زين العابدين الركابي
1 محرم 1427هـ الموافق 31 يناير 2006م
إلى قادة الكنائس: الكاثوليكية والبروتستانت والأرثوذكس في العالم
الموضوع : سخرية صحيفة دانمركية ونرويجية من نبي الإسلام.
داعي الرسالة وسببها المزدوج: واجب رجال الدين الأخلاقي نحو الأنبياء عليهم السلام، وهو الواجب الذي لم يؤده حتى الآن قادة هذه الكنائس تجاه هذه القضية.
أيها القادة الروحيون للعالم المسيحي.
لم يشأ الله أن يجعل الناس أمة واحدة :{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}...
لا يزالون مختلفين في عقائدهم ومناهجهم ومذاهبهم.. ولو أراد الله جَعْلَهم غير مختلفين لفعل، ولكنه لم يرد ولم يفعل.. يتأسس على هذه الحقيقة : ان تبادل الاجتثاث والنفي والإقصاء بين الأمم: مخالفة لإرادة الله وحكمته..ولهذه الحكمة مظهر عقلاني بشري وهو: أن الاجتثاث أو النفي المتبادل: أمر غير مستطاع من الناحية العملية بدليل أن الحروب التي جرت بين العالمين الإسلامي والمسيحي تحت هذه الراية أو تلك لم تستطع أن تجتث طرفا من أطراف النزاع من الأرض. فلم يزل في قارات الأرض الست: مسلمون كثر ومسيحيون كثر.
وفي ظل هاتين الحقيقيتين –الأصلية والمبنية عليها- : ليس هناك خيار بين المسلمين والمسيحيين إلا خيار( التعايش) على هذا الكوكب الفسيح الذي خلقه الله للبشرية كلها دون نبذ ولا احتكار .
وعماد هذا التعايش هو: ( الاعتراف المتبادل )بـ ( الوجود المعنوي للطرفين أو العالمين..
ويقتضي هذا الاعتراف أول ما يقتضي :احترام أعظم ما لدى الأمتين من رموز ومقامات دينية ومما لا شك فيه: أن أنبياء الله ورسله هم أشرف هذه الرموز وأقدسها.
وأنتم عليمون بأن المسلمين يؤمنون بالسيد المسيح عيسى بن مريم – عليه السلام – نبياً رسولاَ وجيهاً في الدنيا والآخرة.
ولذا يحرم عليهم – بإطلاق رد الإساءة بمثلها: وهذه مسؤولية أخلاقية لا نحسبكم – كرجال دين – إلا مقدرين لها . فمن خصائص العقلاء: تقدير من يعظم مقاماتهم ورموزهم الدينية .. ومن مظاهر التقدير: أن يكافأ المسلمون المؤمنون بالمسيح، المعظمون له ، ولأمه الطاهرة مريم بنت عمران – عليهما السلام - : أن يكافئوا من قِبلكم بما يحفظ مقام نبيهم وكرامته من حيث احترامه، وتقدير شعور المؤمنين به ، لا من حيث الإيمان به، فلسنا نكره أحدا على الإيمان ، إذ الإيمان اقتناع اختياري حر في منهج الإسلام.
أيها القادة الروحيون للعالم المسيحي .
لقد روع العالم الإسلامي وصدم بما نشر في صحف دانمركية ونرويجية وفرنسية وألمانية وأسبانية وغيرها من إساءات شنيعة ضد نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه ، وعلى المسيح عيسى بن مريم ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم.
إن هذا النوع من الإعلام الطاعن في مقدسات المسلمين يرفع- بلا ريب – معدلات التوتر الديني بين أتباع الديانتين ، وهو توتر يفسد- بلا شك – مناخ التعايش، ويقوض أسس السلام الذي دعا إليه السيد المسيح وعاش من أجله وله ، ويغذي نظريات الصراع بين الأمم بمزيد من وقود الاشتعال والصدام.
ومن حقكم المعرفي علينا أن ننقل لكم – بأمانة دينية وأخلاقية – مشاعر المسلمين واستنتاجاتهم وتساؤلاتهم في هذه القضية العقدية المركزية بالنسبة لهم .
إن المسلمين المصدومين- بعمق – بالإساءة الموجهة إلى نبيهم الكريم ، وحبيبهم العظيم يتساءلون-عامتهم وخاصتهم- : أين صوت قادة الكنائس المسيحية في هذه القضية الدينية الأخلاقية ؟ ..
ولماذا التزموا الصمت ؟ .. هل يعادوننا إلى هذا الحد في حين أن القرآن يخبرنا بأنهم أقرب الناس مودة للمسلمين. فماذا حدث ؟ .. ومن المسلمين من يقول : أن هؤلاء القادة راضون بالإساءة إلى نبي الإسلام. وهذا استنتاج لا دليل عليه حتى الآن.. ومنهم من يحسن الظن فيقول : إن الأمر يتطلب فرصة للدراسة والتأمل والتدبر.. فيرد آخرون : إن هذه الفرصة قد طالت في مسألة واضحة لا تتطلب بحثا طويلا.
أيها القادة الروحيون للعالم المسيحي.
نظراً لفداحة الإساءة، وعمق الجرح ، وخطورة الموقف المؤثر – سلبا – على العلاقة بين العالمين : الإسلامي والمسيحي .
نظرا لذلك كله : نرغب إليكم أن تتحدثوا ولا تسكتوا . أن تتحدثوا بالحق، كما كان المسيح يفعل. ففي الحديث الحق : عدل وإنصاف وعقل وسماحة ، وهي مكارم لا تتوافر في موقف السكوت.. ثم إن في السكوت ما يغري آخرين بمثل إساءة صحف دانمركية ونرويجية: اعتمادا على أن هذه الإساءات مرضي عنها من القادة الروحيين المسيحيين الكبار.
وستقابل الإساءات المحتملة بردود فعل إسلامية عامة متوقعة، وعندئذ تكون فتنة دينية على مستوى الكوكب، لا نحسب أن عاقلا يتسبب فيها حيث أن الجميع سيصطلي بنيرانها.
فتحدثوا، ولا تصمتوا: خدمة لتعاليم السيد المسيح .. وحفاظا على نسيج العلاقات القائمة بين الأمتين: وتعزيز السلام العالمي الذي هو أمنية الجميع ومطلبهم الدائم.
ولقد رفع القرآن ذكر داعية السلام الكبير عيسى بن مريم حين أخبرنا بأن المسيح قد قال : {والسلام عليَ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا }.
زين العابدين الركابي