إدجار برونفمان
هو رئيس المؤتمر اليهودي العالم بنيويورك.
صحيفة عرب نيوز 1 فبراير 2006م
بالرغم من أن حرية التدين وحرية التعبير هما من الحقوق الأساسية، إلاّ أنهما في بعض الأحيان تتصادمان فيما بينهما كما الحال في الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرت مؤخراً في صحيفة يلاندز بوستن الدنماركية، والتي تصور النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وقد فجر هذا الأمر موجة غضب عارمة بين المسلمين، ليس في الدنمارك وحدها، بل في كافة أنحاء العالم الإسلامي، ومن المعلوم أن الإسلام يحرم رسم صورة محمد.
إن القضية التي نحن بصددها الآن لا علاقة لها "بالرقابة الذاتية" التي يدّعي المحرر الثقافي بالصحيفة، فلامينغ روس Flemming Rose، أنها حدثت في أوروبا منذ مقتل المنتج السينمائي الهولندي ثيو فان جوخ Theo van Gogh. وعلى أية حال فإن احترام المعتقدات الدينية الأخرى والتقاليد والشعائر يجب على كل الناس، بما في ذلك المسلمين.
نحن نفضل كلمة "احترام" على كلمة "تسامح" فكون المرء متسامح ليست فكرة إيجابية، بالإضافة إلى ذلك "الاحترام" ليس مفهوماً أحادي الجانب، بل هو مفهوم متبادل. فإن كان نشر هذه الرسوم الكاريكاتيرية متعمداً لإثارة غضب المسلمين وإثارة الرأي العام في الدنمارك، كما يبدو من كلام روس Rose، فهذا أمر خاطئ.
وإن ما فعلته هذه الرسومات، هو أنها نجحت في إثارة غضب جميع المسلمين بدلاً من التركيز على ؤلئك المتعصبين الذين يفضلون الإرهاب.
وفي بعض الأحيان، قد تكون الاستفزازات ضرورية لإيقاظ الناس من سباتهم. فعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية، لم يكن المؤتمر اليهودي العالمي بمنأى عن هذه الأمور. ولكن العادات والممارسات والمعتقدات الدينية يجب احترامها من قبل أتباع الديانات الأخرى، وغير المؤمنين بالأديان على حد سواء، لأن هذا يعد شرطاً أساسياً لكي يكون المرء محترماً.
وبالرغم من أن حرية التعبير حق شخصي، فقد تكون مخالفة في نظر القانون أن تصيح "حريق حريق" في صالة مزدحمة، لما قد يسببه ذلك من رعب وأذى جسدي. ولذلك فإن القول أو الفعل الذي يُتوقع أن يثير ردة فعل قوية وغضب-حتى لو كان غير مبرراً- يجب أن يخضع لقيود، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالمعتقدات الدينية.
إن الاحترام المتبادل بين أتباع الديانات المختلفة هو من الأمور الأساسية لإنهاء الكراهية، وخلق عالم أفضل. إن تدنيس أي كتاب من الكتب المقدسة نعتبره إهانة لنا. وإن تدنيس القرآن أو التوراة أو الكتاب المقدس لدى المسيحيين، أو أي من المواقع الدينية، يجب أن نعتبره اعتداءا علينا جميعاً. والاحترام المتبادل يعني ببساطة: أن تحترمني وما أؤمن به، وأن أحترمك وما تؤمن به.
إن الإثارة والاعتداء المتعمد ضد الأقلية الصغيرة من المسلمين في الدنمارك كان أمراً خاطئاً. نعم، على المهاجرين أن يتحاور مع المجتمعات التي تستضيفهم، سواء كانت هذه المجتمعات مسلمة أو يهودية أو مسيحية، مع الاحتفاظ بهوياتهم الخاصة ومعتقداتهم وعاداهم وأديانهم. ذلك لأن المجتمعات المتوازية التي لا تجمع بينها نقاط التقاء، تمثل أرضية خصبة لظهور المتعصبين والمتشددين، وفي النهاية الإرهابيين. ولا تنجح الهجرة في بعض الأحيان، لأن المهاجرين لا يبذلون جهداً كافياً. ولكن في أحيان أخرى، قد يكون الأمر أكثر صعوبة عندما يكون البلد المضيف قاسياً وغير متسامح.
ومن مسؤولية الحكومات والهيئات التشريعية أن تتأكد من أن المهاجرين لا يعاملون معاملة رعايا البلدان المحتلة حديثاً (كما يقول بعض الشعبيين)، ويعاملون باحترام. والذين يحاولون التكامل مع المجتمع يجب الترحيب بهم، ويجب أن يُسمح لهم أن يقوموا بما هو أكبر من مجرد دفع المساهمات للصناديق الضريبية في بلدانهم الجديدة.
وخلال الألفين سنة الماضية، وحتى إنشاء دولة إسرائيل، ظل اليهود دائماً يشكلون أقلية في أي بلد عاشوا فيه. وقد عانى أسلافنا من المذابح ومعاداة السامية، وأخيراً المحرقة.
إن الأكاذيب حول اليهود والديانة والتقاليد اليهودية لم تتوقف أبداً. وهي في الحقيقة، تعاود الظهور من وقت إلى آخر، خصوصاً في "الديمقراطيات الغربية" التي كنا نعتقد أنها أصبحت محصنة ضد عداء السامية بعد الفظائع التي ارتكبت في المحرقة.
ومع ذلك، ظل المفكرون والسياسيون اليهود في مقدمة المدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية والتعبير الحر. ولكن هنالك بعض القصور في الخطاب الذي يجب احترامه، ونشر المواد التي تعتبر اعتداءاً في حق أقلية دينية معينة، لا زالت قائمة. إن مناط اختبار الديمقراطيات يكمن في طبيعة تعاملها مع أقلياتها.
وعلى مدى العقود التي تلت نشر إعلان المجلس الثاني للفاتيكان (Nostra Aetate)، انخرطت اليهود والكنيسة الكاثوليكية في حوار بينهما. وهذا مثال ناجح يبين كيف أن قروناً من الظلم والكراهية يمكن التغلب عليها باستماع الطرفين إلى بعضهما البعض، بدلاً من الحديث عن الطرف الآخر فقط. إن المسيحيين واليهود والمسلمين كلهم أبناء إبراهيم، ولذلك يجب أن نتعلم الأمور التي تجمع بيننا. وبعد ذلك، ربما تبدو خلافاتنا أقل أهمية.
يجب أن نضبط أنفسنا عندما نتحدث عن الديانات الأخرى، وعند الحُكم على المعتقدات الأخرى. لسنا في حاجة إلى قوانين جديدة. ولا يمكنا أن نقيد حرية التعبير. فقط نريد أن نكبح جماح أنفسنا. وإلاّ، فسيتم ردعنا في النهاية.
إدجار برونفمان Edgar M. Bronfman هو رئيس المؤتمر اليهودي العالم بنيويورك.
أصل المقال
http://arabnews.com/?page=7§ion=0&article=77154&d=1&m=2&y=2006&pix=opinion.jpg&category=Opinion