التصدي (للغارة) على الحبيب صلى الله عليه وسلم

د. تـنـيـضـب الـفـايـدي

إن مشاعر الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين ثابتة، ويبقى الحب متقداً، حيث إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القلب، ويصدقه العمل وفق سنته صلى الله عليه وسلم مما يبقي الشوق وجذوته في مشاعر المسلم وأحاسيسه طوال حياته، لأن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكمن في كل قلب مؤمن به صلى الله عليه وسلم، بل إن حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم قوت القلوب، وغذاء الأرواح المؤمنة، وحبه صلى الله عليه وسلم شرط الإيمان، فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين». وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، ومن هذه الثلاثة من كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما».

وفيما يلي بعض الخطوات الإجرائية لمقابلة الغارة الشرسة والحرب الطاغية الظالمة على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومقابلة نار الفتنة التي كلما خبت زادها المتربصون بالإسلام اشتعالاً:

أولاً: تعميق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين ولا سيما الطلاب والطالبات وذلك عن طريق:

- الأسرة: يتناول أفراد الأسرة جانباً من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بين فترة وأخرى سواء من حيث كمال صفته، ونسبه، ودعوته، ورحمته وجوده، وكمال صبره، وعدله، وتواضعه، وكمال آدابه، ودراسة غزواته ونتائجها وجهاده في سبيل الله لتبليغ الرسالة، وقيادته وشجاعته.. وعلاقته مع الدول المعاصرة لبعثته صلى الله عليه وسلم، وفضل الصلاة والسلام عليه وتطبيق ذلك.

- المؤسسات التربوية من مدارس ومعاهد وكليات: تقوم كل مؤسسة تربوية بتقديم قبس من سيرته وتقديم الجوائز العلمية للبحوث التي تتناول هذه السيرة بأسلوب مميز وعصري، وتوظيف النشاط باختلاف أنواعه سواء النشاط المستقل أو النشاط المصاحب للمادة وذلك للاهتمام بصاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام واختيار بعض كلمات حب المصطفى صلى الله عليه وسلم ضمن كل إشعار يصل إلى يد الطالبة أو الطالب، سواء كان ذلك حديثاً أو حكمة أو أي عبارة تدل على ذلك الحب.

- توظيف وسائل الإعلام باختلاف أنواعها (المسموعة والمرئية والمقروءة) حيث تركز في برامجها على جوانب من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والحب والتقدير الذي يحمله أصحابه بين جوانحهم ونماذج من الحب، ويكون ذلك بلغات مختلفة ولا سيما الانجليزية والألمانية، والفرنسية، والاسبانية وخاصة أن معدي البرامج ومقدميها ومخرجيها يمثلون الصفوة المثقفة وهم غيورون على ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: لنا في رسولنا الكريم القدوة الحسنة عند مقابلة هذه الفتنة فقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنواع الأذى فلم يزده ذلك إلا صبراً وتحملاً، كما لم يزده جهل الآخرين عليه صلى الله عليه وسلم إلا حلماً وعفواً حيث لم يُعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تجاوز على أحد ولو بكلمة أو زلة ولم تحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أي هفوة ذلك لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» لذا فقد تأدب بأدب ربه حيث وصل من قطعه وعفا عمن ظلمه أو تجاوز عليه، وأعطى من حرمه، ويعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى لكل خُلُق فاضل ليتمثل به أصحابه ولمن تبعهم من المسلمين الصادقين في الأولين والآخرين، وهو القدوة في الحلم والصبر حيث تعددت صور حلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم، لذا يحتاج الأمر إلى نشر نماذج من الصور المشرقة مع ترجمتها لمواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أساء إليه:

- حيث عفا عن من حاول قتله فقد روى البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة وعلق بها سيفه، ونمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا وإذا عنده أعرابي فقال: إن هذا اخترط عليّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده مصلتاً فقال من يمنعك مني، فقلت الله ثلاثاً، ولم يعاقبه وجلس، علماً بأن هذا الرجل لم يسلم حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة: أتشهد أن لا إلا إلله إلا الله، قال: لا، ولكن أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلوك.

- كما عفا عن اليهودية التي أرادت قتله صلى الله عليه وسلم بالسم حيث روى الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها فجيء بها فقبل ألا تقتلها فقال: لا.

ثالثاً: إن المعاملة بالمثل ورد الكلمة بأكبر منها أو بتصرف غير منظم وليس له مرجعية مسؤولة يؤدي ذلك إلى نشر ثقافة الكره والحقد والغلظة، وترديد الوعد والوعيد في وسائل الإعلام لا يمثل الأسلوب الأمثل ولا سيما عند دراسة السيرة المباركة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلوب التعامل المميز مع الآخرين ولا بد من التحرك ضمن إطار مخطط له وإظهار أمثلة من تعامله مع أهل الكتاب والمشركين وعفوه عنهم (مترجمة بلغاتهم)، وقد خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم} ويتم ذلك بالسلوك والتصرف الذي يقدم النموذج والقدوة الحسنة.

ولوجود قاعدة «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة «وقاعدة» عدم سب المشركين خوفاً من أن يسبوا الله سبحانه وتعالى وذلك تطبيقاً لقوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدْواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون}. لذا فإن إشاعة هذا الهجوم وتوصيف (الكاريكاتير) في وسائل الإعلام بما في ذلك وسائل الإعلام العربية والإسلامية باختلاف أنواعها تزيد من جراحات المسلمين، لذا وجب عدم تكرار الوصف، ويكتفى بعبارات عامة واتباع أساليب أخرى مثل المقاطعة الاقتصادية التي أتت ثمارها حالياً ولله الحمد. أما إشاعة الهجوم وترديد الكلمات والوصف لما يقولون للرد عليه فإن ذلك يزيد الأمر سوءاً كما هو حاصل الآن حيث إن جميع الرسائل الإعلامية ولا سيما الصحف الأوروبية وغيرها أشاعت بين جماهيرها ما عمدت إليه الصحيفة الدنماركية ونحن - المسلمين - نؤمن إيماناً كاملاً بأن الله سبحانه وتعالى قد كفى رسوله صلى الله عليه وسلم المستهزئين. قال تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين}.

رابعاً: نظراً لأن الإسلام يواجه عداء أهل الديانات المحرفة وإجماعهم واجتماعهم على ذلك، وبين فترة وأخرى تشن ضده غارات مختلفة، فأحياناً يهان كتاب الله «القرآن الكريم» وأحياناً رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحقد على الإسلام يتجدد من كنيسة أو كنيس حيث يعمل منسوبوها إلى إيقاد جذوة (الحروب الصليبية) ورؤساء بعض الدول أعادوها (جذعة) لأن كرههم للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم التصق بأفئدتهم وأعادوا صياغة العالم بأكمله وفق خططهم فقط ضمن إطار موحد لا تخرج عنه أي دولة في الكرة الأرضية ويسمى هذا الإطار «العلاقات الدولية» وما تفرع عن ذلك من العولمة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الدول الأوروبية التي تستعدي بها الدنمارك حالياً ضد العالم الإسلامي وقد نجحت في ذلك.

لذا يجب مقابلة ذلك بأسلوب متزن وحكيم مرة بعد أخرى مع (الترجمة بعدة لغات) موقف الإسلام من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بما هم أهله من التوقير والاحترام والإيمان بهم عليهم السلام، حيث إن ذلك من أركان الإيمان كما هو معروف، وتناول القرآن الكريم مواقفهم مع أممهم في سبيل نشر العقيدة وتوحيد الله سبحانه وتعالى، لذا فإن إظهار الإيمان بهم وحب المسلمين لهم وذلك في وسائل الإعلام المختلفة وفي المواقع الإلكترونية والبرامج الموجهة وإظهار دور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في تعظيمه لأولئك المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا سيما سيدنا عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم - رسول الله للنصارى - وسيدنا موسى عليه السلام وسيدنا يوسف عليه السلام وهما من رسل الله إلى بني إسرائيل وغيرهم من الرسل فقد كان يعظمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحمل لهم الثناء والتقدير وكمثال لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيدنا يوسف عليه السلام: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».

 http://www.alriyadh.com/2006/02/10/article129590.html

1
3624
تعليقات (0)