الزخم من ردود الأفعال، من استدعاء السفراء من الدنمارك كما حدث من قبل السعودية وليبيا وسوريا، إلى استدعاء سفراء الدنمارك في العالم الإسلامي للاحتجاج، إلى التصريحات الشديدة اللهجة من الملوك والرؤساء وقادة العالم الإسلامي، والبرلمانات العربية والإسلامية، إلى الموقف القوي من رجال الأعمال من التجار وأصحاب والمؤسسات والشركات في المقاطعة والإعلان عن ذلك، والرفض الشعبي لكل المنتجات الدنماركية.
* وماذا عن الذين اتجهوا لإبداء ردود أفعال عنيفة؟
- العنف مرفوض، والتعدي على السفارات والسفراء أمر لا يجيزه الشرع، حتى أن حرق الأعلام أنا لا أجيزه كي لا يتم بالمقابل حرق أعلامنا. ردود الفعل الرسمية والشعبية أقوى وأشد وطأة، لذلك أعتقد أن الدنماركيين في مأزق الآن.
* وماذا عن موقف الاتجاهات الأخرى من الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
- بصراحة ووضوح، لقد كشفت قضية الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن حقيقة موقف الليبراليين السعوديين، فلم نسمع أي صوت لهم إلا ما ندر، وذلك يرجع إلى أنهم لا يمثلون الأمة بأي حال من الأحوال، وأنهم لا تعنيهم ثوابت هذه الأمة، وأعتقد أن الحادث أظهرهم على حقيقتهم. وأنا أتساءل: إذا لم يتحركوا دفاعا عن رسول الله، فما الذي يحركهم إذن؟ إن هذه سقطة مدوية لهم، وخاصة الذين يخطبون ود كل ما هو أجنبي، ويتسولون على أبواب السفارات الأجنبية.
* قوة ردود الأفعال في الشارع الإسلامي هل توحي بأمور لأطراف دولية أخرى؟
- ردود الأفعال الرسمية والشعبية، يجب أن يقرأها الغرب جيدا، وخاصة الدول التي تدعم إسرائيل بكل شيء، والتي تحتل العراق وأفغانستان، وتهدد سوريا وإيران، واعتقد أنهم لابد أن يدرسوا الهبة الإسلامية، وتلك الغضبة العارمة، وأيضا على الدولة العبرية أن تدرس ذلك جيدا، في ظل أخبار تتداول عن عزم فئات عنصرية متطرفة صهيونية، تريد هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، وأعتقد عند وقوع مثل هذا الأمر ستكون الكارثة، لأن المقدسات خط أحمر لا يمكن أن يمس.
* كيف تقرأ إدانات بعض الدول الغربية فكرة الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مقابل صمت البعض الأخر.
- كما هناك من أيّد نشر هذه الرسوم بزعم حرية التعبير؟ بلا شك هناك دول كان موقفها الرسمي واضح، وأدان هذه الرسومات المسيئة، وحذروا من عواقبها الوخيمة والخطيرة، أما الذين يزعمون أن هذه حرية التعبير هم يكذبون على أنفسهم، لأنهم لا يتورعون من نشر الاعتذارات لو مس إسرائيل شيء.
* أليست الحرية، وأننا جميعا نطالب بتطبيقها في النشر؟
- ليست هذه حرية تعبير، هذه إساءة، وتطاول على المقدسات، من ذات إلهية ورسل وأنبياء ومقدسات، نحن جميعا نريد الحرية، ولكن التطاول على المقدسات جريمة بشعة لا يمكن أن تبرر.
*والديمقراطية؟
- نحن نطلب من الغرب الذي يطالب بالديمقراطية أن يكيل بمكيال واحد، لا بمكيالين. لقد صدعوا رؤوسنا بالديمقراطية والانتخابات، وعندما جاءت بحماس، انقلبت وجوههم، وظهروا على حقيقتهم، فأين هم من الديمقراطية إذن؟ وأين هم من الديمقراطية عندما فازت جبهة الإنقاذ في الجزائر وانقلب النظام على الانتخابات وألغاها، ودخلت الجزائر في دائرة العنف؟ إننا نريد الصدق والشفافية في القول والفعل. هم يقولون إن حماس ضد الديمقراطية؟ هذا كلام لا يعقل، حماس خاضت الانتخابات، والجميع كذلك، واختارها الشعب الفلسطيني، فلماذا هذه التصنيفات التي تعبر عن توجه ضد الديمقراطية نفسها.
* ولكن بعض القراءات السياسية ترى أن السلام في خطر؟
- ومتى لم يكن السلام في المنطقة في خطر؟ شارون رفض الاعتراف باتفاقيات أوسلو، وأعلن أن خريطة الطريق ماتت، مقابل ذلك من حق حماس أن تعلن موقفها، وأعتقد أن الشعب الفلسطيني أيدها واختار برنامجها السياسي.
* هل ثمة رابط ضمني بين فوز حماس والانتقال السلمي للسلطة في الكويت والالتزام بالدستور؟ وهذه الردود القوية ضد الإساءة لرسول الله؟
- هذه أمور تبعث على التفاؤل والأمل في يقظة الأمة، ونهوضها من كبوتها، بعد سبات عميق وفرقة واختلاف وتآكل الجميع على قصعتها.
*مقابل تلك اليقظة، هناك من يقول إن الصحوة الإسلامية في حالة مد وجزر؟ وأنها فرخت الإرهاب؟
- هذا كلام غير صحيح، الصحوة الإسلامية بعلمائها ودعاتها وطلبة علم وشباب، أول من وقف في وجه المنحرفين فكريا من تكفيريين ومتطرفين وسفاكي دماء، وكشفوا زيفهم وإساءتهم للدين. وغير صحيح أن الصحوة في حالة مد وجزر، بل هي في تمدد والدليل إذا أجريت أي انتخابات حرة في دولة إسلامية فاز فيها الإسلاميون.
* بصفتكم من العناصر البارزة من المشايخ والدعاة الذين شاركوا في لجان مناصحة الموقوفين في القضايا الأمنية، أين وصلت لجان المناصحة بعد عام ونصف من انطلاقتها؟
- الحمد لله النتائج تبشر بكل الخير، والاستجابة من الموقوفين فوق ما نتخيل، وعدلت الأكثرية الساحقة عن أفكارها، وأفرج عن المئات بعد أن ثبت صدق توجههم وإقلاعهم عن آرائهم، ولقد بدأنا بعد إجازة العيد، وستكون هناك أخبار سارة جدا قريبا، حيث سيتم بإذن الله الإفراج عن مئات من الموقوفين بعد أن تيقنت الجهات المسؤولة من صدق توجههم وتصحيح أفكارهم وندمهم على ما حدث، وهؤلاء لم يتورطوا في أي أمور جنائية. لقد رأينا هؤلاء الشباب بعد إجازة العيد أكثر إصرارا على المشاركة في بناء مجتمعهم، والندم على ما فات، ونسأل الله لهم وللجميع التوفيق. وماذا عن الذين خرجوا، هل تراجع أحد منهم عن تصحيح أفكاره؟ لم يثبت قط أن انتكس أحد منهم وهذا من فضل الله. هناك من تزوج، وهناك من التحق بوظيفة جديدة. جميعهم يعيشون حياة عادية.