صبر وثبات محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم

عبدالله الدغيشم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فهذه مقالة في صبر وثبات سيد بني آدم صلى الله عليه وسلم مع تمجيد له وثناء عليه، وهجوم على من تعرض له بشيء من السب أو الانتقاص:

إنه لا ينتهي العجب من صبر وثبات نبينا وإمامنا وقدوتنا وأسوتنا وحبيبنا وقرة عيوننا ومهجة قلوبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فأول حياته كان في يُتم وفقر ومع ذلك صبر، وحين بدأ بالدعوة السرية أعرض عنه بعض أقاربه فصبر، وحين أخبره ورقة ابن نوفل بأن قومه سيعادونه ويخرجونه ثبت وصبر، وحين جهر بالدعوة سبه عمه أمام الملأ فثبت وصبر، وحين صار يذهب لمجامع الناس في الحج والأسواق يدعوهم إلى الحق كان عمه يسير خلفه ويقول : مجنون مجنون ومع ذلك ثبت وصبر، سبه قومه ورموه بالقبائح " قالوا: ساحر فصبر، قالوا: كاهن فصبر، قالوا: مجنون فصبر، قالوا: شاعر فصبر، قالوا عنده أساطير الأولين فصبر، وضعوا سلا الجزور على ظهره فصبر، وضعوا الشوك في طريقه فصبر، خنقه أحدهم بردائه فصبر، أتوا له بالمغريات مقابل ترك دعوته فقابل ذلك بالثبات على دعوة الحق، قالوا له: إن كنت تريد زوجةً زوجناك أجمل نساء العرب وإن كنت تريد مالاً أعطيناك أنفس الأموال، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك … إغراءات دنيوية لم يأبه بها، بل قال ثابتاً معتزاً: أريد منكم كلمةً واحدةً تملكون بها العرب هي : لا إله إلا الله .

ثم صار يبحث في الوفود عمَّن يحميه وينصره فلم يجد فصبر وثبت، ثم عزمت قريش على اختيار أربعين شاباً من مختلف القبائل ليقتلوه، وحاصروا بيته ينتظرون الفرصة السانحة لقتله، فما كان منه إلا أن خرج من بينهم ثابتاً ثبات الجبال، ثم خرج شريداً طريداً من مسقط رأسه وبلده الذي ترعرع فيه أيام الصبا، خرج من بلده الذي عاش فيه ثلاثاً وخمسين سنة، خرج مقابل نصرة دعوة الحق وما ذاك إلا ثباتاً وصبراً، ولم يقف جهد قريش على هذا الحد، بل وضعوا مائة ألف إبل لمن يأتي به حياً أو ميتاً، فيغير اتجاهه الذي يريد لعله يضللهم، ويمكث في غار حراء ثلاثة أيام، ويأتون ويبحثون عنه حتى اقتربوا من الغار وكادوا يرونه ، فقال كلمة الثابت على الحق ( لا تحزن إن الله معنا ). ولما أنعم الله عليه ببناء الدولة في المدينة لم يتوقف صبره وثباته، فهاهو قد صبر أما قريش في غزوة بدر الكبرى، حيث كانت قريش أضعاف عدد المسلمين، ولمَّا حلت به المصائب في غزوة أحد … قتل سبعون من أصحابه بينهم أسد الله حمزة عمه … وشُجَّ رأسه وكسرت رباعيته ومع ذلك استمر ثابتاً صابراً، ثم حاصر الأحزاب المدينة واشتد الكرب حين نقض اليهود العهد أثناء الحصار، فما زاده ذلك إلا صبراً وثباتاً وتذكيراً للناس بالتفاؤل، وقد نقض اليهود الذين بجانب المدينة العهود فصبر، وآذاه المنافقون كثيراً فصبر، ورأى سوء الأخلاق من الأعراب فصبر، تحمل قيادة الكثير من المعارك الإسلامية فصبر، ذاق في الجهاد الجوع والعطش والاحتفاء وقلة اللباس والمتاع فصبر، ذهب لنشر الإسلام في أيام عصيبة وأجواء حارة وبلدان بعيدة فصبر، واجه جموعاً من ألد الأعداء فصبر، صدم بتفرق جيش المسلمين في معركة حنين فصبر، ثم لم تتوقف جهود هذا الصابر الثابت حتى شرع في إرسال الرسائل لملوك البلدان يدعوهم إلى الإسلام، إنه ما زال صابراً ثابتاً على تبليغ رسالة ربه إلى آخر رمق في حياته صلى الله عليه وسلم ، إنه بذلك أصبر البشر وأثبت البشر وأفضل البشر وأكرم البشر وأرحم البشر وأحلم البشر وأحكم البشر وأجمل البشر وأفصح البشر وأبلغ البشر وأشجع البشر وأعلم البشر وأقوى البشر ، بل هو بطل التاريخ ، ومعلم البشرية ، هو قدوة المربين أجمعين ، كيف لا ؟ وقد قام بتربية أفضل جيل وجد على وجه الأرض، ومن كان في شك من ذلك فليقرأ سيرته … إن محمداً صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن ، وأحب البشر إلى الله تعالى ، وتظهر أفضليته على البشر يوم القيامة ، فهو صاحب المقام المحمود والشفاعة ، العظمى ، حيث لا يأتي الله - سبحانه وتعالى - لفصل القضاء حتى يشفع حبيبه صلى الله عليه وسلمولا تفتح أبواب الجنة حتى يأتي يشفع في فتحها ، وهو الذي يبدأ الشفاعة لأهل المعاصي من المسلمين ليدخلهم الله الجنة و فيمن دخل الجنة أن ترفع درجته ، وهو صاحب الوسيلة والمكانة الرفيعة التي لا ينالها غيره .

نعم هذا حبيبنا ونبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، يجب علينا محبته وطاعته والدفاع عنه ومناصرة دينه ، أما إذا تكلم فيه خبيث أو خسيس من اليهود أو النصارى فلا غرابة لأن الله تعالى قال ( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أوتوا الكتاب أذىً كثيراً ) ، و والله إنه من أشد الأذى أن يأتي خسيس يتكلم على أفضل البشرية وإنني أرجو أن يعجل عقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم كيف لا وقد اعتدى على أحب حبيب إلى الله ، وقد كان المسلمون إذا حاصروا بلداً كافراً علموا أنهم إذا سمعوا أن أحداً يسب محمد صلى الله عليه وسلم فإن الكفار سيهزمون عقوبةً من الله لمن تكلم في حق خليله .

وقد ورد في الحديث القدسي ( ومن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب … ) وإن أعظم ولي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الذي عاداه خسيس لا يساوي قطرةً سالت على جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنَّ الذي تبجح بسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خلف لكفار قريش الذي وصفوه بالجنون والشعر والسحر والكهانة ، وخلف للمنافقين الذي وصفوه بأنه أرغب الناس بطوناً وأكذبهم ألسناً و أجبن عند اللقاء ، وخلف للمنافقين الذي قذفوا فراشه ، بل إني أرجو أن يكون عذاب من سب صلى الله عليه وسلم وهو ميت أشد من عذاب من سبه وهو حي ، لأن من سبه وهو حي سبه مع حضوره وقدرته على أن يعفو أو يأخذ بحقه ، أما من سبه وهو ميت فقد سبه مع غيبته وليس موجوداً حتى يعلم هل يعفو أو يأخذ بحقه ، ولن يضر سيد بني آدم صلى الله عليه وسلم أن يسبه خسيس عاش في القرن الخامس عشر ، وقد قيل ( لا يضر السحاب نباح الكلاب ) ومن المعلوم أن من سبه وهو غائب تفضل الله عليه بأجور الله أعلم بها ، وإني أجزم بأن الذي سبه ، جاهل بحقيقة سيرة حبيبنا صلى الله عليه وسلم ، إذ لو قرأها من مصادر موثوقة لعرف من يسب أو لاستحى أن يقول كلمة في الخط من شأنه ، ثم أتوجه إلى الله قائلاً : اللهم عجل بإنزال العقوبة الشديدة على كل من سب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا من أنصار كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وثبتنا على ذلك ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً .

1
119
تعليقات (0)