الهمجية بين الماضي والحاضر (2)

مها العجلان
بقلم : مها العجلان

تلك وصايا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) _ في الحلقة السابقة _ لجند الرحمن وهم يخوضون القتال مع الكفار , ملؤها الرحمة والعدل , وفيها البراءة من الظلم والانتقام والوحشية والهمجية التي كانت ومازالت الصفة الغالبة على حروب الكفرة إن ما طرحنا جانباً الشعارات البراقة , والأعلام الخداعة , التي لا تجد لها أي مجال في أرض الواقع , ومن كان في شك من هذا فليسأل التاريخ كيف فتح الرسول (صلى الله عليه وسلم) مكة من غير انتقام ممن سامه وأصحابه سوء العذاب , وكيف فتح عمر القدس وأعطى أهلها الأمان , وكيف فتح المسلمون الأندلس , ثم ليقارن ذلك _ مع أنه لا وجه للمقارنة !!

_ بما فعله الصليبيون عندما دخلوا بيت المقدس سنة 1099م , حيث أراقوا منه الدماء وقتلوا فيه أكثر من سبعين ألفاً ، حتى خاضت خيولهم في بحر من الدماء , وبما فعله التتار في بغداد _ كما ذكره ابن كثير في (البداية النهاية) حين كان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب , ففتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار , ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسلحة , حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة ... حتى تعطلت المساجد والجماعات والجمع مدة شهور ببغداد .

وقد أختلف الناس في كمية من قتل في بغداد من المسلمين في هذه الوقعة : فقيل ثمانمائة ألف وقيل ألف ألف , وقيل ألفي ألف نفس .
وهاهو التاريخ يعيد نفسه , وما المذابح المعاصرة عنا ببعيد ...

فما من وقع الوثنين الهنود عند انفصال باكستان لا يقل شناعة ولا بشاعة عما وقع من التتار , إن ثمانية ملايين من المهاجرين المسلمين من الهند آثروا الهجرة على البقاء ولم يصل منهم أطراف باكستان سوى ثلاثة ملايين فقط ! أما الملايين الخمسة فقد قضوا في الطريق .. طلعت عليهم العصابات الهندية فذبحتهم كالخراف على طول الطريق وتركت جثثهم نهباً للطير والوحش بعد التمثيل بها ببشاعة منكرة لا تقل إن لم تزد على ما صنعه التتار بالمسلمين من أهل بغداد .

وفي الصين الشيوعية وروسيا الشيوعية أباد خلفاء التتار من المسلمين في حلال ربع قرن ستة وعشرون مليوناً بمعدل مليون في السنة الواحدة ,
وفي يوغسلافيا أبيد من السلمين مليون بعد الحرب العالمية الثانية , وما تزال عمليات التعذيب الوحشي ماضية .

وأما اليهود فإن مذابحهم في قبية ودير ياسين وغزة وطبرية وغرندل وكفر قاسم وغيرها معروفة لا تخفى .

كما تم إبادة الألوف من المسلمين القاطنين في مخيمي صبرا وشاتيلا _ عام 1982م , وفي وصف ذلك قال راديو لندن في إحدى نشراته الإخبارية : ( إن المسلمين الذين توجهوا إلى هذين المخيمين كان من الصعب عليهم الحصول على تقدير دقيق لأن الجثث كانت مبعثرة في مساحات كبيرة وقد أزاحت الجرافات حطام المنازل وردمته فوق الجثث لتخفيها , ويقول مراسلنا : إنه رأى قتلى في الشوارع والبيوت من رجال ونساء وأطفال وأمهات يحتضن أطفالهم .

ووجه مذيع إحدى شبكات التلفزيون الأمريكي تحذيرات متكررة إلى مشاهديه بأنه وصله للتو فيلم من بيروت عن المذابح التي ارتكبت هناك أو ينصح الأطفال ومرضى القلب بعدم مشاهدة الفيلم , لأنه ما يتضمنه أكبر مما تتحمله نفوسهم .

وما جرى وما يجري في أفغانستان , فقد خلفت الحرب الأولى مليوني طفل معاق , ويكفي أن عشر ألغام العالم مزروعة في أرضها .
ثم ما يجري هذه الأيام في العراق من استخدام أسلحة المار على الأبرياء . إلى غير ذلك من الأحداث الدامية التي تمض القلوب , وتقض المضاجع , وتعقد المرارات في أفواه المسلمين .

لكن ما أردته من العرض السريع هو تجلية الصورة النضرة للقتال الإسلامي , الذي لا يوجد فيه رائحة لما افتراه أولئك الأفاكون , ولا ينبغي أن تعتبر مزاعمهم _ سواءً حول نبينا (صلى الله عليه وسلم) أو ما يسمى الجهاد خاصة , والإسلام عامة _ من أكاذيب التاريخ لأنها أضعف من أن تحسب من الأكاذيب التي تحتاج إلى تصحيح , وهي أظهر بطلاناً من تبطل بالمناقشة .

يقول غوستاف لوبون : ( وسيرى القارئ حين نبحث في فتوخ العرب وأسباب انتصاراتهم أن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن , وأن العرب تركوا المغلوبين أحراراً في أديانهم . فإذا حدث أن أنتحل بعض الشعوب النصرانية الإسلام واتخذ العربية لغة له , فذلك لما كان يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذي لم يكن للناس عهد بمثله , ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم تعرفها الأخرى .

وقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة , فلما قهر النصارى عرب الأندلس فضل معظمهم القتل والطرد على ترك الإسلام .

كما قال تعالى ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) . ( البقرة : 256 )

1
131
تعليقات (0)