بسم الله الرحمن الرحيم
( المقاطعة ليست أبديّة . وإنما هي وسيلة لغاية )
الدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني المشرف العام على موقع اللجنة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله . وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد : فإني لا أريد التحدث في هذا المقال عن الحكم الشرعي عن المقاطعة التجاريّة ، فقد تكفّلت بذلك بحوثٌ عدةّ ورسائل جامعيّة ، وإن كانت مشروعيّتها على وجه الإجمال ظاهرةً من النصوص الشرعيّة العامّة ومن مقاصدها الكبرى ، بل في النصوص ما يدل عليها على وجه الخصوص ، ومن هذه النصوص حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن قصّة ثُمامة بن أثال الذي كان من سادات أهل اليمامة ، وأسلم على يد النبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة : " فلمّا قدم مكّة ، قال له قائل : أَصَبوْت ؟ فقال : لا ، ولكني أسلمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا ( والله ) لا تأتيكم من اليمامة حبّةُ حنطةٍ ، حتى يأذنَ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ".
كما أنّي لا أريد أن أتحدّث عن واجب نُصرة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فهو من المعلومات من الدين بالضرورة ، وممّا أجمع المسلمون عليه . بل أجمع العقلاء من بني آدم على تعظيم عظمائهم ، وعلى الدفاع عنهم ضدّ كل مُعْتدٍ عليهم .
لكني أريد أن أتحدّث عن المقاطعة باعتبارها واقعاً في الساحة الإسلاميّة اليوم ، لم تنتظر قراراً سياسيّاً من الحكومات ، ولا فتاوى شرعيّة من العلماء بالوجوب أو الاستحباب ، وإنما كانت تعبيراً فرديّاً . وجد المسلمون أنفسَهم منقادةً إليه ، للقيام بواجب النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذه المقاطعة التي اتفق عليها المسلمون إنجازٌ عظيمٌ للأمّة الإسلاميّة ، له دلالاته الكثيرة المبشِّرةُ بالخير ، وفيه دليلٌ على أن قضايا الأمة الكبرى ما زالت تتعدَّى كل الحدود والخلافات ، وهذا يدل على مقدار ما وصلت إليه الأمة الإسلاميّة من الوعي بضرورة الوحدة ، في مواجهة العدوّ المشترك .
وهذا الانجاز لا يصح أن يفوَّت ، ولا يصح أن يكون بلا هدف ، ولا يصح أن يكون انفعالاً سرعان ما يفتر .
فماذا نريد من المقاطعة التجاريّة بعد أن أصبحت انجازاً للأمّة ؟
الجواب إنما يتّضح بتحديد حقيقة هذه المقاطعة : هل هي وسيلة ؟ أم غاية ؟
من جعل المقاطعة غايةً ، جعلها مقاطعةً أبديّة لا تنتهي مهما حصل. وهذا انفعالٌ ، أكثر من كونه رأياً مدروساً .
وأما من جعل المقاطعة وسيلة لغاية فلا بُدّ أن يحدّد لها أهدافاً معيّنة، إذا ما تحقّقت هذه الأهداف ، انتهت المقاطعة .
ولا يختلف اثنان – بأدنى تأمُّل – أن المقاطعةَ وسيلةٌ وليست غاية ، ومن ثَمَّ : لا بُدّ من تحديد هدفٍ لها ، إن تحقّق أوقفنا المقاطعة .
وهنا أذكّر بخطأ قد يقعُ من بعض الناس: إذا ما خلطوا بين كون جريمة الاعتداء على النبيّ صلى الله عليه وسلم حقَّاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده ، لا يسقط بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أبداً ، ولو بإعلان التوبة والاعتذار ، خلطوا بين هذا الحكم وحكم المقاطعة ؛ لأن ذلك الحكم يختصّ بالمعتدي وحده ، ولا علاقة له بأبناء أُمّته ودولته الذين لم يشاركوه الاعتداء ؛ فما علاقة الشركات التجاريّة بذلك المعتدي ؟!
إذن فاعتقاد أن المقاطعة أبديّة لا يصح ، واعتقاد أنّها أبدية حتى يُعاقَبَ المعتدي بالعقوبة الشرعيّة لا يصح كذلك ، ومحاولة تطبيق هذه العقوبة بغير الوسائل القانونيّة مفاسدُهُ أكثر من مصالحه فهو لا يصح أيضاً .
إذن لا بُدّ من تحديد أهدافٍ لإنهاء المقاطعة ، وهذه الأهداف تحتاج دراسةً متأنّية ، تراعي أموراً عدّة ، منها : قوّة أثرها ، والقدرة على الاستمرار عليها ، وربما القدرة على تنفيذها أصلاً ، والضغوط المترتّبة عليها : هل نَقْوَى على مواجهتها أم لا ؟ هذا وغيره بعض مما يجب أن يُراعى عند تحديد أهداف المقاطعة .
وأحد أهمّ أهداف المقاطعة التجاريّة مع الدنمارك: الاطمئنان إلى أنّ تلك الإساءة لن تتكرّر ، وهذا لن نصل إليه بغير الاعتذار الصريح من الصحيفة ومن الحكومة ؛ لأن الاعتذار الصريح الذي يتضمّن الاعتراف بالخطأ ، والذي لا يبرر الخطأ بحرية التعبير أو بأي شُبهةٍ أخرى= يتضمّنُ أيضاً تعهُّداً بعدم تكرير الخطأ .
وهذا الهدف ( وهو الاعتذار ) قد يقوم مقامَه مصالحُ أخرى تقاربه أو تفوقه في الدفاع عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي القيام بالمقدور عليه من واجب نُصرته صلى الله عليه وسلم .
وللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم عنايةٌ كبيرةٌ بدراسة ذلك كُلّه ، وهي جهة اختصاص ، وصاحبةُ مبادرة في هذا الحدث ، ولها بموقعها اتّصال مباشر . وقد حدّدت أهدافها ، وعُنيت بتطورات الأحداث المتسارعة ، وما يستوجبه كل حدث من موقف ، فنرجو العناية من عموم المسلمين بتوجيهات اللجنة ، وأن تكون صاحبة مرجعيّةٍ مهمّة لإدارة هذا الانجاز العظيم ، الذي لا يصح أن يبقى بغير توجيه وإرشاد ؛ لاستثماره في صالح قضيتنا ، وهي نصرة النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
كتب / الدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني المشرف العام على موقع اللجنة
6 محرم 1427 هـجرية