يان معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ...

-
يان معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى بشأن حادثة نشر رسومات كاريكاتورية تخيلية للرسول محمد عليه الصلاة والسلام في صحف دانمركية ونرويجية

لقد تابع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي باهتمام بالغ تطورات الحادثة المستنكرة لنشر رسومات كاريكاتورية تخيلية للرسول محمد علي الصلاة والسلام في الصحيفة الدانمركية " يلاند بوسطن" وإعادة نشرها في الصحيفة النرويجية " ماكازينيت" .

وقد لاحظ الأمين العام أنه قد صدرت إدانات واسعة النطاق لهذه الحادثة في الدول الأعضاء على المستويات الرسمية والفردية ، وعلى مستوى المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وتعالت صيحات تعبر عن سخط وغضب المسلمين الذين أدركوا أن رمزهم الديني الأطهر، المتمثل في شخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد استهدف بالسخرية والاستهزاء. إن هذا العمل البغيض البالغ الخطورة الذي يحمل على الاشمئزاز، ينبغي أن يُفسَّر للمجموعة الدولية كي تدرك دواعي الاحتجاج عليه من منظوره الصحيح. وقد أصدر معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى بهذا الهدف البيان التالي حول تلك الحادثة مصحوبة بمذكرة عنها:

لقد شعر الأمين العام بشعور عميق من الإحباط وخيبة الأمل لفتورة اهتمام السلطات الدانمركية وقصور رد فعلها إزاء موضوع نشر صور كاريكاتورية تمس بشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الصحيفة الدانمركية " يلاند بوسطن"، لأن جواب تلك السلطات كان غير مقنع ، ولم يصدر إلا بعد ثلاثة أشهر من التسويف، بل وعجز عن أن يتعامل مع الأسباب الحقيقية التي أثارت سخط المسلمين. إن هذا الرد الذي يتضمن حماية للصحيفة، والذي فشل في انتقادها بعبارات جلية واضحة، لم يخدم قضية حرية التعبير، ولم يعزز أهداف التعددية الثقافية على المستويين الداخلي أو الدولي.

وقد شعر الأمين العام كذلك بكثير من الأسف لأن فشل السلطات الدانمركية في إدانة الصور الكاريكاتورية قد يخلق سابقة خطيرة تبدت ملامحها في إعادة نشر هذه الصور في صحيفتين نرويجيتين شجّعهما الموقف الذي اتخذته السلطات الدانمركية إزاء هذه الحادثة.

وقد استرعى الأمين العام في رسالته انتباه رئيس الوزراء الدانمركي إلى أن ارتكاب عدد من حوادث كراهية الإسلام، ودعوة الصحيفة الدانمركية المذكورة رسم صور تخيلية ساخرة للرسول محمد عليه السلام قد ينجم عنه تصعيد التوتّر الذي نصح الأمين العام بأنه يمكن تجنبه إذا ما قامت السلطات الدانمركية على الفور بشجب مقترفي التدنيس وإدانتهم. إن تقصير السلطات الدانمركية في الاهتمام بموضوع هذا التدنيس قد أجّـج مشاعر اشمئزاز وبغض الجماهير الإسلامية على مستوى عالمي، حيث اعتبروا أن السلطات الدانمركية والنرويجية بدلاً من إنقاذ الموقف باحتواء الأضرار التي تسببت بها الصحف، قامت - على عكس ذلك - بالدفاع عن مقترفي هذه المنكرات.

وقد أفسدت هذه الواقعة جو الثقة التي كانت منظمة المؤتمر الإسلامي والمجموعة الدولية تحاول بناءه في مجال حوار الثقافات. ويعتقد الأمين العام اعتقاداً راسخاً بأنه لا يوجد هناك رأيان في موضوع احترام حرية التعبير. والمسلمون بأعدادهم التي تبلغ 3ر1 مليار نسمة يتفقون تماماً في قبول حق الصحافة الالكترونية أو المطبوعة في ممارسة حريتها دون أي عائق أو عرقلة. ويؤيد المسلمون بقوة كذلك ممارسة "حرية الضمير" كأحد المبادئ التي تتفق تماماً مع مفهوم الغرب لحرية التعبير، ومع ذلك فإن على هذه الممارسة أن تأخذ بعين الاعتبار احترام القيم لأولئك الذين قد لا يتفق المرء معهم. أما فرض حق شتم الديانات الأخرى أو أنبيائها فإنه يتناقض تماماً مع جوهر مفهوم حرية التعبير،لأنه لا توجد أية ديمقراطية أو نظام قانوني أو سياسي يسمح بالدعوة والتحريض على كراهية أو شتم قيم الآخرين المقدسة أو رموزهم.

وإزاء هذه الخلفية فإن الأمين العام يتساءل كيف يمكن أن يسمي المرء عملاً مثل هذا بأنه تصرف ديمقراطي متحضّر حينما تتعمد صحيفة دعوة الناس إلى وضع رسومات للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، تسئ بوقاحة إلى شخصيته، وتظهره بمظهر إرهابي يحمل قنبلة في عمامته، أو تبديه في صورة أكبر المجرمين المطلوبين للعدالة، أو زير نساء، أو حامل خنجر وغير ذلك مما لا داعي لذكره توقيراً له. وهذه كلها انطباعات مقزّزة مريضة صاغها أفراد لا يعرفون شيئاً عن شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ومن الواضح أن دعوة صحيفة " يلاند بوسطن" كان وراءها رغبة في التحريض على الكراهية والعنف ضد المسلمين.

وبكشف هذه الصحف عن مستوى فهمها للدين الإسلامي ورموزه فإنها أضّرت بصدقيتها في نظر العالم الإسلامي، وألحقت خسارة بمفاهيم الديمقراطية، وحرية التعبير، وانتهكت اللياقة وآداب السلوك والأعراف الحضارية.

إن الدعوة لوضع رسومات للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على خلفية أعمال كراهية الإسلام، والصور النمطية للمسلمين الذين يصوَّرون - بكل غباء - كشياطين وإرهابيين هو ما أدّى إلى تخيلات نمطية تنم عن الخبث والجهل. وعندما يدافع المرء عن أعمال تدنيس المقدسات، فإنه لا يفعل سوى بذر بذور التطرف والتشدد واستثارة الرغبة في الانتقام التي ليست في صالح أي شخص يرغب في الحفاظ على قيم التعددية الثقافية. والمجتمعات الإسلامية في العالم تبذل جهدها لإنشاء مؤسسات سياسية تقوم على قيم الديمقراطية والتعددية، دون أي تردّد في أن تعترف بأصول هذه القيم الحسنة كمرجع، ولكنه إن لم تحترم الخصوصيات الثقافية والفروق الدينية، فلن يبقى هناك مجال لأي احترام لهذه القيم والحريات.

إن حرية التعبير كحق من الحقوق لا تقتصر فقط على شعب الدانمرك أو النرويج، ولكنها تنتمي إلى نظم عالمية يُحكم عليها على أساس احترام الحرية والمسؤولية في نطاقها العالمي. إن رد الفعل الغاضب للعالم الإسلامي لا يعود إلى محاولات الإساءة الموجهة للمسلمين كإرهابيين (الذين هم موضع إدانة المسلمين) ولا إلى المساس بمشاعرهم الدينية، ولكنها تعود في الأساس إلى ذلك التهجم المتعمد على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حاول من يدّعون بالدفاع عن الحرية تدنيس قداسة مركزه، ورسالته، وتعاليمه بطريقة خبيثة ماكرة.

ويناشد الأمين العام المسلمين أن يتحلوا بالهدوء والسلم أمام محاولات تشويه وتدنيس صورة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي جرحت مشاعرهم. وقد أبان بأن الدين الإسلامي باعتباره دين التسامح والرحمة والسلم، يحض المؤمنين على أن يدافعوا عن دينهم بالوسائل الديمقراطية والمشروعة. وبما أن المسلمين يتبعون ديناً مسالما، فإن على المسلمين أن يبددوا سوء الفهم المستشري لدى بعض الشعوب في العالم بواسطة الحوار المستنير، وتعاليم الدين الإسلامي العظيم ورسالة رسوله الذي تقوم تعاليمه على المغفرة وحب الإنسانية وانعتاق بني الإنسان من الإجحاف والظلم والعقائد الزائفة، بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو المذهب أو التوجهات السياسية. لقد جاءت رسالة الرسول السماوية لتخلص العالم من الجهل، وكانت رسالته "الإنسانية". لذلك فإن على المسلمين مسؤولية تأكيد هذه الحقائق العالمية في تعاملهم مع الثقافات والمجتمعات الأخرى.

وأشار الأمين العام أنه عند الإقتداء بذلك فإن مسلمي العالم البالغ عددهم 3ر1 مليار مسلم لهم توقعات مشروعة بأن يقوم مقترفو أفعال التدنيس الذين تخطوا الحدود الحضارية للحرية بإصلاح الأمر بتقديم اعتذار جلي واضح.

جدة في : 28 يناير 2006

1
3299
تعليقات (0)