خالد بن عبد الرحمن الشايع
المستقبل للإسلام ومحمد هو سيد الخلق في الدنيا والآخرة
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى إخوانه من النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد
فقد اطلعت على التقرير الذي نشرته صحيفة ( فيلت إم زونتاج ) الألمانية في عددها الصادر بتاريخ 30/ 5 / 2004 ، وعنوانه ( مليون ضد محمد).
ويوضح التقرير ما عزمت عليه منظمة ( رابطة الرهبان لنشر الإنجيل) التنصيرية من نشاطات لوقف انتشار الإسلام حول العالم، وتنصير أكبر عدد ممكن من المسلمين بزعمها، مدعومة بأموال هائلة من الفاتيكان.
وجاء في التقرير أن تلك المنظمة تعد من أهم مؤسسات الفاتيكان ومقرها روما، وأنها تضم نحو مليون فرد، وأنهم يعملون ليل نهار، وفي كل مكان، من أجل وقف انتشار الإسلام في العالم بكل قوة، وعلى تشويه صورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (ونَعْتِه بأبشع الصفات ) .
ويوضح التقرير أن أدوات المنظمة لتحقيق هذا الهدف متعددة، ومن أبرزها بناء المدارس، ومرافق الخدمة العامة، خاصة الصحية منها التي تقدم خدمات مجانية لفقراء المسلمين في عدة دول بالعالم. إلى آخر ما جاء في هذا التقرير،
والذي رصده مشكوراً موقع ( إسلام أون لاين ) في 31/5/2004.
ولدى إطلاعي على هذا التقرير عجبت إلى حدٍّ كبير من مكابرة أولئك المبطلين، وكيف سوَّلت لهم أنفسهم أن يسعوا للمساس بأطهر البشر وأجلِّهم قدراً من الأولين والآخرين عليه وعلى إخوانه من النبيين أفضل الصلاة وأكمل السلام ،
وكيف أوهموا أنفسهم بأنهم سينالون من قدر سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، مع ما شاهدوه ووقفوا عليه من العز والتكريم الذي أفاضه الله عليه، حتى شهد بذلك أعداؤه وخصومه، أيظنون أنهم قادرون على حجب ضياء الشمس عما أشرقت عليه ؟
وإني إذ أحرر هذه الأسطر المتواضعة نصرة لمحمد خاتم أنبياء الله ورسله وأخطه بمهجة فؤادي قبل مداد قلمي، وبماء عيني قبل أحبار أدواتي، لأسأل الله أن يتقبلها ويجعلها سبباً لمزيد القربى إليه والحشر في زمرة نبيه عليه الصلاة
والسلام.
فمن الجدير أن نقف مع هذا التقرير الوقفات التالية:
أولاً: إن من واجب كل مسلم ومسلمة أن يكون له جهده ومساهمته في نصرة رسول لله وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، حتى لا تشوه صورته على نحو ما عزم عليه أولئك الرهبان كما جاء في التقرير. ومع ما نعلمه من حفظ الله لجناب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعرضه، وما
جرَت به سنته سبحانه من خذلان من تعرض له، كما قال سبحانه: ( إن شانئك هوالأبتر ) ( الكوثر: 3 ) وكما قال سبحانه: ( فسيكفيكهم الله ) ( البقرة: 137)، وقوله تعالى: ( إنا كفيناك المستهزئين) (الحِجر: 95 )، ولعموم قوله تعالى: ( والله يعصمك من الناس ) ( المائدة 67) وقوله: ( أليس الله بكافٍ عبده ) ( الزمر: 36)
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
وهذا وعد من الله لرسوله أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بماشاء من أنواع العقوبة، وقد فعل تعالى، فإنه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتله. ( تفسير السعدي ص435) مع ما نعلمه من ذلك الحفظ العظيم؛ إلا أنه لا يعفينا أهل الإسلام من قيامنا بواجبنا في نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجلاله. فإن الله تعالى قد فرض علينا ذلك في قوله سبحانه: ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً. لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً ) ( الفتح: 8 و 9).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
تعزيره عليه الصلاة والسلام: نصره ومنعه، وتوقيره: إجلاله وتعظيمه، وذلك يوجب صون عرضه بكل طريق، بل ذلك أولى درجات التعزير والتوقير، فلا يجوز أن نصالح أهل الذمة على أن يُسمعونا شتم نبينا ويُظهروا ذلك، فإن تمكينهم من ذلك ترك للتعزير والتوقير، بل الواجب أن نكفهم عن ذلك، ونزجرهم عنه بكل طريق... (الصارم المسلول على شاتم الرسول ص210).
وإن من أعظم النصح لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن نبين منهاجه وهديه وشريعته للعالمين من المكلفين من الإنس والجن، فالعالم اليوم يعيش من الحسرات والضلال ما لا يمكن الإحاطة به، والبشرية جمعاء تتعطش لمن يدعوها إلى هذا
الهدي الجليل بعد أن تردَّت في لجج الظلام والضلال.
ثانياً: إن هذا المسعى والهدف الذي أراده أولئك القساوسة وأتباعهم سعيٌّ مأزور، وهدف بائر فاشل، فقد تكفل الله بنصرة هذا الدين وبلوغه الآفاق ودخول الناس فيه أفواجاً، كما تكفل سبحانه بأن يكون لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
كل إجلال وتكريم ما بقيت هذه الحياة الدنيا.
أما نُصرة دين الإسلام وظهوره، فقد قال جلَّ وعلا: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) كرر ذلك في ثلاثة مواضع من كتابه العزيز، في سورة التوبة والفتح والصف.
قال الإمام المفسر ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ :
يقول تعالى ذكره : يريد هؤلاء المتخذون أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريمأرباباً أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، يعني أنهم يحاولون بتكذيبهم بدين الله الذي ابتعث به رسوله ، وصدِّهم الناس عنه بألسنتهم أن يبطلوه ، وهو النور الذي
جعله الله لخلقه ضياء ، ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) يعلو دِينُه ، وتظهر كلمتُه ، ويتم الحق الذي بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، ( ولو كره ) إتمام الله إياه ( الكافرون ) يعني جاحديه المكذبين به . ( تفسير الطبري: جامع
البيان 10 / 116).
وثبت في كما ثبت في " صحيح مسلم " عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: " إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زُوِيَ لي منها ".
وروى الإمام أحمد في " المسند " عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، يعز عزيزاً أو
يذل ذليلاً، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر ". فلا مرية أن العاقبة لهذا الدين الحنيف وأن المستقبل للإسلام، وهذا ما شهد به الواقع، فدين الإسلام أكثر ملل الأرض من جهة المقبلين عليه والراغبين فيه، فهو دين الحق وهو الذي تقبله فطرة الثقلين الجن والإنس، ولذلك أوجب على كل المكلفين من الجن والإنس أن يتبعوه، وتوعد سبحانه من أعرض وكابر. وأما ما تكفَّل الله به من إجلال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإعلاء شأنه بين الخلق، فقد دلت عليه نصوص الوحي الكريم، وصدَّقه الواقع في مختلف العصور.
قال الله سبحانه في كتابه العزيز ممتناً على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنعمه: ( ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك. ورفعنا لك ذكرك ) ( سورة الشرح: 1ـ 4 )
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
( ورفعنا لك ذكرك ) أي: أعلَينَا قَدْرَك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يُذكر الله إلا ذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره بعد الله تعالى. ( تفسير السعدي 929).
وقال الشيخ العلامة الشنقيطي رحمه الله:
قوله: ( ورفعنا لك ذكرك ) لم يبين هنا بم ولا كيف رفع له ذكره، والرفع يكون حسياً، ويكون معنوياً، فاختلف في المراد به أيضاً، فقيل: هو حسيٌّ في الأذان والإقامة وفي الخطب على المنابر وافتتاحيات الكلام في الأمور الهامة،
واستدلوا لذلك بالواقع فعلاً، واستشهدوا بقول حسان رضي الله عنه، وهي أبيات في ديوانه من قصيدة دالية. فقيل هو حسيٌّ : في الأذان والإقامة ، وفي الخطب على المنابر ، وافتتاحيات الكلام في الأمور الهامة ، واستدلوا لذلك بالواقع فعلاً ، واستشهدوا بقول حسان رضي الله عنه ، وهي أبيات في ديوانه من قصيدة دالية :
أغر عليه للنبوة خاتم **** من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمة **** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمة ليحلة **** فذوا العرش محمودٌ وهذا محمد
ومن رفع الذكر معنىً، أي من الرفعة: ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء قبله، حتى عرف للأمم الماضية قبل مجيئه ينظر: " (أضواء البيان 578)".
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوَّه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين، أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، ثم شهر ذكره في أمته، فلا يذكر الله إلا ذكر معه، وما أحسن ما قال الصرصري رحمه
الله: لا يصح الأذان في الفرض إلا باسمه العذب في الفم المرضي ( ينظر: "تفسير ابن كثير"4/ 526 ).
ثالثاً: إن هذا المشروع التنصيري الذي ينضح بغضاً لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ليوضح كذب المتعصبين من أهل الملل الأخرى في دعوى التسامح وما يسمى حوار الأديان، ذلك أن ما يظهرونه خلاف ما يبطنونه، وهو مصداق قول ربنا جلَّ وعلا: ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) ( آل عمران:118). وقوله جل وعلا: (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون) (التوبة 8).
ثم إن هذه التوجهات البغيضة لتوضح مدى ضلال النصارى وبعدهم عن هدي المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام، ذلك أن الأنبياء والرسل كلهم قد جاءوا بملةٍ واحدة هي توحيد رب العالمين، وإن اختلفت شرائعهم، فقد قال الله سبحانه
(إن الدين عند الله الإسلام ) ( آل عمران: 19 ) وقد قال إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم: " أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوةٌ لعلات، أمهاتهم شتَّى ودينهم واحد " رواه الشيخان واللفظ للبخاري.
والواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعرفوا للأنبياء والرسل قدرهم؛ امتثالاً لأمر مرسلِهم جلَّ وعلا، وأن يحذروا من تنقص أحدٍ منهم أو تكذيبه، لأن تكذيب واحدٍ منهم تكذيب لبقيتهم.
وبعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يجب على المكلفين إتباعه تصديقاً له ولمن قبله من الأنبياء والرسل الذين بشروا به أقوامهم، وأوجبوا عليهم إتباعه متى بعث، كما قال الرب سبحانه ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) ( آل عمران: (81).
وهذا ما دعا إليه المسيح ابن مريم عليه السلام قومه الذين أُرسل إليهم، كما سجله القرآن الكريم: ( ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) (الصف:6). وهذا ما كان في الإنجيل قبل تحريفه، حتى إن بعض وسائل الإعلام تناقلت أنه
وجدت نسخةٌ منه قبل بضع عشرة سنة في بعض أنحاء فلسطين وقد سلمت من مسح هذا الموضع الذي فيه البشارة بمحمد عليه الصلاة والسلام فأخفوها عن الأعين. وهذا المسلك في معاداة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام من جملة ما أفسد به
اليهود دين النصارى، وما أضلوهم به، حتى بلغ بهؤلاء النصارى من العماية عن هذا التسلط من اليهود أنهم يذمون عيسى وأمه عليهما السلام، ومع ذلك ينخدع النصارى وقساوستهم بدعاوى اليهود وفجورهم، قال الرب جل وعلا عن اليهود مبيناً أسباب غضبه عليهم ولعنهم : ( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً. وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقيناً. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً. وإن من أهل الكتاب إلا ليومنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً ) ( النساء: 156 ـ 159). وهاهم النصارى اليوم يأخذون عن اليهود معاداة الأنبياء، بل معاداة أفضلهم وخاتمهم، فيعمدون إلى هذا المشروع البغيض، قال الله تعالى عن اليهود: ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) ( آل عمران: 112 ) حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة، وسَمُّوه وسحروه وألَّبوا عليه أشباههم من المشركين. ومهما يكن من أمر، فقد قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: " والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت إلا كان من أصحاب النار " رواه مسلم في "صحيحة".
رابعاً: ينبغي على النصارى أن يكون لهم أسوة في أسلافهم من أمثال هرقل، الذي أقر بالحق واعترف بشأن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لدى لقاءه بسفير قريش إليه أبي سفيان عندما كانوا مكذبين له، ولما سمع منهم هرقل
قال: "إن يَكُ ما تقول فيه حقاً فإنه نبيٌّ، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أك أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي "، ثم عمد هرقل إلى عقد اجتماع خاص مع عظماء الروم فجمعهم في دار له وقال: " يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وأن يثبت لكم ملككم ، فتبايِعُوا هذا النبي. فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى قيصر نفرتهم وأيس من الإيمان، قال:ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل. رواه البخاري في صحيحة. ثم أَمَا للنصارى أسوةٌ بالملك النصراني النجاشي، فإنه لما قرأ عليه جعفر
بن أبي طالب رضي الله عنه صدراً من سورة مريم بكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا ـ واللهِ ـ والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. رواه الإمام أحمد في "المسند". وقد كانت عاقبة هذا الملك الجنة، كما بشَّر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إنه لعجيبٌ شأنكم يا أساقفة الكنيسة في الفاتيكان وغيره، كيف خالفتم أسلافكم الذين أخبر الله عنهم في كتابه العزيز: ( ولتجدن أقربهم مودة الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) ( المائدة(82).أي الذين زعموا أنهم نصارى من إتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة لإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ) ( الحديد: 27 ) وفي كتابهم: " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر " وليس القتال مشروعاً في ملتهم. وإن العقلاء في البلاد الغربية النصرانية ينبغي أن يدركوا كم في تلك الكلمات والاستفزاز من الأخطار الكبيرة على رعاياهم ومصالحهم في أقطار الأرض، وأنها قد تؤدي لمزيد التوتر، بما يتعين معه تكميم أفواه الناعقين بذلك البهتان وكف أيديهم. فقد تأخذ الحميةُ بعض المتحمسين للثأر ممن وقع في رسول رب العالمين، ومئات الملايين يفرحون أن يموتوا دفاعاً عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وعن مكانته الشريفة أن تمتهن أو يحاول أحد تدنيسها. ولكن من ضمن هؤلاء من لا يَقْدِر أن يصفِّي حسابه مع من قال الإفك والبهتان لبُعده عنه؛ فيعمد إلى من يراهم يدينون بالنصرانية حوله فينتقم منهم ومن ممتلكاتهم لقربه منهم، مع أن هذا العمل الأخير لا يجوز، وقد حرمه ومنع منه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة " رواه البخاري. وحينئذ تسفك شلالات الدماء بسبب قساوسة جهلاء، أعماهم الحقد وازتهم قوى الشر والعدوان، ممن عادوا واعتدوا على موسى وعيسى ومحمد وعلى إخوانهم من النبيين. صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وإني مع كل ذلك لأدعو هؤلاء النصارى وعموم أهل ملتهم وأهل الكتاب جميعا ًلأن يظفروا بالدخول في جملة من وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز إذ قال: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ). ( آل عمران 199). ويجب عليهم أن يدعوا حقدهم جانباً، وأن يعلموا أن دين الإسلام، مع ما أوجب الله على المكافين من اعتناقه، فإننا أهل الإسلام لا نجبر أحداً على الدخول فيه، إنما هي الدعوة بالحسنى، بالحكمة والموعظة الحسنة، فمن آمن فخير ساقه لنفسه، ومن عمي فإنما يعمى على نفسه، لا يظلم ولا يعتدى عليه.
خامساً: مما دلَّت عليه الإحصاءات أن الأموال التي يتم بها دعم أعمال التنصير مقدمةٌ من الهبات والتبرعات التي يقدمها النصارى وأغنياؤهم، حتى إن ما تم رصده من الأموال والتجهيزات في هذا المجال لتعتبر ضخماً جداً، فقد جاء في
تلك الإحصاءات، كما نشرته المجلة الدولية لأبحاث التنصير ( I. B. M. R.) في عددها الصادر في يناير 2002 إحصائية أعدَّها كلٌّ من ( د. ديفيد باريث ) أستاذ الأبحاث في ( جامعة ريجنت ) في فرجينيا بأمريكا، و ( د. تود جونسون ) الأستاذ المشارك في (كلية اللاهوت المثلث ) في دير فيلد بإلينوي، تناولت هذه الإحصائية الأنشطة التنصيرية على مستوى العالم، بدءاً بعام 1900 ومروراً بعام ( 2000 ) و (2002) والمخطط المتوقع الوصول إليه عام ( 2025 ) وقد نشرت هذه الإحصائية عنها مجلة الكوثر الكويتية المتخصصة ( العدد / 31 / مايو 2002) .
وفي هذه العجالة أقتطف بعض الأرقام المتعلقة بعامنا الحالي لنقف معها بعضالوقفات:
· عدد النصارى في العالم اليوم( 2.050.616.000).
· عدد الكنائس (3.554.000).
· عدد المنظمات التي تتولى إرسال منصرين للخارج (4.100).
· ما تم جمعة من أموال لأغراض كنسية (300) بليون دولار.
· عدد الكمبيوترات المسخرة للأغراض الكنسية (370) مليون جهاز.
· عدد الكتب النصرانية (5.1) ملايين كتاب.
· المجلات التنصيرية (38.000) مجلة.
· محطات الإذاعة والتلفزة المتخصصة بالتنصير (4050) محطة.
· الأناجيل التي تم توزيعها (6.347.096.000) ما يزيد على ستة مليارات نسخة أي ثلاثة أضعاف عدد النصارى.
*** وأمام هذه الأرقام ينبغي التأمل الطويل والمراجعة الدقيقة لأحوالنا، ولكن أجتزئ بما يلي:
1
ـ أعمال التنصير تنفذ منذ أمدٍ بعيد وفق خطط دقيقة مدعومة من قبل النصارى على جميع المستويات الحكومية والشعبية ، وهذا ما لا يتوفر مثله لدى المسلمين ، بل قد تجد من ينتسب للإسلام وهو يحاربه ، ثم إنه في كثير من الأحيان تكون الأعمال عشوائية تفتقد إلى التنظيم والترتيب ، كما أنها تفتقد التنسيق بين المؤسسات العاملة في مجال الدعوة ، بما يضعف جهودها ويقلل من نتائجها.
2ـ أنشطة التنصير سخرت لها الوسائل الحديثة في إيصال الأفكار والمعتقدات وهذا ما يتخلف عنه أهل الإسلام ، برغم استطاعتهم توفير ذلك ، وحسبنا أن نعلم أن عدد الفضائيات التي العربية العاملة اليوم يربو على (196) قناة حكومية وخاصة، كما جاء في دراسة علمية أعدها اتحاد إذاعات الدول العربية. وليس من بين هذه القنوات أي واحدة متخصصة في الدعوة إلى الإسلام !!.
3ـ رؤوس الأموال سُخرت من قبل تجار النصارى ورجال الأعمال منهم إلى حد كبير جداً ، لكن معظم أغنياء المسلمين لم يقوموا بما يجب عليهم من زكوات ، فضلاً أن تكون أنفسهم سخية بالتبرع الخيري ، وسوف ندرك الغبن العظيم والتخلف الكبير إذا علمنا أن مقدار الزكاة الواجب إخراجها سنوياً من رؤوس الأموال المعلنة للأموال العربية فقط هو (ستة وخمسون ملياراً وثمانمائة وخمسة وسبعون ألف دولار) ينظر : مجلة الكوثر ـ العدد 19 ـ السنة الثانية ـ محرم صفر، بيع الأول1422هـ. ولا ريب أن تجار المسلمين وأغنياءهم مطالبون اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى بأن
يتقوا الله تعالى فيما حباهم من نعمة المال، وأن يعرفوا لله تعالى فيه حقه. روى الإمام أبو داود في "سننه" من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من امرئٍ مسلمٍ يخذُلُ امرأً مسلماً في
موطنٍ تنتهك فيه حُرمتُه، ويُنتقص من عرضه، إلا خذله الله في موطنٍ يحبُّ فيه
نصرته.. " الحديث. وهل أعظم على المرء من الانتهاك أن يفتن في دينه ويرد بعد الإسلام كافراً أو أن يشكك في دينه، كما يفعله المنصرون اليوم، وهكذا ما يسعى نحوها المنصِّرون من تنقُّص سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
4ـ السياسات الغربية تشهد اليوم دعوات كبيرة لإرجاع الناس إلى الكنيسة وإلى التدين ، وصار كبار الساسة عند إجراء الانتخابات يحاولون استدرار دعم شعوبهم بعرض مخططاتهم في مجال التنصير.
ولكن في عدد من البلاد الإسلامية تتم المحاولات العديدة لمحاربة وإجهاض كل ما يؤدي لتمسك الناس بالدين، بل إنه يكثر أن تُسن الأنظمة والقوانين وفق النظريات والمناهج المخالفة لشريعة الإسلام، والتي يتم استيرادها من الشرق
والغرب، كما أن المتأثرين بالغرب من أبناء المسلمين لا يزالون على تصوراتهم السابقة التي ارتضعوها من الغرب حيث لا يزالون ساعين وداعين لممارسة الحياة بعيداً عن سلطان الدين وتشريعاته.
5ـ الأنشطة التنصيرية باتت الهم الأكبر والشغل الشاغل لكل فئات المجتمعات الغربية فالكل منهم تنتهض همته إذا تعلق الأمر بمشروع التبشير بالنصرانية ، لكن كثيراً من أهل الإسلام وهم على الحق انصرفوا عن حمل رسالة الإسلام وتنصلوا منها، وعدوا مسألة الدعوة إليه من مسؤوليات المتخصصين في الشريعة وحسب، ثم أوغلوا في الحياة على نحو يشعر بعدم اكتراثهم بالدعوة لدين الإسلام. مع أن من المتعين على كل مسلم ومسلمة أن يقوم بما أوجب الله عليه في هذا
الباب، كلٌّ بحسب وسعه وقدرته، وبحسب ما آتاه الله من العلم. وهذا بخلاف ما يظنه عدد من الناس أن الدعوة إلى الله إنما هي مهمة الدعاة الرسميين أو الذين تخصصوا في الشريعة ونحو ذلك، فالدعوة على هؤلاء وظيفة متعينه بما آتاهم الله من العلم وبما فقههم في دينه، لكن بقية الناس عليهم نصيبهم كلٌّ بحسب ما آتاه الله من العلم، ولا يعذر في ذلك أحد، فدين الله
والدعوة إليه مسؤولية كل مسلم ومسلمة ( وإن تتولوا يستبدل غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (محمد 38).
ومن الأدلة المبينة لهذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " بلِّغوا عني ولو آية " رواه البخاري، وهو خطاب للأمة جمعاء فيعم كل من عنده ما يبلغه ويستطيع القيام بذلك. وثبت في جامع الترمذي عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ". وجملة القول: أن أنشطة التنصير قد اكتسحت أصقاع شتى يقطنها المسلمون وتمكن المنصرون من تنصير أعداد كبيرة، وشككوا آخرين في دينهم، وفي ضوء الجهود الضخمة المبذولة على نحو ما أشرت إليه من الإحصائية أنفة الذكر والتي تدل أرقامها على مخطط بعيد المدى يتواصل على مدى ربع قرن فإنه يخشى أن تتعاظم أرقام من يتنصر من المسلمين، ويخشى أن تتحول بقاع مسلمة من تبعيتها الإسلامية إلى التبعية النصرانية قسراً وقهراً على نحو ما كان في تيمور الشرقية باندونيسيا. أما أفريقيا فكم فرط المسلمون في حق أهلها، وكم فرطت مؤسسات الدعوة، وكم فرط من يجب عليه دعم تلك المؤسسات في استنقاذ المسلمين الأفارقة من مخططات
التنصير، ناهيك عن أنواع التنصير القسري في الجمهوريات المستقلة بآسيا وفي الجمهوريات الإسلامية في غرب أوروبا.
تلكم أنشطة التنصير وخططه. وذلكم مسعى المنصِّرين البغيض في الافتئات على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
فهل من هبَّة إسلامية ؟! وهل من غيرة دينية لتدارك الوضع ؟! ذلك ما أرجوه. والله المستعان، ولا حول به ولا قوة إلا هو سبحانه، وهو المسئول جلَّ وعلا أن يهدي من رام الحق وبحث عنه، وأن يكبت المعرضين المتكبرين، إنه سبحانه هو
القوي العزيز، وصلى الله وسلم على نبينا محمد 6/6/1425هـ.
KHALIDSHAYA@HOTMAIL.COM