صلاح عبدالشكور
بسم الله الرحمن الرحيم
أسف المسلمون جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها لما حصل من إساءة عظمى ونكاية كبرى طالت نبينا الأكرم ورسولنا المعظم صلوات الله وسلامه عليه، تولى كبر هذه الإساءة طغمة من أولي الكفر الحاقدين على الإسلام والمسلمين. وإن المرء المسلم ليقشعر قلبه ويرتجف فؤاده وتغلي الدماء في عروقه حرقة وحسرة وهو يشاهد تلك المهازل المخزية التي نالت من شخصية أفضل إنسان وأجل مخلوق؛ وكم آذت والله هذه الرسومات قلوب المسلمين وجرحت مشاعرهم وأسالت مدامعهم، واللهَ نسأل أن يثأر لنبيه الكريم من هؤلاء المعتدين ويرينا فيهم شديد بأسه وأليم عقابه في الدنيا قبل الآخرة .
وفي خضم هذه الحادثة التي هزت قلوب المسلمين في كل مكان تلوح في الأفق البعيد بشارات خير وسحائب أمل تظلل الأمة المحمدية التي لن تُكسر بإذن الله مهما علا الباطل واستأسد الباغي؛ فها نحن نشاهد تلك اللحمة الواحدة والجسد الواحد قام بأكمله منافحاً وذاباً عن هذا النبي الكريم فيما رُمي به، وإن هذا الاهتمام الكبير والتعاطف الجم الذي أبداه الجميع صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً مع الحملة الشعبية لنصرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ليؤكد لنا أن الأمة وإن نامت زمناً فإنها لم تمت وستفيق بإذن الله ...
وهذا الحدث الكبير ينبغي أن لا يمر كغيره من القضايا الإسلامية التي تصاحبها ثورة وحماس في بدايتها ثم لا تلبث أن تخبو وتنطفئ؛ بل الواجب أن نعمل كل ما من شأنه جعل القضية في صالح المسلمين والتفكير الجاد للخروج بدروس وعبر وبرامج وخطط نستفيد منها في حاضر قضيتنا ولاحق أمرنا؛ لأن هذه القضية وإن كانت ضد المسلمين في الظاهر وضد ثوابتهم إلا أنها أفرزت جوانب طيبة وأظهرت مكامن ثمينة في نفوس الناس جميعاً حتى أولئك المعرضين عن الله ورسوله.. وعند استقراء هذا الحدث الأليم نجد أن ثمة دلالات تكشف اللثام عن وجهها يجب أن تكون هذه الدلالات راياتٍ هادية وإشاراتٍ مرشدة في ظل الوضع الذي تعانيه أمتنا الإسلامية أدام الله عزها ورفع رايتها ...
الإشارة الأولى: أهذه حريتكم ؟!
أفٍ ثم تف .. وضربة بخف إن كانت الحرية كهذه فباسم حرية التعبير أساءوا الأدب واستطالوا على الحرمات والمقدسات، ورموا القمم الشماء بأحجار السخرية والاستهزاء وعبثت أقلامهم بتلك الكاركاتيرات، وبهذا يكون الدنماركيون وأذنابهم في الغرب قد لقنونا درساً طويلاً مفصلاً في الحرية التي يدعون إليها، العجيب الغريب أن بعض طلبة رضا الغرب بالطيب والخبيث ممن تربوا في حجر الأفاعي وارتضعوا من ثقافات قليلي الأدب ومزوري شهادات حسن السيرة والسلوك كانوا ولا يزالون يرفعون عقيرتهم بالدعوة إلى تتبع خطا الغرب في حريته وسماحته وانطلاقته إلى آخر ما هنالك من القيم الجوفاء التي كانوا وما زالوا يصورونها على أنها المنفذ والمخرج لكل أزمات الشرق ومصائبه وما لبث الأجدان حتى انكشفت الحقائق وأميطت الأقنعة وتهاوت تلك الدعاوى واحدة تلو الأخرى ببراهين واقعية لا يملك أحد أن يقف في وجهها أو يؤول مدلولاتها فمن منع الحجاب في فرنسا ومروراً بإهانة المصحف الشريف في مراحيض غوانتنامو إلى الاستهزاء بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم وما قبل ذلك، أدلة توضح أن مبادئ الغرب كلها تطفو على فوق بلاقع آسنة لا رصيد لها في الواقع سوى العبارات المنمقة والشعارات الزائفة، وكل سعيهم في خدمة مصالحهم وذواتهم لا أقل ولا أكثر، وكثيراً ما يفصحون عن هذه النوايا السيئة ونظرتهم الدونية للمسلمين وكأنهم يريدون تحقيق سيادتهم وملكيتهم لمن في الأرض وأن جميع الخلق سواهم خدم لهم، هذا هو الغرب في صورته الحقيقية وزيه الأصيل دون رتوش أو زخارف (وما تخفي صدورهم أكبر) وحتى قضاء الغرب ودساتيره وقوانينه أراد الله أن يفضح زيفها ويعري عنها لبوسها ليس للمسلمين فحسب بل حتى للمنصفين من الغربيين؛ فكيف يُساء الأدب مع شخصية يؤمن بها أكثر من مليار مسلم ثم تقول محاكمهم وقضاتهم إنها حرية تعبير والقضية لا تستحق الرفع والمقاضاة، ماذا نتوقع من الغرب وماذا ننتظر منهم إذا كانت هذه نظرة القضاء الغربي وأرباب عدالتهم ...
أليس في هذه الفضائح والممارسات الغبية وخزة ضمير لكل منبهر بالغرب وأخلاقه وقيمه؟!
الإشارة الثانية: دورك أيها المسلم:
كل فرد مسؤول عن هذه القضية وكل الدول الإسلامية بكافة مؤسساتها وأنظمتها تحمل جزءً من مسؤولية الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لشرف وفخر أن يقف المسلم مدافعاً وذاباً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكم هو جميل أن نرى كل تلك الجهود الفردية أو الجماعية التي كانت بادرة خير من أمة خيّرة.
ولقد تواترت الدعوات بأهمية المقاطعة الشعبية لسلع ومنتجات الدنمارك، وهي دعوات بلا شك في محلها، إذ المقاطعة سلاح فتاك يورد موارد الهلاك نسأل الله أن ينتقم من شاتمي رسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي علينا أيضاً أن نهتم بالمقاطعة الشرعية لكل أخلاق وعادات وعبادات الكفار وبغض كفرهم وضلالهم وهي الشعيرة التي جاء بها الإسلام لتكون أوثق عرى الإيمان إنها الولاء لله ولرسوله والبراء من الكفر وأهله، ثم إن من المتحتم على الجميع صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً أن نرجع بقوة إلى المعين الذي لا ينضب، والنور الذي لا يخبو؛ إلى سيرة أفضل البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكم غفلنا عن هديه وشمائله ، وكم بعدنا عن سيرة هذا النبي المعصوم التي لو جعلناها محور حياتنا ومنهاج سيرنا لأفلحنا في الدنيا والآخرة، فلا بد بعد هذه الانتفاضة الشعورية نحو نبينا والتي أحدثتها تلك الإساءات؛ لابد أن تكون هناك وقفات ودعوات من الدعاة وأصحاب الرأي في تكثيف الدعوة لدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم دراسة واعية تواكب الحياة المعاصرة في شتى مناحيها وتستشرف المستقبل بكل ما يحمله من تغيرات وتقلبات وملابسات، حتى تكون هذه السيرة العطرة هدايةً ونوراً لجميع البشر على مر الليالي والأيام .
الإشارة الثالثة: أكل هذه نستوردها من أعدائنا؟!
طار بي العجب وأنا أقلب نظري في بعض القوائم التي نُشرت هنا وهناك عن المنتوجات الدنماركية! وتساءلت أين منتجاتنا المحلية ولماذا نستورد كل هذه الأطعمة الضرورية من أقوام يسبون نبينا ويتعرضون لأقدس مقدساتنا بعد كتاب الله ! ولماذا لا تتوجه جهودنا نحو خطة مستقبلة تبدأ من الآن وعلى أيدي رجال أعمالنا وتجارنا من أصحاب الأموال وهم كثرٌ ولله الحمد؛ لإنشاء المصانع والمؤسسات التي تعنى بتوفير حاجات مجتمعاتنا المسلمة بأيدٍ مسلمة وحتى تحقق اكتفاءً ذاتياً يُغنيها من استيراد أطعمتها وحاجاتها من الغير، وفي ذات الوقت توفر الكثير من فرص العمل لأجيالنا، وهذه الخطوة ليست بمستبعدة أو مستحيلة؛ فكم في عصرنا من نماذج وضاءة لدول أعادت نفسها إلى الحياة بل إلى فورة الشباب والقوة بعد أن شارف الهلاك سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أعرف أن هذه الخطوة تحتاج إلى عشرات السنوات ولكن الأمل معقود بعد الله في جهود رجال الإعمال والتجار المسلمين إلى سنّ الخطط ووضع الآليات الكفيلة بإصدار مأكولاتنا ومشروباتنا من بلداننا الإسلامية، ولعل هذه الأزمة كشفت مدى حاجة السوق الإسلامي والمستهلك المسلم إلى بدائل إسلامية تغنيه وتسد حاجته .
الإشارة الرابعة : وقفة تستحق الإشادة
حكومة خادم الحرمين الشريفين وشعب المملكة العربية السعودية كعادتهم من أوائل المتصدين لهذه الحملة الجبانة، ومنذ ظهور هذه القضية على السطح توالت المواقف الرسمية والتنديدات الشعبية مما حدا ببقية الدول والشعوب إلى تكثيف وقوة هذا التصدي فلهذه الحكومة ولشعبها أجزل الشكر وأوفره ولن أنسى هنا أن أسجل شكري وتقديري بل شكر وتقدير الأمة الإسلامية لجميع تجارنا ورجال أعمالنا الذين وقفوا في وجه البضائع الدنماركية وقاطعوها وساعدوا الناس على مقاطعتها، بل تبرع بعضهم لإطلاق حملات ترويجية للمقاطعة وإقامة مسابقات في السنة النبوية المباركة، فلهم سلام تعظيم فبجهودهم أولاً ثم جهود أفراد المسلمين تكبدت المؤسسات والشركات الدنماركية خسائر فادحة لن تقود لها بعد اليوم قائمة، فحسب آخر الأخبار التي نشرتها اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم أن شركة (أرلا فودز) الدنماركية المتخصصة في منتجات الألبان تخسر يومياً مليون جنيه استرليني أي ما يعادل (1.8 مليون دولار أمريكي)، فلتدلل الدنمارك أبقارها الآن جعل الله كيدهم في وبال وأمرهم في سفال .