-
حيثما كنتَ تتجولُ في ربوعِ الأرضِ المباركةِ ،
والنارُ حولك تأكل نفسها ، إن لم تجد ما تأكله ،
كنت أراك شامخا في عزة المؤمن ، منتصباً كالراية
والأعاصير من حولك تقتلعُ الجبالَ الرواسي ،
وأنت تحاولُ في استماتة أن تغطي عورةَ هذه الأمة
التي تكشفت على عيونِ النهار في ابشع صورة ..
أحمد ياسين .. أيها الشيخ المبجل ..
كان يملأني العجب وأنا أرى وجهك الذي خطه مشرط السنين ،
وكرسيك الذي تتحرك عليه ، فيتحرك العالم لهفة لما سوف تنطق به ،
وأقول في نفسي :
إلى متى يمكن أن يصمد هذا الوجه المتوضئ في وجوه الأفاعي
وهي تفح من حوله في حقد يحرق الأرضَ التي تزحف عليها ..؟
كيف يمكن لهذا الأسد المقعد أن يبقى ثابتاً شامخاً
وسط غابة الذئاب الهائجة التي تحوم حوله ، وتتنمر عليه ..؟
كنت أتابع الأحداث في لهفة ، وأتأمل دورك فيها في شوق ،
وأتابعها ويدي على قلبي خشية من أن تزل بك قدم ، أو يغريك خداع ،
أو يتلاعب بك شياطين السياسة وأبالستها ..
غير أني في كل مرة أراك تخرج منهوكاً ، ومع هذا أباهي بك النجوم ،
حتى ما قد يراه أناسٌ أخطاء كنت لا أجد صعوبة من أن أبررها بقولي :
المضطر يركب الصعب ، ويأكل الميتة ، وتباح له المحضورات .!
كنت أراك تخطو هناك خطواتك بين حقول ملأى بالألغام والدماء والمكر ،
فيهتز قلبي هنا في نشوة تارة ، وفي فزع تارة أخرى ..
في نشوة وأنا أرى مؤمناً عجوزاً مقعداً ، يقف في وجه الدنيا ،
ليس له من سلاح إلا سلاح الإيمان ..
معتزاً بإسلامه ، يردد في ثقة في وجوه كل القوى :
اطمئنوا ، لن أموت لأني شهيد ، أمشي في كفني ،
واللهُ تعالى قد أخبرنا أن الشهداء هم وحدهم الأحياء ..!!
وفي فزع تارة ، خوفاً من أن تأكلك الأرض التي تهتز من تحت قدميك ..
خوفاً من أن يتدسس إليك أبالسة السياسة بوساوسهم الشيطانية
غير أني أحسبك تقرأ في وجوههم آية الكرسي ..فيضمحلون !
صوتك المتهدج كان يكشف حجم المعاناة التي ملأت فمك بالدم ،
ويكشف حريق الأرض الذي شب في كل زاوية وعلى كل شبر
من أرض الإسلام هناك ..الأرض التي باركها الله ..
بل كان صوتك يكشف للعالم نزيف القلوب التي تخوض فيه إلى ركبتيك ،
غير أن نبرة مميزة في صوتك كانت كأنها آتية من السماء ،
تتجلى فيها إشراقات الأمل القادم من رحم الغيب ..
موعود يملأ قلبك فيهز عليك كل شعرة فيك ،
ومن هنا كنت مغروساً في قلب المحنة بثبات مذهل ،
أدار عقل العالم المتحضر!..
أنيابُ الحقدِ السوداءُ الصهيونية ..
لازالت تُبدي الروحَ التترية ..
كانت تقطرُ سماً ودماءَ ..
لكنّك .. لكنك لم تحنِ الرأسَ ، ومطرقةُ الموتِ على كتفيك ..
ذهلت كلُّ قوى الدنيا ،،
وهي ترى روحَ الإيمانِ لا زالت تتلألأ ..
في وجهك لازالت تتلألأ ..
في صوتك لازالت تتلألأ ..
من هذا الجيلِ ، يخرجُ ماردنا من تحتِ عباءةِ طوفانِ المحنة ..
يخرجُ أشبه ما يخرج بالنور ..
يشرقُ في وجهِ الدنيا ..
يُخبِرُ هذا العالمَ :
أنّ الليلَ _ ليل الظلمِ _ أوشكَ أن يلفظَ أنفاسه ..
أردد هذه الكلمات ، أقرأها في صفحة وجهك طولاً وعرضاً ،
ثم أتلو قول الحق تبارك وتعالى :
( إن موعدهم الصبح أليس الصبح ، أليس الصبح بقريب ؟!))
أحمد ياسين ..
من الحمد يأتي أسمك ، وأحسبك محمود السيرة في السماء قبل الأرض ..
ألم يخبرنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم :
أن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل أنني أحب فلاناً فيحبه جبريل ..
ثم ينادي في السماء ، إن الله أحب فلاناً ، فيحبه أهل السماء قاطبة ..!
فهنيئاً لك هذا المجد .. فإني أحسبك من هؤلاء الصفوة .. ولهذا أحببناك ..
هل هي مصادفة عمياء أن يسميك أبوك : أحمد ؟؟!
لقد أمسى أسمك منحوتاً في قلب المرأة الثكلى هناك ،
وفي عقل الطفل اليتيم الذي يبحث عن أبويه ،
وعلى لسان الفتاة التي فجعت بشرفها ، فتلتفت بحثا عمن يثأر لها ..
وفي جبين الشاب الذي قرر أن يثأر ، ولو أكل التراب ، وتوسد بالسماء ..
هم جميعاً يفعلون ذلك ،
لا من أجل شخصك ورسمك ولونك وظلك ونسبك ،
بل لأنهم يعتقدون أن الله يسرك لتزرع في قلوبهم أشجار العزة والرفعة ..
كأنما يرون فيك درساً عملياً من إشراقات السيرة التي عطرت الحياة ذات يوم ..
دماء أبنائك تسيل في كل الطرقات ، فيولد من تحتها بريق النصر ..
ومعاناة بناتك اللاتي فجعن بآبائهن وأمهاتهن وإخوانهن ،
البيوت التي تهدمها المجنزرات ،
والحقول التي تجرفها آلات الحقد الصهيوني
ما زادك هذا كله إلا إصراراً على المضي نحو القمة ،
ولو خضت في سبيل ذلك بحاراً ثم بحاراً من دماء أعز الناس إلى قلبك ..
إن غرس راية ، فوق قمة جبل شامخ ،
لابد أن تكلف الكثير من الجراح والضنك والتعب والمشقة ،
فكيف وأنت تصرّ على أن تغرس راية الإسلام في القلب ،
في قلب القدس الحبيبة ، لتنطلق منها أنوار الوحي ..؟
لابد لكل ولادة من مخاض عسير ،
ولابد لكل هدف كبير من معاناة وجراح .
ولكن النصر على الأبواب ..
وعليكم أن ترابطوا في ثقة ، منتظرين وعد الله تعالى ،
الوعد الذي لا يتخلف ..
إن لم تكن العزة هي مواقفكم في وجه الطوفان الاسرائيلي التتري
وتآمر هذا العالم الخائب لاستئصالكم ،
إن لم تكن هذه هي العزة ، فإننا لا ندري ما معنى العزة إذاً ..؟
ترى أتكون العزة في تقبيل أيدي الأعداء ، ونحن لا ندري ..؟؟
إننا نعيش في زمن المفاهيم المقلوبة ،
في زمن يتردى الكل إلى قيعان شديدة الانحدار حيث لا قرار ..
زمن قد تلعثم فيه الصوت الداوي ،
وخارت فيه قوى كان يمكن أن تصنع الأعاجيب وأخواتها
لو أنها صدقت في مسك المشعل ، وعضت عليه بالنواجذ ..
في هذا الزمن المتردي يخرج شعب فلسطين الأبي من تحت ركام الأرض ،
بأطفاله وشبابه وفتياته ورجاله ونسائه ..
يعلنها صيحة حق تتردد في الآفاق صدى :
يا أهلَ اللـهِ لا تخشـوا طوفـانَ الخـوف ..
قـد كـنا بعـضَ فـتاتِ الأرض ِ..
لكنّ الإيمـانَ علّمنـا كيفَ يكــونُ الثـأرْ ..
أطلقنا للريحِ أنفسنـا ، فوقَ جبيـنِ الدنيا
أحراراً لا نملـكُ إلا اسم اللـهْ ..
عاهــدنا ا للـهَ أن نحيا بالإسلام ..للإسلام ِ..
ولتغضب كلّ وحـــوشِ الأرضْ . .
فالفجــرُ الآتـي .. لن يزرعـهُ غـيرُ رجـالِ اللــهْ ..
من هنا _ يا سيدي _ أعلنها :
إن العصافير الصغيرة لن تطولها أيدي الحقد بعد الآن _ إن شاء الله _
لأنها قد أصبحت اليوم ، وفيها روح الصقر الذي لا يعشق إلا الأعالي ،
وغداً تحمل بين مخالبها بيارق النصر ..
هذا هو الجيل الذي لا يعرف أن يحني لغير الله جبهته ..
جيل لا يعرف إلا أن يسلك درب النصر _ وإن غطى الدم الدم _
لا يعرف إلا أن يهتف في آذان الدنيا :
إذا هبت ريح الإيمان ، فلابد أن تترعرع ثمرات المجد ، وباقات النصر ،
لتصنع للدنيا وجهها الأخضر البهي ..
وهاهم أطفال فلسطين اليوم من حولك ومن بين يديك ،
يحملون الراية في إصرارا ويمضون بوجوه مشرقة
ينشدون وتنشد معهم الأرض والسماء :_
هبي يا ريحَ الإيمان وكـوني إعصـارا
هبـي في أرجـاء الأرض وذري الأنــوارا
فلعل الأسرى في الأرض تغدو أحرارا
تنعمُ بالأمنِ ** من رب الكونِ
**
يا ريحَ الإيمـانِ وكنزَ العـزةِ والفـخرِ
نسـماتكِ تغمرُ ساحـاتِ فؤادي بالبشرِ
تسمو بي تسمو تقذفني في دنيـا الخيرِ
فأنادي القدرا ** ان يهدي البشرا
http://www.inshad.net/fourm/showthread.php?s=362d749eb5eddae296c7c9074dab5e3a&postid=236326#post236326