الدين في أوروبا: من الاعتقاد الجمعي إلى الخيارات الفردية؟

حسام شاكر

تحولات عدة فرضت ذاتها على المشهد الدينيِّ في أوروبا في السنوات الأخيرة. فبين أيدينا أشكال التديّن الجديدة، وصعود الجماعات الروحية، وهناك الانعتاق من السياق الديني التقليدي الذي عرفته أوروبا من خلال الكنائس ومجتمعاتها الرعوية؛ إلى بروز الخيارات الدينية التي يصوغها الأفراد بأنفسهم ولو بالجمع بين عناصر من ديانات ومذاهب وفلسفات متعددة.

وخلال ذلك؛ كان لانهيار النظم الشيوعية في الشطر الشرقي من أوروبا أثره على المشهد الديني بكل تأكيد، بينما أصبح العامل الإسلامي أكثر حضوراً في المعادلة الأوروبية.

وسط هذا كله هناك من يتحدث عن عودة الدين إلى أوروبا، ولكنها عودة، لو صحّ القول بها؛ ستكون مختلفة عهدته القارة من قبل.


أشكال جديدة من التدين

البحث عن الدفء للتعويضِ عن "برودة المجتمع" الذي يعاني من تفشي النزعات الفردية؛ لعله يفسر جانباً من أَشكال التديُّن الجديدة التي تشهدها أوروبا.

فبهذا تتضح أهمية المضامينِ "الدافئة" والأبعاد الروحيَّة في ما تقدِّمه المجموعات والحركات والمؤسسات الدينيَّة الهامشية، والتي تحقِّق حضوراً متنامياً. فهذه الفئات الناشطة بشكل مُتنامٍ لا تُقدِّم في الغالب إلى جانب خدماتها الرُّوحيَّة قيماً أو تعاليم سلوكيّة، بالمفهومِ التقليديِّ، ما يجعلها لا تزاحم علمانيةَ المجتمع وماديّته في واقع الأمر. بل إنها تبدو مرشّحةً لأن تُوَفِّر للمجتمع دعماً روحياً؛ يَشُدّ من عَضُدِهِ ويحفِّزه على الاستمرار في تدوير عجلته.

ولعلَّ هذه المعادلة تشبِه عمليةَ توزيع أدوار ضِمْنِيَّةٍ، تبدو مثيرة للتأمل. فالحركات والجماعات والمؤسسات الروحيَّة تزعم أنها تتولى خدمةَ مسعى ملءِ الفراغ الرُّوحي الذي يعانيه إنسان المادية، بينما تفيد كثير من هذه الحركات والمؤسسات من آليات المجتمع الماديِّ في كسب الأتباع وجني الأرباح وتوسيع أرضيتها وخدماتها، بل إنها تبدو أحياناً مجرد نسخ روحية من الشركات متعددة الجنسية.

رغم ذلك؛ يبقى السؤال مطروحاً؛ فإلى أي مدىً ستكون هذه المعادلة، على فرضيّة التسليم بوجودها، مُؤَهّلة للصّمود لتبقى قائمة في زوايا المشهد الديني والاجتماعي في أوروبا مستقبلاً؟!
بنظرة أعمق؛ قد نجد أنّ "الوصفة الروحية" التي تأتي ضمن دعوات ومؤسسات دينيّة أشمل رؤيةً لا تبدو مرغوباً بها، خاصةً مع النظر إليها بوصفها مزاحمة لنظام "مجتمع الحداثة" وبرنامجه؛ عبر ما تطرحه من قيم وتعاليم.

وتعلِّق ماريّا يِبْسِن (1)، الأسقف في الكنيسة الإيفانجيلية اللوثرية الألمانية، على ذلك بقولها "نحن نعايش حالياً كثيراً من حركات البحث الدينية الجديدة. فالمرء يجرِّب أنماطاً مختلفة من الرُّوحيَّة"، وتضيف تحذيرها قائلة "إنني قلقة على كل حال عندما يبقى الأمر عند حد العلاقات الشخصيّة بِيسوع (المسيح عيسى بن مريم عليه السلام)، وتُستبعدُ المسؤوليّةُ الرّعوِيَّةُ الاجتماعيةُ"، على حدِّ قولها.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد عرفَت المجتمعات الأوروبيّة في السنوات الأخيرة ظواهر جديدة نسبيّاً، ذات مضامين أو إيحاءات دينيّة، بدت غالباً امتداداً للبحث عن إرواء التعطُّش الروحي ودافعية الانتماء إلى دين. ولم يتوقف الأمر عند انتعاش الفرق والجماعات الدينية التي تنطوي على طقوس غريبة لا تخلو من الهوس أحياناً؛ بل امتد إلى التقدير المتزايِد للديانة البوذية، والإقبال على اليوغا، المستوحاة من التراث الفلسفي الهندوسي والبوذي.

وازدهرت خلال ذلك النشاطات الاقتصادية والترويجية المرتبطة بالجانب الروحي؛ كالسياحة الروحية للمعابد البوذية والمعالم الدينية الهندوسيّة، علاوة على الرحلات والبرامج التي تَعِدُ المنخرطين فيها بالتوازن الروحي، فضلا عن الرواج الكبير الذي تحظى به الكتب المتعلقة بالجوانب الروحية، والتي باتت تتصدَّر أركان أكثر المبيع في متاجر الكتب الأوروبية.

ويبدو أنّ الاهتمام بالتنبؤات والخرافة والشعوذة والتنجيم يحقق ازدهاراً اخترق معه أوساط النخب ذاتها، وهو ما قد يكشف في ثناياه عن قلق كامن من المستقبل، وعن حالة من البحث عن إجابات على أسئلة غائرة في أعماقِ النفس الإنسانية.

وفي هذا الاتجاهِ أيضاً؛ استمر الإقبال على التصوّف والفرق الصوفيَّة الإسلامية من بين من يعتنقون الإسلام ديناً جديداً لهم في المجتمعات الأوروبيّة، فضلاً عمَّن يلتحقون بمجموعات تمارس طقوساً صوفيّة دون اشتراط اعتناق الإسلام بالضّرورة.

وفي ظل هذا؛ تتبلور ظاهرة الإيمان بـ"خليط ديني"، وهي الظاهرة التي تقوم على الأخذ من كل دين بطرف، وتجميع جزئيات دينيّة متفرقة وغير متجانسة في إطار موحّد، ثمّ محاولة الانتماء إليها وتعريف الذات من خلالها، بِوصْفِها ما يشبه المعتقد، أو بتعبير الكاتب الألماني ديتليف بولاك "كلٌّ يمزج بذاته خليطه الديني، الذي يتم تجميعه من تقاليد دينية مختلفة في ما بينها تماماً".

وربما شجعت على ذلك، بصفة غير مباشرة، مساعي التقريب بين الأديان، ولفت الاهتمامِ للقواسم المشتركة بينها، وتعليم حصص التعددية الدينية، كمادة الآداب أو الأخلاق في المدارس العاَمة في العديد من الدول الأوروبية بديلاً عن الحصص القائمة على أحادية المادة الدينية. في هذا السياق تماماً تلفت الانتباه أطروحات وآراء كالتي يتبنّاها عالم اللاهوت السويسري هانز كُنْغ، فهو يذهب إلى حد السعي إلى بلورة هوية أخلاقية كوكبية مشتركة تقوم على التقارب الديني، وهو ما يفهمه بعضهم على أنه محاولة لبعث دين عالمي مشترك مستوحى من الأديان والثقافات والقيم السائدة في عالم اليوم.


ما بعد الستار الحديدي

من التطورات الكبرى التي انعكست على الحالة الدينية في أوروبا؛ ذلك التحول التاريخي الكبير الذي شهدته القارة مع نهاية عقد الثمانينيات من القَرن العشرين، والمتمثل في انهيار الأنظمة الشمولية الحمراء عن سدة الحكم. فمئات الملايين من الأوروبيين، في وسط القارة وشرقها، انعتقوا جراء ذلك من ربقة الحكم المؤدْلجِ الذي روّج الإلحاد وقَمع الظاهرة الدينية وناصب الكنائس والمؤسسات الدينية الخصومةَ، أو قابلها بالتربص ومحاولات الاحتواء على أقل تقدير.

والمؤكد أنّ هذا التحوّل، الذي وُصف بـ "الانفتاح الديمقراطي" و"انهيار الستار الحديدي"؛ كان بمثابة حدث تاريخي دقيق بالنسبة للحالة الدينية في أوروبا. فقد اعتُبِرَ الأمر فُرصة ذهبيّة للكنائس كي تستعيد أرضيَّتها المفقودة في الجانب الشرقي من "الستار الحديدي" إيَّاه، ولكنّ هذه الفرصةَ رافقتها في الوقت ذاتِه تحديات غير يسيرة، فهل تمكنت الكنائس من ملء الفراغ الهائل حقاً، وكيف يبدو مستقبلها في تلك المناطق؟ أسئلة من المبكر الإجابة عليها، لكنها تتفاوت بين حالة بولندا المتمسكة بطابعها الكاثوليكي والتي تسجِّل أعلى معدلات التديّن في أوروبا، وجارتها تشيكيا التي يغمرها الإلحاد حتى أذنيها.

أما بالنسبة للمسلمين؛ فلم يكن هذا التحوّل أقل أهمية. فقد أسفرت تلك التطورات عن خروج الوجود الإسلامي من الأقبية والسراديب، لتعود ملامح التدين بالظهور العلني بصعوبة. والمفارقة التي حملها التحوّل تدعو للتأمل بحق؛ فبينما ظهرت إلى السطح شعوب وأقليات مسلمة ذات انتماء أوروبي لا مراء فيه؛ كان على أبرز هذه التجمعات أن تواجه حروب الاستئصال والإبادة، وأن تصلى نار الاضطهاد الديني والعرقي مع نهاية القرن العشرين، وفي ظل انفتاح ديمقراطي مزعوم، كما جرى في يوغسلافيا السابقة التي تحتضن وحدها ستة ملايين مسلم.

واستكمالاً للمنعطف الذي شهدته بلدان شرق أوروبا ووسطها في نهاية الثمانينيات؛ تأتي التوسعة الشرقيّة للاتحاد الأوروبي، المقررة على مراحل ستكون أولاها في أيار (مايو) 2004، بمثابة تطوّر كبير ينعكس على العديد من المجالات، منها الملف الديني أيضاً، وهو ما يستدعي قراءة عميقة لما ستسفر عنه التوسعة، وما يستتبعها من تغيّرات، على صعيد الحالة الدينيّة.


الطوائف الدينية وموسم التحولات

عادةً ما يحاول المرء أن يفهم التحولات الاجتماعية، أو أن يعبِّر عنها؛ من خلال البيانات العددية، فالإحصاءات واستطلاعات الرأي ودراسات السوق تتصدى لذلك في كثير من الميادين. ولكن ثمة هالة من الشكوك بشأن مدى دقة البيانات العددية في التعبير الواقعي عن تحولات متداخلة ومعقدة تجري فوق السطح الاجتماعي وتحته.

لا يعني هذا بالطبع عدم الإنصات إلى المؤشرات المتوافرة، والتي تقول مثلاً بأنّ نسبةَ غير النصارى ستزداد ارتفاعاً في المجتمعات الأوروبيَّة بشكل مطرد، بينما تشير البيانات الحالية إلى أنّ منحى الزيادة العددية للمسلمين ولأتباع طوائف دينية أخرى سيتواصل.

وتثير هذه التغيرات العددية المتسارعة المخاوف في بعض الأوساط من مغبة تحول أتباع الكنائس في عدد من العواصم والمدن الأوروبيّة إلى أقليّات في غضون سنوات قليلة، وتلوح بالمقابل تحذيرات تطلقها التيارات المتشددة المعادية للمسلمين من مغبة تحوّل الأقليات المسلمة إلى مواقع الأغلبية في مدن أوروبية، أو حتى في أقاليم بكاملها. ومع ضرورة الحذر من مسعى بعض الأوساط، وبعض الكتاب والباحثين أيضاً، ممن يتعاملون مع هذه المؤشرات بمنطق إثارة الذعر وتعزيز المخاوف المسبقة؛ فإنَّ التضاؤل العددي لمن يُصنّفون على أنهم مسيحيون قد يترك على الأغلب انعكاسات على مدى حضور الكنيسة في الحياة العامة وعلى خطابها وأساليب تعاملها مع عدد من الملفات، سواء أكان ذلك بصور مباشرة أم غير مباشرة.

ودون تجاهل خصوصيات كل بلد أوروبي والمكانةِ التقليدية للكنيسة فيه؛ يبدو أنّ ثمة تباينات في تعامل الأوساط الكنسية مع ظاهرة الانحسار العددي للأتباع. فإزاء تعامل بعض الأوساط الدينية والمحافظة بشكل واقعي ومتزن مع الظاهرة؛ ترتفع بعض الأصواتِ من بين رجال الكنيسة والقوى الدينية، تحذيراً من هجرة المزيد من المسلمين إلى أوروبا، مع صدور دعوات متوالية للاعتماد على منابع أوروبية أو أمريكية لاتينية للهجرة، لتعزيز الوجود الكاثوليكي، أو المسيحي بشكل عام، في القارة الأوروبية، وإن كان ذلك يتم غالباً تحت لافتة "مراعاة الخلفياتِ الثقافية للمهاجرين".

إنّ تضاؤل نسبة النصارى في المجتمعات الأوروبية جاء مرتبطاً بعوامل هامة؛ منها حركة الانسحابات من الكنائس، وموجات الهجرة إلى أوروبا، والتي نتج عنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير الأوروبيين، نسبة كبيرة منهم من غير النصارى، ومن بين هؤلاء كان المسلمون الذين تضاعف عددهم مراراً في القارة خلال مدة زمنية قياسية. كما أنّ هناك عاملاً ديموغرافياً هاماً، يتمثل في تراجع الزيادة الطبيعيّة، والتي بلغت حد التناقص السكاني في بعض البلدان الأوروبية.


بروز العامل الإسلامي في المعادلة الأوروبية

امتداداً لذلك؛ أحدث الوجود المسلم المتنامي في أوروبا الكثير من ردود الفعل والانعكاسات والتداعيات في العقود الأخيرة. إذ شهد الحضور الإسلامي في المشهد الديني الأوروبي تطورات واضحة، فزيادة على تصاعد الجدل بشأن الإسلام؛ باتت للدين الإسلامي مكانة اعتبارية متزايدة في أهميتها في الحياة العامة في بلدان أوروبا، وهو ما لوحظ بشكل واضح في السنوات الأخيرة، حتى مع تصاعد الأصوات المتعصبة ضد الإسلام في شتى مواقع التأثير.

ومما نراه ضمن المؤشرات المستقبلية الراجحة؛ احتمال تنامي المكانة الاعتبارية للدين الإسلامي في الحياة العامة في البلدان الأوروبية، سواء على صعيد التسوية القانونية للتعامل مع المسائل الدينية للمسلمين (بشكل يستدعي حيناً الترحيب أو ما يناقضه حيناً آخر)، أو عبر اللفتات الرمزية كزيارات المسؤولين للمساجد والمدارس الإسلامية، أو مشاركة المسلمين في الحياة العامة بالإدلاء بالآراء والمواقف. لكن ذلك لن يكون مكللاً بالورود، وقد تتخلله أزمات وتجاذبات حادة، بل مفاجآت يصعب تقديرها، كما يتضح في قضية الحجاب في فرنسا (وفي غيرها أيضاً)، والتي تتفاقم حالياً بصورة تحمل محاذير وخيمة، في الوقت ذاته الذي يُفترض فيه أن يتمتع فيه المسلمون بتشكيل أول هيئة تدافع عن حقوقهم ومكتسباتهم (المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية)، وهو ما يحمل في طياته تلخيصاً للمفارقة التي تكتنف الوجود الإسلامي في أوروبا اليوم.

رغم هذا كله؛ لا يمكن إنكار أهمية ما تركه الحضور الإسلامي، الذي وُصف بأنه "دافئ"؛ من انعكاس على المشهد الديني العام في أوروبا. فقد تعزز وصف الإسلام بـ"الدينِ الحي" من خلال انتشار مظاهر التدين الإسلامي في المجتمعات الأوروبيَّة. وكان الأمر مثيراً لاهتمام المراقبين، وخاصة في الأوساط الدينية الأخرى التي تلاحظ التحولات الجديدة في الفضاء الأوروبي. ولعلّ هذا ما دفع الأسقف غودفريد دانيلز (2)، رئيس الأساقفة الكاثوليك ببلجيكا، لأن يشيد بالإسلام عندما قال "رغم كل الاعتبارات، فإنّ المسلمين قدوات للمسيحيين ونماذج يُقتدى بها". وشدّد دانيلز على "أنّ الإسلام بوسعه أن يساعدنا في العودة إلى المعاني الحقيقية للإيمان"، على حد تعبيره.

ويستوقفنا في هذا المقام ما يراه الباحث السويسري جان كلود باسيه (3) من أنّ الحضور المتزايِد للمسلمين في الحياة العامة السويسرية يحمل معه تغييرات على الساحتين الثقافية والدينية في بلاد الألب. ويشدِّد باسيه، الأستاذ في جامعة لوزان، على أنه رغم النجاح السابق في الحيلولة دون الصدام؛ إلاّ أنّ صداماً مع الإسلام لا يبدو مستبعداً في المستقبل من جانب الأوساط الأصولية المسيحية والناشطين العلمانيين بما يحملونه من توجهات معادية للإسلام. ويؤكد باسيه أنّ نقاط الاحتكاك في علاقة المجتمع السويسري مع المسلمين موجودة بالفعل، لكن ينبغي على الجميع تلافيها من خلال التمتع المتبادل بالنوايا الحسنة.

وما يعزِّز القلقَ نتائجُ بعض استطلاعات الرأي في أوروبا، التي تشير إلى مواقف سلبية نحو المسلمين، قد تكون أحياناً هي الأشد تحفظاً بالمقارنة مع الموقف نحو غيرهم من الطوائف.


أوروبا .. عودة إلى الدين؟ أية عودة؟

منذ أن انصرفت اهتمامات إنسان المدنية الحديثة في أوروبا الغربية صوب الإنجازات العلمية والتطبيقات التقنية المتلاحقة، وسط حالة من الانبهار؛ لم يكن هناك متسع للدين في واجهة المشهد، رغم أنه بقي عنصراً أساسياً من مكونات هذا المشهد.

وبينما يذهب الألماني هاينريش فريس (4) إلى القول بأنّ الإنجازات الكبيرة التي طرأت في حقول العلوم الطبيعية والتقنية قد صبّت في حساب العلمانية؛ فإنه يرى بالمقابل، كما سطّر ذلك في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين؛ أنّ "إنسان اليوم يعيش ويتصرف كأنه لا يوجد ربّ، وكأنّ يسوع (المسيح عيسى بن مريم عليه السلام) لم يَعِش على الإطلاق"، وهو وصف يطلقه على الحالة الأوروبية الغربية على ما يبدو.

أما ما شهدته أوروبا فيما بعد فكان تراجعاً نسبياً لحالة الانبهار بمستجدات التحديث، وهذا التراجع كانت له أسبابه. فما بدا للوهلة الأولى "غير مألوف" أصبح شيئاً اعتيادياً مع الألفة ومرور الوقت. من جانب آخر؛ كان الإنسان قد جرّب مستجدات التحديث إياها، وخبر كُنْهَها، وأدرك

1
2899
تعليقات (0)